"العالم" تغطي نتاجات طلبة منتدى القصة القصيرة والشعر في كلية الفنون بجامعة بغداد
26-آذار-2023
العالم/ خاص
تبادر صحيفة "العالم" الى تغطية نتاجات طلبة (منتدى القصة القصيرة والشعر) في جامعة بغداد ـ كلية الفنون الجميلة ـ قسم الفنون السينمائية والتلفزيونية.
وانبثقت فكرة المنتدى من درس الدراما الذي يقدمه الأستاذ الدكتور ياسر الياسري؛ إذ تعد القصة القصيرة نوعا من أنواع الدراما. فمع وجود عدد كبير من الطلبة الموهوبين، تم تأسيس المنتدى، ليحتضن تلك المواهب، ويعمل على إنضاجها وتنميتها، عبر استضافة قصاصين وروائيين كبار لتقييم تجارب هؤلاء طلبة المنتدى.
العاق
علي أزهر
في هذه الحياة الصعبة التي يشتكي المظلومون دائماً المظلومية فيها، نحن الذين نَظْلمُ ونُظْلَم وربما ليس ظلماً بالنسبة لبعضنا، فنحن نستحق ان تقسو علينا الحياة لأننا من نظلم أنفسنا.
انا احمد من مواليد الثمانية والتسعين بعد التسعمائة والألف، والدي تاجر من تجار هذا العالم، ليس من أكبر التجار لكن حياتنا ميسورةً لأبعد الحدود. أعيش في خير والدي، ليس لدي احد يشاركني ثروة أبي في هذا العالم، توفيت والدتي في السنة العاشرة من عمري كنت كالملك الذي يطلب فتنفّذ الحاشية ما يريد.
كنت اخرج مع أصدقائي وجيوبي مليئة بالمال، ولدي أحدث هاتفٍ ذكي، وامتلك سياراتٍ تخصني. نعم سيارات. لا أتذكر أني عدت يوماً الى البيت ولم أنفق كل ما في جيبي. تشاجرت مع والدي عدة مرات ارادني ان اتعلم التجارة، وكيف اصرف المال، وعلى ماذا اصرفه، لكنني استمريت بالعناد. في أحد الأيام أردت الخروج، فمنع عني المال، تشاجرت معه وخرجت من المنزل وانا غاضب ولم اعد لمنتصف الليل حتى اتصل بي والدي، وتوسل اليّ أن أعود، فعدت للمنزل وحصلت على ما اريد.
مرت الأيام ووالدي يتكلم اليّ مراراً ان اقلل التبذير، ان اتعلم الصنعة، أن احّكم عقلي فيما أنا عليه، وكنت اجيبه نعم سأفعل يا أبي، وبمجرد أن ينتهي من الكلام أنسى كل كلمةٍ حدثني بها.
تمرض والدي وصار طريح الفراش وأنا حزينٌ اجلس عند فراشه انظر اليه وتجلس بقربي سكرات الموت، قال لي يا بني لماذا لم تتعلم مني عندما كنت بصحة أفضل؟ لماذا لست كأبناء باقي التجار؟ قلت له: سأتعلم يا أبي اعدك. نظر الي نظرةً عرفت بأنه لم يصدقني. كنت مصراً على وعدي، لكن كانت مشكلتي أني لم أتعلم على ان اكافح من اجل اهدافي! لم اتعلم أن أفي بوعدي لم أتعلم أني رجلٌ ويجب ان اعتمد على نفسي. هل كان بسبب الدلال الذي كنت أعيش فيه أم موت والدتي بعمرٍ صغير جعلني ادفن شخصيتي كرجلٍ معها تحت التراب؟
مات والدي في السابع والعشرين من فبراير عندما أصبح عمري اثنين وعشرين عاماً. تركني في هذا العالم وحدي، لا زلت صغيراً على ان اعتمد على نفسي، هذا ما تعلمته، عبرت العشرين وما زلت لم اتعلم كيف أصبح رجلاً، بدأت أحاول أن استمر بتجارة والدي لكني خسرتها ولم يبقَ عندي الا ما خلّفه والدي اليّ من مالٍ أنفق به على نفسي وعلى أصحابي، لأني لم أترك عاداتي السيئة ابداً. ظننت لن يأتي يوم تنفد اموالي فأبحث عن لقمة عيش فلا اجدها. حتى جاء ذلك اليوم، عندما اضطررت لان ابيع بيت والدي الكبير واجلس في بيت صغير واتقوت بباقي الأموال، وبعدها بعت البيت الصغير وجلست في الايجار حتى أستطيع أن أجد لقمتي ونفد المال وطردني صاحب الإيجار، طرقت أبواب أصدقائي لكن لم يفتح احدٌ لي. جلست على الرصيف وأنا انظر الى السماء. أحسست بحرارةٍ في صدري فاضت عيوني تشنجت عضلات جسمي تذكرتُ كل مرةٍ تشاجرتُ فيها مع والدي. تذكرتُ نظرته عندما وعدته بأني سأتعلم ولن اخذله وفجأةً عصفت رياح الشتاء وضربت عظامي، أحسست بشعورٍ لم اشعر به من قبل البرد الشديد الذي لم أفكر كيف هو طعمه. تذوقته فعرفت النعمةَ التي كنتُ اعيشها، احسست بإحساس كل الفقراء الذين كانوا يعانون كل حياتهم بينما كنت انا لا اشعر بها، نمت في الشارع لأيام لا اعرف من اين كنت اكل.
في أحد الأيام وأنا نائًمٌ على الرصيف فجأةً احسست بيد فتاةٍ مثل الحرير تحاول إيقاظي فتحت عيني، لأتفاجأ بمريم ابنة تاجرٍ كان صديقاً لوالدي وكنت قد تعرفت عليها عندما دعاهم أبي على الغداء قبل سنوات، خجلتُ من حالتي قالت لي الست احمد لم أرد ان اجيب بنعم لخجلي من حالتي، فقلت لها لا فأصرت أنت أحمد فلم أجب، قالت لي مضى وقتٌ طويل ما أوصلك لهذه المواصيل. كانت تجارة والديك أفضل من تجارة والدي، كيف وصلتَ لهذا الحال. لم أستطع أن اتمالك نفسي فأجهشت بالبكاء، رفعت عينيها عني وانا ابكي حتى لا تشعرني بخجلٍ أكثر من الخجل الذي شعرت فيه لم تكلمني الى ان هدأت فقالت لي قم معي، سألتها إلى أين قالت إلى البيت. اخذتني الى بيتها جلست في معيشة البيت وأحضرت اليّ الطعام والشراب، بعدها سألتني فأخبرتها كل ما حدث وكم انا ندمانٌ على حياتي السيئة التي عشتها، وسألتها ماذا عنكِ فقالت والدي مات بعد والدك بسنة وأمسكت تجارته بنفسي. تعلم أني كنت وحيدةٌ لأبي مثلك تماماً، انزلت رأسي لم اتكلم لأني عرفت مدى سوئي وكم أن أعمالي أخزتني، فقالت هل تريد ان تعمل معي. سألتها ما المقابل؟ فقالت لا اريد مقابلاً ترده بمال لطالما احببتك يا احمد وانت لم تنتبه. فعرضت عليها الزواج فوافقت وعلمتني كل ما يتعلق بالإدارة وسجلت معملاً للورق بإسمي وأعطتني جزءا من مالها وبدأت تساعدني بإدارة اعمالي. عشنا بسعادةٍ لعدة شهور، لكنني شخصٌ سيء الطباع وصاحبُ الطبع لا يغير طباعه، فبدأت بخيانتها ليلة تنتهي بليلة، تتصل بي ولا أرد على الهاتف، قلّ شِعْري بحبها، أدخل للبيت بعد منتصف الليل فأجدها تنتظرني، تشاجرت معها عدة مرات حتى اكتشفَتْ أني أخونها فَطلبَتْ الطلاق بحرقة قلب وطلقتها ببرودٍ شديد. أخذتُ ما اريد اشتريت بيتاً بفضل المصنع الذي املكه، والمال الذي أعطتني إياه، لكن الله يمهل ولا يهمل، بعد أسابيع استيقظت على صوت الهاتف ليلاً يخبرني بأن المعمل احترق بسبب تماسٍ في الكهرباء ووصل الى وقود المكائن فتبخرت كل اموالي وعدت الى فقري من جديد، ذهبت الى بيت مريم معتذراً، قالت زمانك اغواك يا احمد ذق مما صنعت يداك (وما ربك بظلامٍ للعبيد) ثم أغلقت الباب بوجهي وانا استحق، أعطاني ربي فرصةً أخرى حتى يثبت لي بأني من ظلمت نفسي
٦/ آب/ ٢٠١٤
عباس عبد حسين
في اليوم السادس من (آب) خضعت جبال سنجار لقبضة داعش، ابي لم يعد حتى الساعة الخامسة مساء، بقيت طوال ذلك اليوم متوترةً وخائفة. في ذهني عدة تساؤلات فكرت بها مع ذلك الصوت المخيف الناتج عن الرصاص المتطاير الذي يبطش بحياة الناس قتلاً، فسألت نفسي: ما الذي ارتكبناه من خطأ؟ لماذا هؤلاء الجماعات تلاحقنا وتبطش بنا قتلا؟
حل الظلام وبدأ الخوف يسيطر على قلبي الذي باتَ مفزوعاً من سماع أصوات الرصاص، قلقت كثيراً وامسى الليل في الساعة الثانية عشرة ولم يعد ابي. إني اعلم ان والدي قد حصل له مكروه، إلا ان امي كانت تحاول طوال الوقت تهدئة روعي قائلةً :- (لا تقلقي يا ريماس سيعود ابوكِ). كانت تكلمني وانا انظر الى عينيها اللتين يتحدثان عن حزنها وقلقها، لكن امي لم تظهر دموعها حتى لا يزداد خوفي. شعرت بالنعاس ولم اكن أريد النوم فإني بانتظار عودة ابي سالماً لكي يطمئن فؤادي، شعرت أن عيني من شدة الارهاق والنعاس بدأتا بالانغلاق. نمت وفي الساعة الرابعة فجراً استيقظت على كابوس أخافني وزاد قلبي حزناً. رأيت ابي رهينةً بيد هؤلاء الذين خلت قلوبهم من الرحمة وهم يطلقون عليه النار. دموعي تنهمر وانا ازداد انكسارا وانهيارا، الا اني لم أُحدث امي عما رأيت في عالم الرؤيا. منزل خالٍ من الرجال وفي ظل تلك الظروف تسكن فيه فتاة في سن الرابع عشر، وامها المهزومة المشاعر، كانت طوال اليومين تعيش خوفا وقلقا وبكاء من رصاص وظلم وقتل ....
أمي كانت تحضر وجبة الطعام وفي الساعة الواحدة ظهراً نادتني لأتناول معها وجبة الغداء. نظرت الى الطاولة رأيت مكان ابي المعبر عن فراقه، نظرت اليها وازددت ضعفاً وانكسارا، أصبحت حالتي كزجاجة هوت من اعلى عمارة شاهقة الارتفاع. أحست امي بحزني المفرط حينها كانت تراني ابكي وانا انظر لمكان ابي خاليا، عندها لم تتمالك أمي اعصابها أكثر من ذلك بدأت تنهار بالبكاء، ومشاعرها التي كانت تخبئها عني للخوف على مشاعري بدأت تتدفق رأيت امرأة تختلف عن امي التي طيلة هذين اليومين وهي تلهمني القوة والصبر. أنظر الى امي وهي تسوء حالتها فهي لم تقاوم اكثر، وبعد كل هذا البكاء والانين لم نتناول الطعام، رجعت الى النافذة التي اصبحت محطة انتظاري لوالدي، واليوم كالذي سبقه فقط انتظار دون عودة وما اشبه اليوم بأمس: كانت تمر الدقائق والساعات وتزداد خيبات آمالي مجدداً ، وانا أترقب مجيئه كنت اسمع دوياً مخيفاً لصوت مرعب ومدو، كان ناتجاً عن اطلاق البنادق والاسلحة المختلفة، حركات داعش بعد حصارها قامت بتضييق الخناق وبدأت العوائل تتشتت فالرجال منهم من صمد أمامهم حتى قتلوا ومنهم من لاذ بالفرار ومنهم من اتخذ بيته مكاناً ليؤويه. العوائل تخلو من الرجال واصبح اغلب سكان جبال سنجار نساءً .
وفي اليوم الثامن من اغسطس - آب - بدأ غزو داعش نحو منازلنا ، اتخذوا اكثر من 700 عائلة أسرى ورهائن أصبحنا نُجَر بين اناس لا تمتلك ذرةً من الرحمة. يطلقون على انفسهم (الدولة الإسلامية)، إلا ان افعالهم لا تدل على إسلام ورحمة. بدأوا بتوبيخنا وجرنا بعنف ووحشية حيث كانوا يجرونا بين ايديهم كالخرفان. جمعونا في اماكن عديدة والتي كانت تحت سيطرتهم، اركبونا حافلات وذهبوا بنا الى منطقة غرب كركوك. كانت تلك المنطقة في قبضة داعش ، في كل حافلة اركبوا عدة نساء ومعهم اشخاص يحملون السلاح، كانت اوجههم مخيفةً ذوي دقن طويل ويرتدون الزي الأسود. وصلنا الى غرب كركوك انزلونا كل خمس عشرة امرأة في منزل. حينها نظرت لتعاملهم الذي تبرأ منه الإنسانية. كانوا يعاملوننا كمعاملة السلع والحيوانات؛ فمنهن من ابيعت الى تنظيمات داعش في سوريا ومنهن من اغتصبت وأُجرت نحو المعاملة الاقذر تاريخيا (النكاح)، واجبرونا بالإقرار بدين الاسلام قسراً. خمس عشرة اسيرة في منزل مطوق بعناصر داعش ومُنِعَ عنا التجوال، وفي كل يوم تؤخذ النساء لتغتصب وكلما تعارضهم امرأة قتلوها. مرت سنتان من ابشع السنين في حياتي. رأيت فيها ظلماً وسلباً للحقوق، وفي الرابع من الشهر الاول لسنة ٢٠١٦، كنت جالسةً مع ثلاث نساء في احدى حجرات المنزل، وفي هذه الاحيان دخل احد الوحوش الذي ينتمي الى التنظيم الداعشي جرني من يدي بقوة، وارادني ان اراوده نفسي، وعندما رفضت ذلك قام بتعنيفي وجري لمنزل فاض، فكرت جيداً للخلاص منه فوافقته الرأي، وأظهرت له اطمئناني لأتمكن من الوصول الى ما اريد. دخلنا المنزل فتكلم معي قائلاً :- (يا امرأة احضري طعاماً لنتناوله معاً) ذهبت الى المطبخ. كنت اتظاهر بتحضيري الطعام، أخرجت سكينا من المجر، وبدأت أقطع الطماطم. انتظرت مجيئه وقلبي مليء بالبؤس فترقبت دخوله، وعندما دخل المطبخ وجدني أحضر السلطة نظرت اليه وقد جاءني بملابسه الداخلية. إقترب مني فمنحته مساحة اكثر لكي اطعنه بتلك السكين التي في يدي، فعندما اصبح بجانبي نظرت اليه وابتسمت في وجهه المقرف فأراد ان يحتضنني، جعلت ذراعي تحيط به وعندما احتضنني جاءت فرصتي للانتقام منه والتخلص من ذلك العذاب الذي يلاحقني طوال السنتين. طعنته بقوة في ظهره، فصرخ من شدة الطعنة، ثم الحقته بثانية إلى ان استلقى الارض صريعاً. حاولت الهرب لكن يجب عليَّ الحذر لأن عناصر داعش تحيط بتلك المنطقة. خرجت من المنزل فرآني احدهم وانا اجري بسرعة فعلم اني احاول الهروب. بدأ بإطلاق النار لكن لن يجدي نفعاً. تمكنت من الهرب، وبعد سنتين من المعاناة واليأس تحررت من ذلك القيد المخيف الذي كان يلتف حول عنقي. تمكنت من الهروب ولكن بأي حياة اعيش وأي مجرى ونمط اسري عليه. انا الان فاقدة الاب وأمي بيد من لا يرحم ولا أعلم إن كانت عائشةً أو ميتة. من رحم المعاناة انقل احداث كابوسية يستجليها الظلام والبؤس والفقدان، ومن خلال ورقةً وقلم ترجمت آلامي خلال قصة تحمل ذلتي، وانا لم اتجاوز السادسة عشرة من عمري ...
ايفانا
ختام رعد سعدي
أنا ايفانا ورثت عرشا وجاها وسلطة، حكمت بلادا برمتها لكن هذا لم يكفني. طغيت وطلبت المزيد والمزيد. سعيت أن أعظم واخلد. سكنت في القصور. لا أعلم ما أصابني. قضيت حياتي في رفاهية متجبرة. سفكت الكثير من الدماء، وأسرت الكثير من الناس. لصقت صوري في كل مكان في الأسواق والعملات، وفي هذا الأثناء كنت انظر إلى شعبي، فأراهم يبجلوني ويثنون على أفعالي. فعلت كل شيء، لكن هذا لم يكفني. أشعر بالنقص. أردت أن اخلد في وهم جنتي. استعنت بالكهنة والعرافين. تناولت جميع الخلطات السحرية. تناولت جرع الخلود. اعتزلت المعارك والحروب. جلست وحيدة في قصري اغلقت الأبواب وشددت الحراسة خوفا من الموت، وها أنا الآن خالدة. مهلا ما هذا المكان المظلم؟ انتظروا لا ترموني بالتراب. أنا الملكة وها قد أغلقت أبواب السرداب عليه وجميع الذين اثنوا على افعالي، وأنا على قيد الحياة. هم الان يلعنوني. أما عن امنيتي الأخيرة فاتمنى لو أنهم لم يثنوا على افعالي القبيحة. اتمنى لو أنهم لم يزينوا لي صورتي. اتمنى لو أنهم رموني بأفعالي لكنها مجرد أمنية فقد فات الأوان.
النهاية ...
الجاثوم
أنغام زهير ربيع
في صباح ما كنت جالسة في حديقة المنزل، أقرأ كِتابا اسمه دع القلق وابدأ الحياة للكاتب ديل كاري نجي، وكان الجو ربيعاً: فالازهار المتفتحة وصوت العصافير وهي تزقزق والفراشات التي تطير والمناخ المعتدل وبينما كنت أقرأ ومستمتعة في كل كلمة من هذا الكتاب .. سمعت صوت صراخ أحد من عائلتي وكان ينادي علي بصوت مرتفع فزادت دقات قلبي وهرعت مسرعة الى الداخل لكي أرى ماذا يحدث..
كان القلق في داخلي والخوف المسيطر علي وفي داخلي أسئلة متكررة لم أجد لها أجوبة مناسبة كُنتُ أرتجف كثيراً ولم أعلم ماذا أفعل !!
وعندما وصلت رأيت والدتي مستلقية أرضاً وأختي الصغيرة بجانبها تصرخ وتبكي وتولول ، كُنتُ في هذه اللحظة مصدومة وواقفة على أرجلي التي كانت ترتجف وكأن الزمن قد توقف في هذه اللحظة ولم أعرف بماذا سأقوم !! تمنيت أن يكون حلماً وأصحى منه. تمنيت أن يكون خيالا وأشطبه، تمنيت أن تكون فكرة على ورقة وأقوم بتمزيقها، ولكن الاشياء من هذا القبيل قد حدث ..
فاتجهت من جانب أمي وكانت مغمضة العينين، نبضات قلبها ضعيفة، لم تكن تلك النبضات المعتادة التي كنت أسمعها دوماً، فكان الخوف الذي بداخلي لا يوصف فقمت بالبحث عن هاتف لكى أتصل بسيارة الإسعاف. كنت متوترة للغاية لا أعرف ماذا حدث ولا ماذا أفعل، ولم أفهم أي شيء ..
كنت قلقة جدا، وبعد مرور ساعة الا ربع نقلت أمي إلى المستشفى التي كانت تذهب اليها من أجل الفحوصات.
وعندما وصلت إلى المستشفى كان لا نبض يوجد فيها فأدخلوها الى غرفة (العناية المركزة) ولم أستطع الدخول معها. وكانت أختي الصغيرة جالسة على السلم تنظر الى باب الغرفة فذهبت اليها وجلست بجوارها وقمت باحتضانها
وقلت لها: سوف تستيقظ أمنا يا عزيزتي وبعد مرور نصف ساعة خرجت الطبية المعاينة لها وكان لتعابير وجهها تفسير واضح عن فقدان أمنا. لا أعلم ماذا حدث تماما، ولماذا كانت دموعي محبوسة وقلبي أخذت نبضاته بالتزايد والسرعة ..
فخرج صوت على هيئة صدى وهو يقول لا تقلقي وأبدئي حياة جديدة، وكان هذا الصوت يتكرر مع همسات في أذني وكنت أتأرجح وأنا واقفة لا أعلم ماذا حدث لي. الجميع قد أختفى وأصبحت على حافة قبر مفتوح والبرد القارس وظلام الليل وصوت الطبول ودخان السماء أخذ بالتبخر والرطوبة والخوف والقلق بداخلي ومن شدة سماع الاصوات التي أخذت بالارتفاع فجأة صرخت بصوت عال. وعندها فتحت عيني وأنا مستلقية على ظهري في غرفتي و علی سریري، كنت لا أستطيع الحركة ولا اتكلم كانت نبضات قلبي سريعة جداً كنت شبه ميتة في هذه اللحظة، لكن إيماني بالله كان قوياً لدرجة الشهادة وقراءة الآيات القرآنية.
كنت أشعر بالاختناق وكأن أحدا ما وضع ذراعه حول عنقي من أجل التخلص مني، ولكن مع ذكر الله اختفى كل ذلك الشعور، وأخذ جسدي بالتفاعل معي في أثناء الحركة.
آخر الليل
رضوان مضر الآلوسي
إن ما سأقصه عليكم اليوم هو أغرب من الخيال ... ذلك اليوم الذي جعلني أدرك الموت لا الموت يدركني كما يحدث في العادة، كنت أتمشى في إحدى المقابر وأنا حزين كان الجو ربيعيا إذ كان الجميع يشعر باعتدال المناخ إلا أنا فقد كنت أشعر ببرودة الصقيع ربما من شدة بلل وجنتي من البكاء في عالم خاو حرفيا. كان جميع العابرين لا يرمقوني حتى بنظرة تائه، ولا أدري من أين أتيت أو لماذا أو كيف فقط كنت أعلم أن اسمي وحيد. نعم، أنا لا أبالغ حتى أنني لا أعلم سبب حزني ولكنه حتما سبب عظيم، ليجعل مقلتي عيني تبدآن بإبصار البياض ... بياض ناصع يقف أمامي وهنا وأنا أبكي جاء وجلس جواري طفل ومن دون الجميع سلم علي، وبلا مقدمات سألني سؤالا كان أشد من الحياة، قال:
ـ ما هو الحب من طرف واحد يا وحيد؟
لوهلة ظننت أنه يعرف اسمي ولكنه شعر بما في داخلي
ابتسمت وهنا تشققت شفتاي لأضحك وأقول بلمسة من الفكاهة:
ـ يا للحظ أظن أنني لم أبتسم منذ زمن طويل
ـ الطفل: انت تتهرب من الجواب أم نسيت ؟
وهنا بدأ الحوار وصدقوني كان ردي نابعا من اللاوعي:
ـ يا بني الحب من طرف واحد قصة
ـ وما هي؟
ـ ذات يوم وفي أول الصباح استيقظ شخص من النوم ليشرب الماء، وقف على قدميه تقدم ليمسك الكأس ولكن الكأس كان وكأنه سراب تفاجأ وظن أنه ما زال يحلم واستدار ليرى أنه مستلق على فراشه بوجه لونه ثلج الموت ظل يحاول الاستيقاظ جاهدا ليعرف أنه الواقع وأنه ليس إلا روح وليس كعادة الأموات لم يطمئن على أي أحد وخرج مسرعا لها فهي الحب الأول والأخير. دخل بيتها مسرعا وكانت نائمة كالملاك. وقف أمام المرآة ليرى أن بصماته تنتقل عبرها ليكتب رسالة الوداع ببصمات الحب ويداه ترتجفان من لهبٍ عليها، وكان سطرا واحدا يكفي لإظهار العاطفة الكامنة.
كتب: أحببتك أكثر من نفسي ... أحببتك لدرجة أنني أسميتك بغداد ...أحببتك بأشد ما عندي ولم يتطلب كل هذا الحب منك سوى ابتسامة.
سأرحل يا بغداد وصدقيني أن فتات قلبي سيبقى تذكارا لك.
يكمل الكتابة ويجلس في زاوية الغرفة لينتظر حتى تستيقظ ولم يكن ينتظر منها سوى اللهفة والحب لتستيقظ وتقف أمام المرآة ودون قراءة المقدمة فأول ما قرأت خبر الرحيل أخرجت هاتفها واتصلت بشخص وقالت له:
ـ تعال يا حبيبي فأظن أن ذلك الأبله الذي كان يحبني قد رحل.
لا يتبين على ملامح الطفل التأثر ليقول:
ـ وماذا كانت ردة فعله بعدما أبصر تلك اللهفة، ويضحك باستهزاء ؟
ـ لم ينفعل أو يتأثر ... اختار الصمت فالصمت يا بني أشد انفعالا، وبعدما خرجت نهض وكتب مرة أخرى: لقد مت مرتين يا بغداد. مرة صباح اليوم والمرة الثانية كانت الآن. كيف لك أن تقتلي روحا؟ يا للعجب!
وخرج من بعدها .
هذا هو الحب من طرف واحد يا بني
ـ قصة جميلة ولكن من أين عرفت تلك القصة وقد كان بطلها ميتا؟
ـ إن أخبرتك لن تصدق لكنها أتت من اللاوعي
وبعــــدها وعندمـا ركزت بملامح الطفل استغربت وسألته: أين رأيتك يا ولد من قبل فوجهك ليس غريبا؟
ابتسم الطفل ليقول: انهض يا وحيد أنت تجلس على قبر
هرعت فورا ووقفت أبصر القبر وقلت اعتذر لم اق.... وقبل أن أكمل كلامي أبصرت اسمي محفورا على القبر لا أعلم ماذا يجري لا أعلم سوى أنني عرفت من أين جاءت تلك القصة عن الطرف الواحد استدرت ورأيت الطفل يرحل صرخت بشدة، وعندما استدار وأبصرته للمرة الأخيرة لم انفعل. اخترت صمتي ثانية وابتسمت ابتسامة حزينة مع آثار الصدمة، وعرفت أن ذلك الطفل هو وحيد الصغير هو الماضي.
قبل تلك الرحلة القصيرة لأهاجر الحياة نهائيا لم أكن أصدق روايات عودة الروح فقدان واسترجاع الذكريات والأربعين يوم ولكنني اليوم صدقتها ولم يدركني الموت كما يقال أنا من أدركته فالموت يدرك لا يدرك كما يشاع ... الوداع ...