السهل الممتنع . . . تقنية إبداعية قادرة على التقاط الجمال المراوغ
4-تشرين الأول-2022
عدنان حسين أحمد
ليست هي المرة الأولى التي تنجز فيها المخرجة اللبنانية الدؤوبة رانية إسطفان فيلمًا وثائقيًا عن الروائية والناشطة السورية سمر يزبك المقيمة حاليًا في باريس، فلقد سبق لرانية أن أنجزت عنها فيلمًا بعنوان "مقابلة مع سمر يزبك" سنة 2013م الذي طرحت فيه تساؤلات مهمة "حول كيفية إجراء مقابلة مُصورة" كما عرّجت على ثنائية "الحياة والموت" و "الكتابة والمنفى" وما إلى ذلك من ثيمات ذاتية وموضوعية. وقد عادت رانية مؤخرًا لتنجز فيلمًا آخرَ عن سمر يزبك وضعتهُ تحت عنوان "السهل الممتنع: عن الحوارات مع سمر يزبك"، أمّا العنوان الأجنبي فقد ورد بصيغة مجازية مفادها "في حقول الكلمات: محادثات مع سمر يزبك". انتهت رانية من وضع اللمسات الأخيرة على هذا الفيلم الوثائقي الذي يشتمل على ثيمات متعددة هي الحرب، والعنف، وحقوق الإنسان، والتاريخ، واللغة بوصفها معطىً إبداعيًا يخفّف من وطأة الحياة الواقعية البشعة وينتصر للحق والعدل والجمال.
لا شك في أنّ سمر يزبك معروفة كقاصة وروائية وناشطة في مجال حقوق الإنسان، وتمكين المرأة تحديدًا لكنّ عامة الناس قد لا يعرفونها جيدًا، ولم يقرأوا نتاجاتها القصصية والروائية وسردياتها غير الخيالية الأمر الذي يدفعنا إلى التعريف العاجل بنتاجاتها الأدبية والفنية حيث أصدرت مجموعتين قصصيتين وهما: "باقة خريف" و "مفردات امرأة"، وخمس روايات وهي:"طفلة السماء"، و"صلصال"، و"رائحة القرفة"، و"لها مرايا"، و "المشّاءة". كما أنجزت سرديات غير خيالية Non-Fiction وهي: "جبل الزنابق"، و "المهنة كاتبة متمردة"، و "تقاطع نيران: من يوميات الانتفاضة السورية"، و "بوابات أرض العدم"، "وتسع عشرة امرأة- سوريات يروين"، وإضافة لذلك فهي تكتب سيناريوهات أفلام سينمائية ومسلسلات تلفازية. وأكثر من ذلك فهي تدبِّج العمود الصحفي والمقالة النقدية، وتقف أمام الكاميرا كلّما وجدت نفسها أمام مُخرجة جادة، وعدسة ذكية وحسّاسة قادرة على التقاط الجمال المراوغ الذي يتواري عن الأنظار. عملت يزبك في صحيفة "الحياة" لمدة عشر سنوات، وأعدّت وقدّمت برنامج "حكاية مكتبة"، وأسست منظمة"النساء الآن" التنموية، وحازت على جائزة أفضل سيناريو عن فيلم "سماء واطئة"، وجائزة هارولد بنتر مناصفة مع كارول آن دافي عن كتاب "تقاطع نيران" وجائزة جائزة توشولسكي السويدية عن الكتاب ذاته الذي تُرجم الى الإنگليزية والفرنسية، كما تُرجم لها كتاب "بوابات أرض العدم" إلى السويدية والفرنسية. قد تبدو هذه التوطئة طويلة بعض الشيء لكنها مُبرّرة لجهة استحقاق سمر يزبك لفيلم وثائقي متوسط الطول تصل مدته إلى 70 دقيقة لتسليط الضوء على جوانب من حياتها الإبداعية، ورصد التماعاتها اللغوية والفكرية والفلسفية وهي قريبة من السينما كما أسلفنا لجهة كتابة السيناريو السينمائي والتلفازي في الأقل. وقبل الخوض في تفاصيل فيلم "السهل الممتنع: عن الحوارات مع سمر يزبك" لابد من الإشارة إلى النَفَس التجريبي لغالبية أفلام المخرجة رانية إسطفان ولعل ذلك متأتٍ من اختصاصاتها المتعددة فهي مُصورة، ومهندسة صوت، ومونتيرة، ومخرجة، كما أنها توظّف المواد الأرشيفية في بعض أعمالها الفنية. وتركِّز على ما تسمّيه بـ "علم آثار الصور والهُوية والذاكرة".
ثمة تنويه جوهري في نهاية الشريط السينمائي إلى أنّ المقاطع المختارة التي تمّ توظيفها في المتن السردي للفيلم منتقاة من أربعة كتب وهي: "جبل الزنابق"، و"تقاطع نيران"، و"بوابات أرض العدم"، و "المشّاءة". ولو شئنا الدقة لقلنا إنّ الكتاب الأول هو "حكي منامات" كما تسمّبه يزبك، والثاني والثالث هما يوميات، والرابع هو رواية وكأنّ مخرجة الفيلم أرادت التأكيد على كل الأجناس الأدبية التي تكتبها سمر يزبك وتتألق فيها. وثمة نصوص أخرى ليزبك ومقاطع من أفلام وظّفتها المخرجة ورصّعت بها متن الفيلم الوثائقي الذي نال جائزة أفضل فيلم في مهرجان ڨيلا ميديشي السينمائي الإيطالي لعام 2022م.
وحشية الجلاد وصلابة الضحيّة
نسمع الراوية العليمة سمر يزبك وهي تقرأ مقطعًا طويلاً بعض الشيء من كتاب "تقاطع نيران" الصادر سنة 2012م توثق فيه يوميات الانتفاضة السورية سنقتبس منه ما يعبّر عن وحشية الجلاد، ومحاولة كسر إرادة الضحية، وإذلالها، وتركيعها. ثمة جلاد يقوم بفتح الأبواب ليحشر الضحية في إحدى الزنازين فترى ثلاثة أجساد معلّقة تتأرجح مثل ذبائح تسيل منها دماء طازجة ثم تقول:"تراجعت إلى الوراء. في تلك اللحظة رفع شاب رأسه بتعب، لم يكن له وجه، عينان مُطبقتان تمامًا. لم ألمح لمعة عينيه. لا مكان لأنفه وحتى لشفتيه. وجهه مثل لوحة حمراء بلا خطوط . . . كان الرجل يُمسك بي ويجّرني وأتعثّر ثم يفعل ذلك بقسوة أكبر ثم جرّني على الدُرج مثل كيس بطاطا. توقفنا ورأيته جالسًا وراء مكتبه الأنيق. نظر بسخرية وقال: شو رأيك . . . شفتي رفقاتك الخونة؟". هنا بدأ شيء يخرج من أمعائي بسرعة شديدة كأني أردت أن أخرج من جلدي. تقيأتُ، وكنتُ واقفة، وسقطتُ على ركبتيّ. قام من مكانة ينظر مذهولاً إلى الأثاث الفاخر الذي تلوّث وبقيتُ أتقيأ. خرج صوتي ضعيفًا:"أنتَ اللي خائن". عرفتُ أنه سمعها لأنه انحنى وصفعني بقوة وسقطتُ نهائيًا على الأرض".
ثمة أسئلة قصيرة ومُقتضبة لكنها واخزة. هكذا تفعل رانية إسطفان حينما تسأل: مالذي تُحبّينه في اللغة العربية؟ فيأتي الجواب رومانسيًا مُحتفيًا ببصمته، ولمستهِ الشاعرية حيث تقول سمر يزبك:"أُحبُّ فكرة العزف على المعنى. فالمفردة مثل مفتاح موسيقي ممكن أن ننقلها من مكان لآخر ونغيّر سياق الفكرة من خلال اللعب مع المجاز ومعنى الخيال". ثم تستدرك لتضيف بأنها تعوّل على ثلاث كلمات، وتراهن عليها في العملية الإبداعية وهي على التوالي:"المجاز والمعنى والخيال". كما تحب أن تخلق من العدم شيئًا محسوسًا وملموسًا ونابضًا بالحياة. بكلمات أُخر هي تحب اللعب مع الزوال وتحويلة إلى فقّاعات حياة؛ يعني أن تضع نفسها داخل الفقّاعة وتنتقل من مكان لآخر. كما أنها تشتغل بتلوين الحياة حتى من خلال تدوير القبح وتلوينه. ثم تختصر هذه الشطحات والتجليات الفلسفية حينما تقول:"نحن في عملية الكتابة نلعب على السكون والثبات ونخلق اهتزازات تشبه الدوائر التي يُحدثها إلقاء حصاة في بحيرة ساكنة".
معاني الكلمات تتفتّح مثل حقل من الزهور
يكشف هذا الفيلم أن سمر يزبك قارئة نهمة منذ صغرها ويفاعتها فعندما قرأت الجملة الأولى في كتاب الثعالبي الذي يقول فيها:"كل ما علاكَ فأظلّكَ فهو سماء" فتغيّرت حياتها عندما قرأت لأول مرة معجمًا لغويًا ينطوي على هذا العمق في جمال المبنى والمعنى. لقد قرأت يزبك العديد من المعاجم والموسوعات العلمية والفنية لكن قراءة ما اجترحه أبو منصور الثعالبي الذي يُلقّب بفريد زمانه، وقريع عصره قد أسقطها في قلب النشوة اللغوية وهذا الكم الكبير من معاني الكلمات التي تتفتّح مثل حقل واسع من الزهور. فلاغرابة أن تتساءل الراوية مستفسرة:"لماذا يشعر الناس بالتعاسة وهم يملكون هذا الكم الهائل من المعاني؟". قد لا تبالغ يزبك حينما تقول:"منذ تلك اللحظة صار العالم كله ملكًا لي" وصار بإمكانها أن تصنع عالمًا من الكلمات. ثم تعرّج على الطفلة وهي الشخصية الرئيسة في رواية "المشّاءة" 2017م، وتقول:"إنّ الفكرة الأساسية هي علاقة اللغة بالعنف". ثم تطرح سؤالاً آخر مفاده:"هل أنّ الكلمات قادرة فعلاً على التعبير عن كمية هذا العنف الكبير أم لا؟ فالراوية ترى أنّ العنف فوق اللغة والكلمات والأدب وهذه الطفلة التي تروي بعض أحداث الحرب هي نتيجة لها، وضحية لفظاعاتها، بل أنّ الروائية نفسها قد أصيبت بالخرس وليس بالصمت وحده، وتقول بأنها لم تعد قادرة على الكتابة في ظل هذا العنف الوحشي لذلك اتجهت لكتابة اليوميات والشهادات والأعمال الواقعية وغير الخيالية. وتعتقد بأن الأسئلة الكبرى التي يطرحها الأدب هي قديمة جدًا بصدد علاقتنا بالحياة والموت.
تجمع الراوية الكثير من التفاصيل خصوصًا بعد أن أسست منظمة "النساء الآن" في الغوطة، ونظرًا لما سمعته من قصص مرعبة فهي تشعر بأنها تعيش في كابوس دائم، وأنها فقدت نفسها كامرأة ولمست التاريخ المتوحش للبشرية الذي أربكها وأفقدها الإحساس بأي شيء وجعلها تعتقد بأنها لم تعد سوية بعد هذه الحروب الفظيعة. وهذا الشعور لا يقتصر عليها وإنما يشمل الكثير من السوريين الذي وقعوا بين مطرقة الدكتاتورية وسندان الحركات التكفيرية المتطرفة. فهي تعترف بالهزيمة والخسارة وبتمزّق النسيج الاجتماعي، وبتدمير البنية التحية، والأهم من ذلك الخمسة ملايين سوري المشردين في المنافي، والنازحين الذي لا نعرف عددهم داخل البلاد، أما الذين بقوا داخل سورية فهم الفقراء الذي لا قدرة لهم على الهروب. وثمة مجازر متواصلة، واستعمال أسلحة كيمياوية، وأعمال عنف تتفاقم كل يوم. تعترف الراوية بأن لديها هاجس لحفظ الذاكرة لذلك فهي تسجّل قصص السوريين وتخبئها لدرجة أنها أصبحت مقبرة للقصص والحكايات.
باقون هنا كالسنديان العتيق
الجماهير الثائرة تُهاجم التماثيل العملاقة في عزّ الظهيرة ولكي يجنّبوها الغضب الشعبي ينقلونها إلى العاصمة دمشق بينما تردد الراوية:"باقون هنا كالسنديان العتيق . . . فهذا البحر لنا، وهذا الهواء الدافئ لنا، وهذا الرصيف وما عليه من دمائنا وأشلائنا، لنا جمعة الزحف إلى ساحات الحرية". ثم تستعير رانية أغنية "جنة، جنة، جنة / والله يا وطنّا" وهي من كلمات الشاعر كريم العراقي وغناء الفنان رضا الخيّاط التي تنطوي على مفارقة مفادها "حتى نارك جنّة". تجزم الراوية بأنّ الخوف قد تمّ تجاوزه الآن، وأنّ الانتفاضة جعلتها تشعر بالانتماء للناس والبلد وأنها للمرة الأولى في حياتها صارت تحب سوريا والسوريين الذين يستحقون الحياة فعلاً، وأنها تفتخر لأنها تنتمي إلى هذه الانتفاضة المباركة.
ثمة شعور غريب كان ينتاب الراوية حينما اندلعت الانتفاضة في 15 آذار / مارس 2011م، لم تكن تشعر بأنها كانت تطأ الأرض بقدميها وإنما كانت تطير وتحلّق مع أن "شبّيحة" النظام وبلطجيته كانوا يطلقون النار بوقاحة على المحتجين. كانت تشعر بطاقة جبّارة لأنّ ما يفعله المتظاهرون كان من أجل إسقاط الدكتاتور وتحقيق العدالة لكنّ ما وصلوا إليه هو عكس ما بدأوا به.
تنتقل الراوية بسلاسة من الشؤون العامة إلى الخاصة، فمن الحديث عن الانتفاضة إلى السفر وحُب المحطات والمطارات والتنقل بين الدول والعواصم والمدن لوحدها لأنها تشعر بالسعادة حينما تكون لوحدها. تحب الغابات لأنها كانت تعيش جنب الغابة في مدينة "الطبقة" المسترخية على ضفة الفرات وكانت تحب الوقوف تحت الأشجار الكثيفة. ثم نسمعها تقرأ:"كانت حروفنا بيضاء تتشكّل مثل ألعاب طيّارة نفّاثة في الهواء. تتشكّل ولا تختفي وتتحوّل إلى غيوم. يجلس الهواء فوق حرف الميم. وأُمسكُ بالألف ثم أعتلي قمته، صار الفرات بعيدًا، وزعيق أمي يجعلني أرتجف: بنت قليلة التربية، انزلي عن حرف الألف".
لا تميل الراوية إلى الحكي كثيرًا لأنها تفضّل الاشتغال في منطقتها المعتمة لكنها لن تفلت من أسئلة المخرجة التي تحاول أن تسلّط الأضواء على المناطق الكابية المعزولة. فتسألها هذه المرة عن تعلّم اللغة في منفاها الفرنسي، وهل يبطل فعل المنفى إذا ما أتقنت اللغة؟ فتجيب:"حينما تؤسسي مكتبة بيتية في باريس ولا تقتني كُتبًا إليكترونية أو تستعيري كُتبًا ورقية فهذا يعني أنك مُقيمة في هذه المدينة".
الخيال يحمينا من بشاعة الواقع المرير
تقتبس الراوية من يومياتها في "بوابات أرض العدم" مقطعًا طويلاً تصور فيه تسللها من الحدود التركية إلى مدينة إدلب السورية وتقول في نهاية المقطع المُقتبس:"لقد عُدتُ، ها أنا ذا من جديد، كنتُ أتمتم، ألهثُ لقد عُدتُ، ولم يكن هذا مشهدًا سينمائيًا، كان هذا حقيقيًا، أركض وأتمتم لقد عُدتُ، لقد عُدت". تقول يزبك بأن كل الشخصيات في هذا الكتاب حقيقية، وأنّ الشخصية الخيالية الوحيدة هي الساردة، الأمر الذي يحفِّز أحد الصحفيين الفرنسيين أن يسأل عن السبب الذي دفعها لأن تكون شخصية غير حقيقية في هذا الكتاب؟ فتجيب بأنّ الخيال يساعدنا على احتمال الواقع ومتابعة العيش في ظل القصف الوحشي والحرب المستعرة. ثم يستفسر ثانية إن كان هذا الأسلوب نوعًا من آلية الدفاع عن النفس؟ فترد باقتضاب بأنّ "الأدب والخيال يحمينا من بشاعة الواقع المرير".
تحاول المخرجة أن تُعيد راويتها إلى فضاء الكتابة في ظل ثنائية "الحياة والموت" فتقول:"كنت أعتقد أنّ الكتابة هي عملية ضد الموت، لكن بعد خمس سنوات مما حصل في سورية صار عندي منفىً داخليًا عميقًا فتخليت عن كتابة الأدب، وتورطتُ بالكتابة عن شهادات الموت والحرب لذلك صارت العلاقة مع الكلمة أكثر التصاقًا بالموت". ثم تضيف بأنّ دورها ككاتبة هو أن تكون شاهدة على الحقيقة من أجل الوصول إلى تحقيق العدالة. يسأل صحفي فرنسي آخر الكاتبة سمر يزبك سؤالاً فظًا، حسبما يقول، ولكنه ضروري ليعرف إن كان الأسد، بعد التدخّل الروسي، قد كسب الحرب أم لا؟ فترد بجملة محكية والدموع تغالبها:"ما بعرف إذا ربح، بس أكيد نحنا خسرنا".
تمضي الساردة العليمة في الرد على الأسئلة الكثيرة التي توجز إجابتها بأنّ "الواقع قد أصبح أكثر توحشًا من الخيال. فالطائرات تقصف من فوق، والمتطرفون يتسللون على الأرض، والسوريون محكومون بين قبضتيّ هذين الوحشين العنيفين". ومع ذلك فإن يزبك كانت تشعر بأنها خفيفة مثل الريشة حينما كانت تتسلل إلى وطنها المستباح، وتشعر بأنها سعيدة جدًا، وغير خائفة لكنها ما إن تعبر الحدود ثانية وتفكّر بالعودة إلى فرنسا حتى ينتابها الخوف من جديد.
تستعيد المخرجة لحظات تتويج سمر يزبك بجائزة فرنسية وتوقيعها لكتاب "تقاطع نيران" المترجم إلى الفرنسة. كما تسترجع مشاهد قديمة لفاطمة المغلاج، الطفلة السورية المقطوعة الرأس رغم أنّ الراوية لا تحبذ نشر أو تداول صور الضحايا السوريين لأنّ الجسد الإنساني له حرمته. ولهذه الأسباب مجتمعة تتوقف الساردة عن الحكي، ولا تلج فضاء السوشيال ميديا الأزرق، بل أنها توقفت حتى عن نشر المقالات التي تكتبها، ففي ظل هذه الظروف الوحشية تفقد الكلمة قدرتها على مواجهة آلة الحرب البشعة ولاغرابة في أن تعود إلى هامشها المعتم حيث تكتب الكثير، وتحكي القليل أو تلزم الصمت لبعض الوقت حتى تعود الأمور إلى نصابها الصحيح.
وعن الفرق بين السرد الفني والشهادة تجيب الراوية:"أن الرواية أصعب بكثير لأنها تحتاج إلى جنون بينما تتطلّب الشهادة اجتهادًا وقوّةً وصبرًا". وعلى الرغم من كل الخيبات التي أصابت الساردة أو الثوار بشكل عام لكنّ الثوّار كانوا صادقين ومخلصين وأصحاب ضمائر وقد صوّروا ما حدث بأمانه، وهذا بحد ذاته جزء من الجمال وإن كان مُفجعًا وقاسيًا وشديد الضراوة.
تشعر الراوية بأنها إذا ما رجعت بسرعة إلى المرأة التي تعرفها جيدًا من الداخل فسوف تعيش في منافٍ متعددة؛ إنسانة غريبة عن كل الأشياء المحيطة بها بدءًا من الوطن، ومرورًا بالعائلة، وانتهاءًا بالأصدقاء والمعارف الأمر الذي يدفعها إلى الموت الأكيد.
الطفلة المتوحِّدة تتلذّذ بفضائها المعتم
تختم رانية إسطفان فيلمها بمشهد المسابقة الأدبية التي اشتركت فيها سمر يزبك ذات العشرة أعوام وفازت بالجائزة لأن بذرة الإبداع كانت موجودة في داخلها ولقد غذّتها بالقراءة والتجارب الحياتية ودرّبت عينيها على المُشاهدة والالتقاط رغم أنها كانت خجولة جدًا لكنها كانت تعبّر عمّا يدور في خلدها بالكتابة كلما وجدت صعوبة في التواصل مع الآخرين. ليس من المستغرب أن ترى سمر نفسها طفلة متوحدة بالمعنى المرضي للكلمة حيث تستأنس في خلوتها وتتلذذ بفضائها المُعتم الذي سينفتح رويدًا رويدًا على عالم الأدباء والفنانين وكتّاب السيناريو الذين سيحبِّبونها جميعًا بصورة المرأة الكاتبة التي تهرب من الواقع المزري إلى العالَم الحُلُميّ الجميل الذي صنعته بأفكارها الرشيقة وأناملها المُرهفة، وأخيلتها المُجنّحة.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى أنّ المخرجة اللبنانية رانية إسطفان التي تتمتع بنفس تجريبي ملحوظ قد أنجزت خلال مشوارها الفني 14 فيلمًا نذكر منها "محاولة في الغيرة" 1995م، "تدريب القطارات . . . أين المسار"، "عملية القبض في المنارة"، "الأراضي القاحلة"، "أضرار لغزة، أرض البرتقال الحزين"، "حالات الاختفاء الثلاث لسعاد حسني"، "ذكريات محقق خاص"، "العتبة"، و "السهل الممتنع". ولدت رانية إسطفان في بيروت سنة 1960م. حصلت على بكالوريوس في السينما من جامعة لاتروب الأسترالية سنة 1982م ، والماجستير في الدراسات السينمائية من جامعة باريس الثامنة سنة 1986م. وعاشت لمدة 20 عامًا في باريس.
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech