العراق من الصين الى روسيا
6-آذار-2023
فراس زوين
يشهد العالم منذ فترة حدثين مهمين، ولا ابالغ اذا قلت انهما الابرز على المستوى العالمي منذ سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق، ولعل تأثيرهما هو الابرز على الصعيد الاقتصادي والسياسي، وهما التغول الاقتصادي للصين ومحاولة تصدرها الساحة الاقتصادية العالمية، وصعودها السريع كمنافس حقيقي للاقتصاد الامريكي، الذي يعد الاول على مستوى تقدم الاقتصاديات العالمية، وانفتاح الصين باتجاه تأسيس لوبي اقتصادي موازي، يسعى لمواجهة اللوبي الغربي يسعى لمجموعة اهداف منها زحزحة مكانة الدولار الامريكي وكسر مقبوليته العالمية في التداولات الدولية، ويهدف لإعادة ترتيب السوق العالمي وفق الشروط الصينية، وبشكل مفاجئ وسريع كاد ان يدفع لحرب اقتصادية معلنة بين الصين والولايات المتحدة الامريكية لولا الخروج المبكر للرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب من اروقة البيت الابيض لحساب مرشح الحزب الديموقراطي جو بايدن.
والحدث الثاني هو الحرب المشتعلة بين روسيا واوكرانيا، والتي تكاد نيرانها تدفع العالم باسره نحو حرب عالمية ثالثة، في حال ان خرجت الامور عن السيطرة، وهو احتمال يبقى قائماً اذا ما اخذنا بالاعتبار تورط العديد من الدول الكبر بشكل او باخر في هذه الحرب من خلال الدعم العسكري او الاقتصادي او المواقف السياسية الداعمة لهذا الطرف او ذاك، وبشكل بدأ يعيد لأذهان العالم شكل التحالف الشرقي والتحالف الغربي الذي شطر العالم الى معسكرين متقاطعين في القرن الماضي، ومن جهة اخرى فان تداعياتها تطال معظم دول العالم من خلال عوامل عديدة منها ان 40% من واردات العالم من الحديد القمح والزيت والمواد الغذائية الأخرى هي كلها من روسيا وأوكرانيا، بالاضافة الى ارتفاع سعر الغاز والبترول في العالم كله والذي اثر بشكل او باخر فيكل الدول بدون استثناء.
ولعل ما يهمنا في هذين الحدثين ويثير الاهتمام، ليس نتيجة الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، ولا نتيجة الحرب العسكرية بين روسيا واوكرانيا، بقدر ما يهمنا التكتلات الدولية والاصطفاف في محور شرقي بقيادة روسيا والصين واخر غربي بقيادة امريكا والغرب من ورائها، والذي يكاد يعيد رسم الخارطة الجيوسياسية العالمية ويعيد تمركز القوى بين الدول اعتمادا ً على مواقفها الاقتصادية والعسكرية من جهة ومدى نفوذها وتأثيرها في محيطها الاقليمي من جهة أخرى.
ولا شك ان هناك دولاً صاعدة وغيرها هابطة واخرى تستمر في هبوطها وافول نجمها، وبرغم المحاولات (الخجولة) للحكومات المتعاقبة للنهوض بالبلاد ودفعها باتجاه مكانتها الدولية والاقليمية فان دور العراق لايزال اقل من ثانوي في المعادلات الناشئة، بل لعلي لا اجانب الصواب اذا خشيت ان يتحول بشكله الحالي الى مجرد ورقة من اوراق الضغط بيد القوى العالمية والاقليمية تدفع بها للضغط او المساومة فيما بينها.
ولعل ما يؤلم ان ارض السواد لم يعد لها من التأثير ما لبعض الدويلات في المنطقة والتي لم يمكن لها في احسن الاحوال سوى ان تكون سوى صفحة في تاريخ العراق، ولكنها في نفس الوقت ادركت نقاط قوتها وحاجة الاخرين لما يملكونه، فاحسنوا المناورة في الوقت الذي شغلتنا حروبنا في الداخل او الخارج.
لا اريد في هذه السطور الخوض في تاريخنا وتاريخ غيرنا بقدر ما اريد التنبيه الى حجم الفرص المهدرة في الوقت الذي يعاد فيه رسم خارطة القوة والنفوذ في العالم، وتقرر فيه مصائر الشعوب، وكما قيل قديماً فالحقوق تؤخذ ولا تعطى، ولن اطيل على القارئ وسأكتفي بالإشارة الى عاملين يجب على الحكومة التركيز والاتكاء عليها كمفتاح يرغم الاخرين على الاستماع لصوتنا، واعادة الاعتبار لما يمكن ان نمثله من ثقل اقليمي ودولي.
- ان العراق يملك رابع أكبر احتياطي مؤكد من النفط الخام في العالم بواقع 145.019 مليار برميل ويأتي بعد كل من فنزويلا التي جاءت أولا والسعودية ثانيا وإيران ثالثا، وفقا للتقرير السنوي لمنظمة الدول المصدر للنفط (أوبك)، مع العلم ان من الممكن زيادة احتياطيه النفطي إلى 270 مليار برميل ليحتل المركز الأول في العالم من خلال تحويله من احتياطي محتمل إلى احتياطي مؤكد بشرط زيادة الجهد الاستكشافي للقطاع النفطي في العراق، كما تجدر الاشارة الى ان العراق ينتج قرابة ٤مليون برميل نفط في اليوم بنسبة تصل 11% من انتاج اوبك بلس، وهو بذلك ثاني أكبر منتج في أوبك، فيما يعتزم البدء في زيادة طاقة تصدير النفط لإضافة ما مجموعه مليون إلى 1.5 مليون برميل يومياً بحلول عام 2025، فيمكن للقارئ ان يتصور حجم التأثير الذي يمكن ان يلعبه العراق في المعادلة الدولية اذا اخذنا بالاعتبار ان العراق يأتي كثالث اكبر مصدر للنفط الى المصافي الصينية الحكومية بعد السعودية وروسيا.
- الوضع الدولي المرتبك والحاجة الملحة الى الطاقة في ظل الظرف الذي فرضته الحرب الروسية الاوكرانية وحاجة اوربا المتزايدة للطاقة وتفاقم أزمة الطاقة في أوروبا على اثر الحصار الذي المفروض على روسيا والذي اتخذته اوربا كورقة ضغط دولية لوقف القتال، ادى في النهاية الى ارتفاع أسعار الطاقة لإضعاف عديدة، مع ملاحظة الحصار القديم على صادرات النفط والغاز الايراني والذي فرضته امريكا والزمت به معظم دول العالم، وما شكله ذلك من احراج للحكومات الاوربية والغربية، وخاصة الولايات المتحدة الامريكية اتجاه حلفائها، مع بقاء احتمال ان تتفاقم هذه الأزمة إلى درجة قد تودي الى عدم القدرة على توفير احتياجات المواطنين الاوربيين، الامر الذي دفع الدول الأوروبية إلى الدعوة لزيادة إنتاج النفط، والبحث عن تلبية احتياجاتها من بلدان أخرى، منها العراق.
في الختام للقارئ ان يتصور الفرصة المتاحة امام العراق لاستغلال رصيده الضخم من، والحاجة الدولية لها في فرض مواقف اقتصادية وسياسية تصب في صالحنا وتساعد البلاد في الخروج من النفق الذي تاهت في ظلماته البلاد منذ اكثر من اربعة عقود ولغاية الان.