بغداد – العالم
قال مراقبون سياسيون ومسؤولون عراقيون إن الجهود المحمومة التي يبذلها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لتأمين ولاية ثانية تعمق الخلافات بين القوى الشيعية المدعومة من إيران في محاولتها ترتيب تحالفاتها استعداداً للانتخابات البرلمانية المقبلة.
ويعمل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بحسبهم، منذ أشهر على تشكيل قائمته الانتخابية استعداداً للانتخابات البرلمانية العراقية المقرر إجراؤها نهاية العام المقبل.
وتحدث سياسيون ومسؤولون حكوميون عن أن "القائمة المقترحة من السوداني تضم عشرات الحلفاء، بينهم عدد من الوزراء والمحافظين وشيوخ العشائر والمسؤولين وعشرات النواب الذين يتمتعون بشعبية هائلة".
السوداني الذي ارتقى في الرتب على مدى العقدين الماضيين ليصبح رئيساً للوزراء بدعم من الإطار التنسيقي، أطلق حزمة كبيرة من مشاريع البنية التحتية في المحافظات الوسطى والجنوبية ذات الأغلبية الشيعية في الأسابيع الأولى التي أعقبت تشكيل حكومته.
لقد وظف السوداني آلاف الخريجين، وضاعف عدد المستفيدين من رواتب شبكة الرعاية الاجتماعية، وخفف التوتر بين بغداد وحكومة إقليم كردستان من خلال ضمان دفع منتظم إلى حد ما لرواتب موظفي حكومة الإقليم الشهرية، والتي كانت نزاعاً مزمناً مع بغداد منذ عام 2017.
والسوداني ألقى مؤخراً بكل ثقله في خضم هذه الأزمات لتعزيز مشروعه الانتخابي، وفق رأي سياسيين ومسؤولين.
وفي أيار الماضي، لعب السوداني دوراً كبيراً في ترجيح كفة حليفه سالم العيساوي، مرشح كتلة السيادة النيابية لمنصب رئيس البرلمان، على منافسه محمود المشهداني من حزب التقدم، من خلال الضغط على نوابه الموالين للتصويت للعيساوي.
وفي وقت سابق، نجح في استقطاب شخصيات بارزة في تحالف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، رئيس الوزراء الاسبق وأحد أبرز قادة الإطار التنسيقي، إلى جانبه، ومنهم حيان عبد الغني، وزير النفط الحالي، والنائبة عالية نصيف، التي اعلنت الأسبوع انضمامها إلى قائمة السوداني الانتخابية.
وتشير المعلومات المسربة من معسكر السوداني أيضاً إلى أن الأخير نجح في إبرام اتفاقات أولية مع عدد من أبرز قيادات الإطار التنسيقي للانضمام إليه.
كما انضم إلى السوداني رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، ووزير العمل والشؤون الاجتماعية وقائد كتائب جند الإمام أحمد الأسدي، وقائد كتائب الإمام علي شبل الزيدي، وقائد كتائب سيد الشهداء أبو آلاء الولائي. وأكد سياسيون شيعة أن "تحركات السوداني الأخيرة وتحالفاته الجديدة أثارت حفيظة أغلب شركائه الشيعة الذين يهدفون إلى الحفاظ على نفوذهم ومكاسبهم وحماية مصالحهم".
وقال أحد قيادات الإطار التنسيقي، إن "السوداني استغل الإطار التنسيقي للوصول إلى مكتب رئيس الوزراء ثم انقلب عليهم"، مضيفا أنه "بدأ يستقطب شخصيات مؤثرة في هذه القوى ويجذبها إلى معسكره".
وتابع المصدر، أن "السوداني تحول من موظف استقدموه لتنفيذ مخططاتهم إلى منافس يلعب بأدواتهم ويقضم مناطق نفوذهم".
حكومة السوداني في واقع الأمر هي نتاج توحيد القوى السياسية والمسلحة المدعومة من إيران والتي تحققت رداً على مشروع مقتدى الصدر رجل الدين الشيعي النافذ الذي كان يهدف إلى إقصائهم من الحكومة.
ولم تدم هذه الوحدة طويلاً، فما إن أمر الصدر نوابه بالاستقالة من البرلمان في حزيران/يونيو 2022 حتى ظهرت الخلافات بين قوى الإطار التنسيقي.
وكانت رئاسة عدد من الهيئات المستقلة التي كانت من نصيب الإطار التنسيقي، مثل البنك المركزي وجهاز المخابرات وهيئة الحشد الشعبي، جوهر الخلافات الأولى التي اندلعت بين قيادات الإطار من جهة وبينهم وبين السوداني من جهة أخرى.
لكن سيطرة الإدارة الأميركية على عائدات مبيعات النفط العراقي، والتي تعتمد عليها الحكومة بشكل كبير في الوفاء بالتزاماتها المالية، أخرجت البنك المركزي وجهاز المخابرات من دائرة الصراع.
كشفت نتائج انتخابات مجالس المحافظات في شهر كانون الاول الماضي، عن واقع جديد، وخاصة في المحافظات الوسطى والجنوبية.
ورغم الإمكانات المالية والبشرية والإعلامية التي تمتلكها قوى الإطار، إلا أنها لم تحصل على الأصوات الكافية لتأمين سيطرتها على ثلاث من أهم المحافظات ذات الأغلبية الشيعية وهي البصرة وكربلاء وواسط.
وبدلاً من ذلك، فاز محافظو هذه المحافظات الذين خاضوا الانتخابات منفردين بأكبر عدد من الأصوات.
ولكن كل محاولات زعماء الإطار لإغراء أو ترهيب المحافظين الثلاثة لإجبارهم على التخلي عن مناصبهم أو الشراكة مع الإطار، باءت بالفشل، في حين نجح السوداني في عقد اتفاقات أولية مع المحافظين الثلاثة لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة معاً.
ومن بين الحقائق الأخرى التي برزت من انتخابات المحلية الاخيرة، عجز زعماء القوى السياسية الشيعية الرئيسية عن إنتاج حلول غير تقليدية للمشاكل التي تعصف بالمشهد السياسي العراقي.
لقد فشلت القوى الفائزة في محافظتي ديالى وكركوك، بما في ذلك تلك التابعة للإطار، في تشكيل تحالفات محلية تضمن الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومات المحلية لمدة ثمانية أشهر تقريباً.
لقد نجح الخزعلي، بعقد تسوية مع منافسه القديم وحليفه الجديد محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب السابق، في حل مشكلة المحافظتين، وكسب حليف سني شرس، وإعادة رسم خارطة النفوذ في المناطق ذات الأغلبية السنية، كما يقول مراقبون.
إن النقاط التي سجلها السوداني والخزعلي بشكل منفصل ضد شركائهما ومنافسيهما الشيعة حتى الآن، توضح سعيهما للهيمنة على المشهد السياسي الشيعي.
لقد وفر ضعف المالكي نتيجة للانشقاقات التي عصفت بتحالفه السياسي، والمرض الشديد الذي أصاب هادي العامري، زعيم منظمة بدر، وغياب الصدر، للرجلين مساحة كافية للمناورة دون الاصطدام بعقبات خطيرة.
حتى الآن، تشير كل الدلائل إلى أن الرجلين لا يزالان في نفس الفريق. وفي اللحظة التي يقرر فيها السوداني أن يدير ظهره للخزعلي أو يتقاطع معه فإن الشراكة بين الرجلين ستنتهي وستحل محلها منافسة شديدة.
وقال أحد حلفاء السوداني المحتملين في الانتخابات إن "السوداني لديه مشروع انتخابي كبير لتأمين فترة ولاية ثانية. وهو يحاول إعادة تقديم نفسه كزعيم شيعي جديد مقبول من الكورد والسنة".
وأضاف: "قد يخوض السوداني الانتخابات بقائمة مشتركة مع الخزعلي. وهذا الخيار من شأنه أن يقوي السوداني داخلياً ولكنه قد يقضي عليه خارجياً لأن الغرب لن يقبل الخزعلي بسهولة".