محمد السراي
طالما كانت الاحلام فسحة وملاذ للعقل مغادر بها بعيداً عن الواقع ونقطة الانطلاق نحو تحقيق الذات مع رغبة في مواصلة السير نحو الضفة الاخرى كمنطقة للبحث عن بداية جديدة يستخدم فيها العقل و التفكير بصحبة المشاعر والاحاسيس الراسخة في عمق الوعي وصراعات الاخيلة مع القليل من التأمل في لحضات غامرة تشهد صراع بين الكلمات التي تتزاحم على ابواب السؤال طارقة كل عبارات الوصول عبر نزيف الاقلام الناطقة عن ذلك الوحي الذي يسكن رأس صاحبه مستخدما ذكاء مجرد في مايدون من نصوص مختلفة في عالم التدوين والنسخ القصصي والورائي والكلمات التي تطرق المسامع وتحاكي العيون شوقاً ، فعندما كتب الاديب (نجيب محفوظ ) حكاياته كان يرسم احداثاً في ذاكرة الشعوب وحكاياتهم مع سكارته المحترقة بين اناملة الغاضبة محاول ان يحكي لنا معناتنا التي نواجهها اليوم بكل اشكال الخراب والعدم ، اما عن عالم الاجتماع ( علي الوردي) كان يبحث وسط الحشود بين المهمشين والصعاليك من المجتمع مستلهماً افكاره من تفاصيل الازقة الضعيقة والشوارع الخلفية وزخام المدن الكبيرة ، فما كان ( للسياب ) غير فصاحت فكره وعمق نصه الذي ولد حراً في ابيات القصيدة التي عانقت السماء باحثة عن المطر .. (ونازك ) كانت تروي لنا عن حبها لنهر عاشق عانق العراق باكياً ليروي عطش العاشقين حين اراد العبور فوق شفتي بغداد مقبلاً راحتيها ، اما (الجواهري) ذلك الذي كان يبحث عن دجلة في بساتين مخيلته الواسعة بعيداً عن المنصات الرقمية والاجهزة الصناعية ، فكانوا يستلهمون جمال ابداعهم عبر مدخلات ذاكرة خصبة وخزين معرفي يعادل كل مدخلات الواقع الرقمي الذي حل بديلاً عن الابداع صانع عقول معاقة متقاعسة عن التفكير سيطرت بكل ماتحملة من بيانات ضخمة على حجم وتكوين المجتمعات وممارسات الافراد وطبيعة التواصل وبناء المعرفة دون الالتفات الى خطورة ماتحملة تلك التجارب من تدمير لبنبة العقل وتعطيل كامل له واسقاطه في فخ الاعتماد على الجهد التقني لنكون قطعان ندور في ساقيته دون الالتفات او التراجع ، فمن يقف حوله ومن المستفيد من تدمير العقل البشري وتهميش ابداعه وتعطيل الذكاء فلا يمكن ان يصنع بل هو نابع مدركات حسية لتجارب الاخرين وسعيهم في الوصول والتحقق بذهنية تأملية عبر الاطلاع والمعرفة والخوف من تراجع الإبداع البشري وغياب الملهم في مواجهة التكنولوجيا المتقدمة والاعتماد المفرط على البيانات الضخمة التي تمنع وجود مبدعين في مختلف المجالات وهذا ما وصلنا اليه من فراغ كبير بيننا وبين العالم الاخر الذي صنع لنا ذكاء يدار عبر عقولهم التي طورتها البحوث والتجارب العلمية وذكاء فلسفيًا وعاطفيًا عميقًا يدار به العالم عبر شبكات اخترقت الاذهان ورسخت التخلف وتهميش الفكر .