الروح في «فلسفتنا»
17-كانون الأول-2022
محمد عبد الجبار الشبوط
حين سأل الناس النبي محمدا (ص) عن الروح، اخبره الله ان يقول لهم:"الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا". وفي الاية شقان كما هو واضح. الشق الاول ان الروح "من امر ربي". وهذا امر مفروغ منه، فكل شيء في الوجود "من امر ربي". والشق الثاني: ان علم السائل قليل، بمعنى عدم توفر المقدمات المعرفية الكافية التي تجعله قادرا على معرفة جواب السؤال. وهذا ايضا مفهوم على اساس ان المستوى العلمي والمعرفة لاصحاب السؤال قبل حوالي ١٤٠٠ سنة كان ما يزال منخفضا. ولكن هذا الجواب ابقى الباب مفتوحا امام العلماء والمفكرين للبحث فيه سواء في بعده الميتافيزيقي او في بعده الطبيعي المادي.
وقد قيض لاحد هؤلاء العلماء الالمعيين، وهو الفيلسوف الاسلامي الشهير الملا صدر الدين الشيرازي والمعروف بصدر المتألهين (١٥٧٢-١٦٤١) ان يبحث الموضوع في كتابه الكبير المعروف باسم "الاسفار الاربعة".
و قدم السيد محمد باقر الصدر في كتابه "فلسفتنا" (٢٩ ربيع الثاني ١٣٧٩) فهمه لمسألة الروح، استنادا الى نظرية "الحركة الجوهرية" لصدر المتألهين، التي ترى ان "المادة في حركة مستمرة وتطور دائم".
وفيما يتعلق بالانسان يرى الصدر "ان للانسان جانبين احدهما مادي يتمثل في تركيبه العضوي والاخر لا مادي وهو مسرح النشاط العقلي والفكري". وهذه الفكرة بمجملها مشتقة من القران الكريم الذي يقول ان الله خلق الانسان من طين (مادة) ثم نفخ فيه من روحه (الجانب الروحي).
والعلاقة بين الجانب المادي والجانب الروحي "وثيقة حتى ان احدهما يؤثر في الاخر باستمرار". وقد رفض الصدر تفسيرات افلاطون وارسطو وديكارت للعلاقة بين الجانبين. كما رفض تفسير الانسان بعنصر واحد هو المادة.
اعتبر الصدر ان افضل تفسير للعلاقة بين الجانب المادي والجانب الروحي تم على يد الفيلسوف صدر المتألهين الشيرازي الذي يعود اليه اكتشاف "حركة جوهرية في صميم الطبيعة". وهذه الحركة حسب الصدر/الشيرازي هي "الجسر بين المادة والروح": "فان المادة في حركتها الجوهرية تتكامل في وجودها وتستمر في تكاملها حتى تتجرد من ماديتها ضمن شروط معينة وتصبح كائنا غير مادي، اي كائنا روحيا، فليس بين المادي والروحي حدود فاصلة، بل هما من درجات الوجود. والروح رغم انها ليست مادية، ذات نسب مادي، لانها المرحلة العليا لتكامل المادة في حركتها الجوهرية". وعلى هذا الاساس نفهم العلاقة بين الروح والجسد او بين العقل والجسد. "بل ان العقل نفسه ليس الا صورة مادية عند تصعيدها الى اعلى من خلال الحركة الجوهرية."
واستدرك الصدر في ختام هذا التفسير بالقول ان "هذا لا يعني ان الروح نتاج للمادة واثر من اثارها بل هي نتاج للحركة الجوهرية. والحركة الجوهرية لا تنبع من نفس المادة لان الحركة - كل حركة- خروج للشيء من القوة الى الفعل تدريجيا… والقوة لا تصنع الفعل والامكان لا يصنع الوجود. فللحركة الجوهرية سببها خارج نطاق المادة المتحركة، والروح التي هي الجانب غير المادي من الانسان نتيجة لهذه الحركة.والحركة نفسها هي الجسر بين المادية والروحية". بل ان الحركة كما يقول صدر المتألهين هي "نحو وجود الشيء التدريجي الوجود"، "والحق، كما قال، ان النفس الانسانية جسمانية الحدوث والتصرف، روحانية البقاء والتعقل".
ويمكن ان يكون هذا الفهم مشتقا من قوله تعالى:"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ". فقد تفيد هذه الاية معنى الانتقال بالمادة من حالة "الموت" الى حالة "الحياة"، كما في قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ". وان "التسوية" هي الحركة الجوهرية في المادة المؤدية الى بث الحياة فيها، وهذه تتم من خلال قوانين وشروط وضعها الله، بوصفه الكائن الخالق العاقل المريد، حيث نستبعد الصدفة في تحقيق ذلك، وان "النفخ" في المادة من روح الله هو اعطاؤها الحياة، باعتبار ان روح الله هي الحياة نفسها. وتحول المادة الميتة الى مادة حية كما حصل قبل حوالي اربعة مليار سنة على يد الله هو احد الموضوعات التي حار فيها العلماء ومازالوا يبحثون فيها وعنها حتى اليوم.