العالم - وكالات
المشهد الريفي والشعبي في لوحات الرسام المصري عمر عبد الظاهر، يبدو دائماً ذا طبيعة أسطورية. فهو مشهد متسع وزاخر بالتفاصيل، يحتفي الفنان خلاله بالطبيعة، كما يوظف الضوء والظلال ودرجات اللون للتعبير عن الحركة. يحمل هذا المشهد الأسطوري قدراً وافراً من التنوع والثراء اللافت في المفردات والكائنات، هذه الكائنات التي يرتبط حضورها بطبيعة المكان، ومن هذا المزيج تتشكل ملامح الأسلوب الذي يميز تجربة الفنان.
يعرض الفنان عمر عبد الظاهر مجموعة متنوعة من أعماله التصويرية حالياً في غاليري سفر خان في القاهرة تحت عنوان "جذور" . يشير العنوان الذي اختاره الفنان لمعرضه على نحو مباشر، إلى موطن كل هذه الأشكال التي تزخر بها لوحاته، فالجنوب المصري بكل تنويعاته، هو مصدر إلهامه ونبعه الذي لا ينضب من العناصر والمفردات. هذه العناصر التي تشكل بنية اللوحة في أعمال عبد الظاهر لا تتوافر لسكان المدن بطبيعة الحال. من أجل هذا كان عليه العودة مرة أخرى إلى الجذور والبحث بين تنويعات الطبيعة عن مشهد مُغاير لفضاء المدينة، الصاخب والمتوتر. إن التعبير عن المفردات والعناصر السخية التي تتيحها الطبيعة، يحتاج بالطبع إلى يد ماهرة وقدرة على الملاحظة والتسجيل. غير أن الأمر لا يقتصر هنا على المهارة فقط، فالمعايشة وحدها هي القادرة على اكتشاف الجوانب السحرية لهذه الأماكن. إن ما يميز أعمال عبد الظاهر هو تجاوزها للهيئة الخارجية البديعة للبيئة الريفية إلى التعبير عن مكنونها وفرادتها، مما يعكس ارتباطاً وثيقاً ومعايشة حقيقية لهذه البيئة ومعرفة عميقة بطبيعتها.
على الرغم من احتلال هذا الموضوع جانباً معتبراً في تجربة الفنان عمر عبد الظاهر على نحو عام، إلا أن المعرض الحالي يبدو أكثر حيوية وثراء، وهو يمثل انعطافة هامة في مسيرته الإبداعية، نظراً لاتساع رقعة هذا الإستلهام وتنوع مشاربه. تعبر الأعمال المعروضة تعبيراً صادقاً عن أسلوب الفنان المميز في معالجة موضوعاته التصويرية، هذه الموضوعات التي تنطلق غالباً من بنية تتسم بالواقعية. غير أن الفنان لا يكتفي بهذا الرصد المباشر لمظاهر الطبيعة والبيئة الريفية والشعبية، إذ تتحول هذه البنية الواقعية إلى بناء بصري ملحمي، بفعل المعالجة الفنية التي تعتمد في جانب كبير منها على المبالغة والتحريف في صوغ العناصر. في هذه الأعمال تتحول العناصر والمفردات الطبيعية إلى كيانات ذات طبيعة أسطورية لكل منها رمزيته ودلالاته الخاصة في سياق العمل.
المتأمل في أعمال الفنان عمر عبد الظاهر لا بد أن يلتفت إلى هذا الحضور الطاغي للكائنات الأخرى المصاحبة للبشر، فالحيوانات والطيور في لوحاته هم رفقاء طيبون ومسالمون، لا مجرد كيانات هامشية مكملة للمشهد. هذا الاهتمام بالعناصر الحيوانية والعلاقات البصرية الناشئة من اشتباك حضورها مع الوجود البشري، قد يساهم في تأكيد هذا الجانب السحري في أعمال عبد الظاهر. لا تخلو لوحة من لوحات الفنان من حضور هذه الكائنات، وهو أمر طبيعي عند تناول البيئة الريفية. غيرأن ما يميز معالجات عبد الظاهر هو ذلك الحرص على خلق حوار بين البشر وهذه الكائنات في تأكيد تأثيرها ومركزيتها في اللوحة كما في الطبيعة. تبدو تجربة الفنان عمر عبد الظاهر امتداداً للممارسات الفنية لمن سبقوه من المصورين الكبار من رواد التصوير المصري الحديث، فلا شك أنه استفاد من هذه الممارسات وتلك التجارب المحفورة في ذاكرة الحركة الفنية.
تتمثل أبرز التقاطعات بين تجربة عمر عبد الظاهر ومن سبقوه من المصورين المصريين في التزامه البارز بالأطر الأكاديمية للعمل التصويري، إلى جانب بحثه الدؤوب عن هويته الخاصة بين المثيرات البصرية في بيئته المحلية. ولعل هذا المسار الذي يلتزم به الفنان قد يفسر الكثير من اختياراته لعناصره ومحتوى أعماله التي يضمها معرضه الحالي.
تخرج الفنان عمر عبد الظاهر في قسم الغرافيك بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا عام 1991 وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من الكلية نفسها. تركز البحث الأكاديمي للفنان حول الموروث الشعبي وأثره في الممارسات الفنية المعاصرة. أقام عبد الظاهر العديد من المعارض الفردية بداية من عام 1998 كما شارك في الكثير من المعارض الجماعية محلياً ودولياً. وهو حاصل على جائزة الدولة للإبداع الفني عام 2001 التي تمنحها وزارة الثقافة المصرية للشباب المتميزين في مجالات الإبداع.