الشباب بين «الأمن الفكري» والعولمة
28-تشرين الثاني-2022
كاظم عناد الجيزاني
تنبُعُ أهميةُ "الأمن الفكري" للمجتمع من كونه المدخلَ الحقيقيَّ للإبداع والتطوُّر والنموّ لحضارة المجتمع وثقافته، وأنَّ في وجوده حمايةً للمجتمع عامةً والشبابِ خاصةً ووقايةً لهم من الأفكار المتطرفة، وفي غياب "الأمن الفكري" يختلُّ الأمنُ في كلّ النواحي الأخرى، وتصبحُ منافذُ التأثير الفكري أوسع ضرراً، حيث تضعُفُ حمايةُ العقول من الاختراق، وتنتشر الجرائم، ويظهر التطرُّف بكلِّ أشكاله.
فالأسرةُ هي المدرسةُ الأولى والحصنُ التربوي المنيع الذي يتمُّ فيه الإعدادُ الأوليُّ للفكر السليم القائم على التربية السلوكية، ولا أنكرُ هنا أنَّ دور الأسرة بدأ بالتراجع أمامَ الانفتاح العالمي الكبير، ولكن يبقى وازعُ التربية والسلوك الذي نشأ عليه الشخصُ كامناً في قلبه وفكره، ولا بُدَّ أن يستيقظ يوماً ليردَّه إلى جادة الصواب.
ويعد الأمن الفكري من أهم أنواع الأمن بل و يمثل ركيزة أساسية كونه يتعلق بعقول أبناء المجتمع و فكرهم و ثقافتهم بل هو طريقا لكي يتحقق الأمن بمفهومه الشامل و من ثم يتضح الحاجه الماسة إليه و خاصة أنه يحقق للمجتمع أهم خصائصه و تماسكه و ذلك بتحقيق التلاحم و الوحدة في الفكر و المنهج و الغاية أضف إلى ذلك أن الفكر في أي مجتمع هو الذي يحدد هويته و ذاتيته المميزة المتفردة كما أن تحقيق الأمن الفكري هو المدخل الحقيقي للإبداع و التقدم و النمو لحضارة المجتمع و ثقافته وعليه فتحقيقه هو حماية للمجتمع بصفة عامه و لفئة الشباب بصفة خاصة و وقاية لهم مما يؤثر عليهم من أفكار دخيلة و هدامة تعج بها كثير من الفضائيات و شبكات المعلومات و غيرها من آليات العولمة الأخرى.
وهنا يأتي دورُ الأب والأم في مواكبة المتغيّرات الهائلة العالمية وغرس القيم والتربية الفكرية والتثقيف الموجَّه.
وأما المسجدُ فيقعُ على عاتق أهل الشريعة المتنوّرين مسؤوليةٌ كبيرةٌ في ترسيخ وسط الإسلام واعتدال مبادئه، وبيان موقف الدِّين من الإرهاب والتطرف.
وأيضا دورُ المؤسسات التعليمية والمؤسسات الحكومية من المدارس والجامعات والشرطة المجتمعية لدورهم المحوري، في مهمَّتُها لتنمية الأفكار والعقول وحمايتُها، والعمل على نَشْر قيم الانتماء وبناء الأخلاق وربط مناهج التعليم بواقع الحياة ومشكلات المجتمع الفكرية المعاصرة .
والعولمة ببعدها الثقافي والذي يعني ثقافة بحدود ثقافية معينة من خلال انتشار الأفكار والمعتقدات والقيم والقناعات وأنماط الحياة والأذواق ذات الصبغة الغربية على الصعيد العالمي، عن طريق الانفتاح بين الثقافات العالمية بفعل وسائل الاتصال الحديثة، والانتقال الحر للأفكار والمعلومات، وبالتالي فهي أصل العولمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية، لأن الثقافة هي التي تهيئ الأذهان والنفوس لقبول تلك الأنواع الأخرى، فالثقافة عنصر أساسي في حياة كل فرد وكل مجتمع، وهي تشمل العادات والتقاليد، والمعتقدات والقيم، وأنماط الحياة المختلفة، والفنون والآداب وحقوق الإنسان وللعولمة الثقافية وسائلها ومضامينها، فوسائلها هي الآلات والأدوات والأجهزة التكنولوجية، أما مضامينها ومحتواها فهي البرامج الفكرية والتصورات الأدبية والفنية والمذاهب النقدية، والآراء الإيديولوجية، ووجهات النظر السياسية، ونمط الحياة، والتقاليد الاجتماعية في المأكل والملبس والمشرب والبرامج التمثيلية الغنائية والموسيقية وما شابه ذلك ومن هنا نجد أن العولمة ليست نظاماً اقتصادياً فحسب بل ترتبط ارتباطاً عضوياً مع وسائل الاتصال الحديثة التي تنشر فكراً معيناً وثقافة معينة.
فمن الصعب تحقيق الأمن في أي مجتمع إلا من خلال الاستفادة القصوى من التعليم من خلال أساليبه ووسائله التربوية التي تساهم في وقاية المجتمع بشكل عام فهي ليست مسؤولية أجهزة الأمن فقط إنما تتعدى مسؤولياتها إلى جميع مؤسسات المجتمع و من أهمها المؤسسات التعليمية و ذلك من خلال ترسيخ القيم الروحية و الأخلاقية و الفكر الإسلامي الصحيح.