حسين فوزي
منذ مطلع الثمانينات الماضية والسلطات المعنية بالإسكان شخصت أن الحل الأنسب هو البناء العمودي لإسكان المواطنين. وهو نهج تسير عليه حالياً اغلب دول العالم بناء على قناعة علمية وفنية تنطلق من حقيقة أن:
1. كلفة السكن العمودي تكون اقل مقارنة ببناء المساكن، ويمكن إنجازها أسرع من قبل الشركات المتخصصة، سواء اكانت من القطاع العام أو المختلط أو الخاص.
2. عليه فأن تنفيذ السكن العمودي ضمانة لتوفير سكن بكلفة مناسبة لذوي الدخل المحدود والمتدني، بحكم اختزال الكلف، وتولي شركات مدعومة المشاريع. وهو ما توفره الحكومة لشركات البناء، لكنها تواصل المضاربة بأسعار الوحدات السكنية بدون ضوابط.
1. سهولة توفير البنى التحتية الضرورية لمشاريع السكن، وتقلص كلفه، بحكم صغر المساحة نسبياً إلى حد كبير.
2. الحفاظ على الأراضي الزراعية وامتداداتها بما يعزز مواجهة التلوث، وتحقق خدمات بلدية وصحية أفضل في رقع أصغر.
والمفارقة الأولي هي انه بقدر ما تؤكد كل تجارب الشعوب، حتى الغنية، دور السكن العمودي في المدن لمعالجة تزايد الحاجة لوحدات سكنية جديدة، فأن السلطات العراقية تتجاهل، مع الأسف، هذه الحقيقة وتعمل على توزيع قطع أراضي على مواطنين، هم في الأصل بالكاد يوفرون احتياجاتهم الضرورية في الحياة اليومية، فكيف يستطيعون بناء بيوت سكنية، في ظل هذا الارتفاع الكبير في أسعار المواد الإنشائية واجور العمالة المرتفعة.
علماً أن المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، يؤكد وجود أكثر من 10 ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر، في ظل غياب فرص حقيقية لتشغيل القادرين على العمل. وبحسب البيانات الرسمية لوزارة التخطيط، يوجد قرابة 25% من سكان العراق يعيشون تحت خط الفقر، فيما ترى مصادر مستقلة أن النسبة تزيد على 30%.
وقال وكيل الوزارة جابر الحساني لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إنه" بحسب تقديراتنا فإننا بحاجة إلى من (2.5 -3) ملايين وحدة سكنية لحل هذه الأزمة، بالإضافة إلى إجراءات الدولة الأخيرة بتمليك المواطنين الأراضي الزراعية، فيكون الرقم مقبولاً".
وأضاف أن "هذا العدد يعتبر حاجة آنية، إلا إن ان هناك حاجة سنوية بسبب النمو على المدى البعيد، لأن هناك زيادة بالحاجة لتلك الوحدات بنحو 150 ألف وحدة نتيجة النمو السكاني كون المجتمع العراقي من المجتمعات الشابة".
وأكد، أن" العراق يحتاج من 20 إلى 25 ألف مدرسة لحل مشكلة الاكتظاظ الطلابي في الصف الواحد والازدواج في الدوام"، منوها إلى، أن" الكثير من المدارس انتهى عمرها الافتراضي أو الزمني، وهي بحاجة إلى إعادة بناء بشكل يتناسب مع التطور الحاصل في العالم".
والسؤال هل أن توزيع الأراضي على المواطنين سيمكنهم من بناء مساكنهم، وهل أن الجهات الرسمية استكملت البنى التحتية من خدمات ومدارس ومستوصفات قبل أو اثناء بناء المناطق السكنية؟!
شركات الاتصالات ...جباية رسوم سريعة وتلكؤ دفع مستحقات الدولة:
-----
تبرع شركات الاتصالات في وقف خدماتها الهاتفية دورياً خلال مدة تقل عن الشهر، مطالبة المواطن بشحن جديد لرصيده، حتى إن لم يكن قد استنفذ كاملاً، ولا يملك المشترك سوى الإذعان، فهو بلا حول أو قوة في مواجهة تعليق اتصالاته من الشركة المتحكمة.
وشركات الاتصالات في تحكمها عندنا في العراق تتقاضى رسوم اتصالات تعد هي الأعلى مقارنة بكل دول الجوار وبقية العالم...على الرغم من تعدد هذه الشركات، لكنها جميعاً متفقة على حلب العراقيين، حيث تغيب منظمات فاعلة للدفاع عن المستهلك.
من ناحية أخرى، وهذه هي المفارقة الثانية، فأن شركات الاتصالات دأبت على التلكؤ في دفع مستحقات الدولة عن تراخيص العمل والرسوم المشروعة المفروضة على دخلها.
وعلى سبيل المثال فأن شركة كورك التي تعد من أحدث الشركات مطالبة بتسديد ديون تزيد على 800 مليون دولار وفق حكم قضائي صدر بحقها.
أما شركتا زين وآسيا سيل اللتان حققتا ارباحاً صافية تقدر خلال الربع الأول من السنة 2023، أكثر من 140 مليار دينار عراقي، حسبما كشفه تقرير لمؤسسة "عراق المستقبل" المعنية بالشؤون الاقتصادية.
وقالت المؤسسة في التقرير " إن "شركة آسيا سيل للاتصالات في العراق، حققت أرباحا تاريخية بلغت أكثر من 100 مليار دينار عراقي في الربع الأول من العام 2023 وبنسبة نمو بلغت 60%".
ووفقا للمصادر نفسها، فإنه على امتداد عشر سنوات (2009-2019) حققت الشركتان الكبيرتان في العراق (آسيا سيل وزين) عائدات تجاوزت الـ ٣٠ مليار دولار أمريكي.
ومع هذا، برغم أن الشركتين عملياً اطفئتا كلف إقامة شبكتي مشروعيهما منذ وقت مبكر، إلا انهما لا يدفعان مستحقات الدولة العراقية البالغة اكثر من مليار دولار متراكمة من السنوات السابقة.
خدمات طبية وادوية باهظة التكاليف
-------
أما المفارقة الثالثة فهي أن الدولة تعلن عن مشاريع بناء مستشفيات، وتوطين الدواء، وتحدث السيد وزير الصحة عن انخفاض ملحوظ في أسعار الأدوية، بفعل الرقابة التي بدأت تفرضها لخدمة المواطنين.
لكن المواطن يعرف جيداً ان أسعار الدواء قد تضاعفت، ومن الذرائع المبتكرة عن شراء المواطن للدواء يقال له ان هذا الدواء "مفحوص من قبل الوزارة"، لذلك فهو بضعف سعر الدواء المشابه غير المفحوص!
ولا أدرى إن كان مسموحاً في بلادنا ترويج ادوية دون مواصفات الدواء الحقيقي؟
ولا أدرى لماذا المزيد من المستشفيات، ويظل الزحام كثيفاً على مستشفياتنا، مثل اليرموك، وطب العيون ومدينة الطب وبقية المستشفيات؟
ما هي نسبة عدد المواطنين لكل طبيب في العراق؟
على ذمة المجلة الامريكية CEOWORLD ، فان العراق احتل المرتبة الـ 13 عربيا والـ 118 عالميا للبلدان التي لديها اعلى وادنى عدد من الأطباء لكل فرد للعام 2023. وتشير المجلة الى ان العراق احتل المركز الـ118 عالميا بمعدل احتل فيه الاطباء 9.1 لكل 1000 شخص، والعاملون في التمريض 22.6 لكل 1000 شخص ، وأطباء الأسنان 3.3 لكل 1000 شخص ، والصيادلة 3.9 لكل 1000 شخصا
علماً ان أكثر من 1000 طبيب في اختصاصات متنوعة ملفاتهم في وزارة الصحة بدون تعيين، فيما يظل التعيين من حصة الأصوات الانتخابية ممن هم بدون اية مؤهلات تستدعي المصلحة الوطنية تعيينهم، لكن "ترشيحات" القوى النافذة هي التي تتحكم بالتعيينات لأغراض سياسية.
وستظل الحقيقة الأساس هي أن جباية الضرائب والرسوم المتنوعة، بالأخص من الشركات وكبار التجار، وبناء مجمعات سكنية تلبي حاجة المواطنين محدودي الدخل، والارتقاء بالخدمات الصحية وتوفير الدواء، يمكن تحققها إذا ما كانت السلطة التنفيذية قوية مدعومة وليس وجودها مرهون بـ "مضاربات" القوى السياسية المتحكمة ... وحيث يتجرأ البعض مع الأسف الشديد على اعتبار رئيس مجلس الوزراء "مجرد مدير عام" مكلف من قبل هذه الأطراف.
وسيظل التهرب من الضرائب والرسوم والجمارك مستمراً طالماً ان هناك قوى مسلحة تمنح نفسها صلاحيات تتجاوز على سلطات الدولة الشرعية، ووجود مفاصل يعشعش فيها الفساد محمياً من قوى مستفيدة من هذا النهب لموارد الشعب وبناء الوطن.