الفن العراقي السابع بين ملك يحب السينما وقائد مستبد يتخبط في قلب الظلام
9-تموز-2023
عدنان حسين أحمد
صدر عن دار "مسامير" بمحافظة المثنى في العراق كتاب "الفيلم الوثائقي العراقي والهُوية الوطنية" للباحث والمخرج هادي ماهود. يركّز الكاتب في هذا البحث السينمائي على الهُوية الوطنية للفيلم الوثائقي العراقي منذ سنوات الاحتلال البريطاني للعراق ودخول بغداد تحديدًا حتى سقوط نظام صدّام حسين على يد القوات الأنگلو- أمريكية سنة 2003م، مرورًا بالعَقدين الأخيرَين اللذَين أعقبا الاحتلال حتى الوقت الحاضر. قسّم الباحث كتابه إلى ستة فصول سنتوقف عندها تباعًا، ثم أردفها بعدد التوصيات التي يعتقد أنها مهمة جدًا وتمنّى على الباحثين الجُدد أن يتعمقوا في دراسة الفيلم الوثائقي في الجوانب التي لم يتناولها البحث مثل سيناريو الفيلم الوثائقي ومَنتجَته وتأثير التقنيات عل بنائه الفني.
يؤكد هادي ماهود بأنّ الفيلم الوثائقي العراقي ارتبط بالأنظمة السياسية والعسكرية التي هيمنت على الحكم منذ سقوط الملكية عام 1958م وانتهاء بانهيار الدكتاتورية سنة 2003م. ولم تمنح تلك الأنظمة مُتنفسًا بسيطًا للحرية أو لظهور مُخرجين مستقلين، وأن الأفلام الوثائقية كانت مُنتجًا آيديولوجيا للنظام وليست للشرائح المعارضة لهم الأمر الذي أصبح فيه المتلقي هو المتضرر والخاسر الوحيد في هذه اللعبة. أمّا المحور الثاني الذي لا يقل أهمية عن سابقه فهو انحسار الاهتمام بالفيلم الوثائقي العراقي حيث شغلوا المخرجين العراقيين بصناعة أفلام عربية المحتوى عن فلسطين ولبنان وأريتريا وجيبوتي والسعودية. ينوّه هادي ماهود بأنه سيبحث في مسيرة الفيلم الوثائقي العراقي منذ دخول الكامير مع قوات الاحتلال البريطانية التي غزت العراق قبل تأسيس الدولة العراقية، وسيدرس المرحلة التي أعقبت سقوط نظام صدام سنة 2003م الأمر الذي أتاح لمخرجين عراقيين كثر أن يعودوا للعراق وينجزوا أفلامًا برؤىً مستقلة وسينتقي عيّنات لدراستها إلى جانب فيلم "العراق في أشلاء" للمخرج الأمريكي جيمس لونغلي الذي دخل هو الآخر "وصوّر فيلمه خارج السياقات التي فرضها البنتاغون ونفّذتها القوات العسكرية".
يمكن إيجاز "مشكلة البحث" بالسؤال الآتي:"هل استطاع الفيلم الوثائقي أن يتبنّى الهُوية العراقية؟" ذلك لأن الأنظمة العسكرية التي أعقبت سقوط الملكية روّضت الفيلم العراقي ودجّنتهُ لتحقيق مآربها السياسية فأضحت غالبية الأفلام دعائية وتعبوية وعقيمة من الناحيتين الفنية والفكرية.
نقل الواقع بلا رتوش
يعرّف هادي ماهود الفيلم الوثائقي في الفصل الثاني من الكتاب بأنه "نوعٌ سينمائي يعتمد على توثيق الواقع دون مبالغات أو تزييف". ويُحيلنا إلى تعريف جون غريرسون الذي يقول بأن الفيلم الوثائقي هو "معالجة خلاّقة للواقع". ويُورد أمثلة عديدة لجورج ميليه وسيرجي آيزنشتاين، ودزيغا فيرتوف، وروبيرتو روسلّيني، وجان لوك غودار الذي تخلّى عن السيناريو واكتفى بملحوظات لا تتجاوز الورقتين كما في فيلم "منقطع الأنفاس" ويختم برأي هنري آجيل الذي يقول "إن غرض السينما هو نقل الواقع".
يعتمد هادي ماهود في هذا البحث على الأشكال أو المعايير الستة للمنظِّر الأمريكي بيل نيكولز ويدعو النقاد والباحثين في الشأن السينمائي لاعتمادها في دراسة الأفلام الوثائقية وهي على التوالي:"الشكل الشِعري، والتوضيحي، والمراقبة، والتشاركي والانعكاسي والأدائي" وسوف يعتمد هذه الأشكال الستة في تحليل فيلمين وثائقيين وهما "العراق في إشلاء" لجيمس لونغلي و "سوق سفوان" لهادي ماهود نفسه. فالشكل الشعري يركِّز على الجانب الغنائي والإيقاعي والعاطفي ويستثمر اللغة البصرية لاستكشاف العلاقات بين الصورة وموضوعها وأنماط تقديمها. أمّا الشكل التوضيحي فيتم بواسطة العناوين أو السرد الذي يظهر على شكل تعليق. في حين يعتمد الشكل "الرقابي" على رصد المخرج لما يحدث أمام الكاميرا من دون أن يتدخل في موقع التصوير لكنه يتصرّف وكأنه غير موجود. أمّا الشكل التشاركي فيعني ببساطة إجراء مقابلات أو التفاعل مع المشاركين فيها وهي تشبه المعايشة أو العمل الميداني الذي يقوم به الأنثروبولوجي ضمن مجموعة معينة يقوم بدراستها ثم الكتابة عنها لاحقًا. بينما يركّز الشكل الانعكاسي على مسارات التواصل بين المُخرج والمتلقي. في حين يتجه الشكل الأدائي إلى وصف القضايا الإنسانية بطريقة ذاتية استنادًا إلى تجربة شخصية من خلال تقاليد الشعر والأدب والخطابة.
ييتناول الباحث في الفصل الثالث الذي يتألف من 14 مَبحثًا فرعيًا يبدأ بـ "دراسة السينما" وينتهي بـ "حرب الخليج الثالثة". ففي "دراسة السينما" يُثني الباحث على جهود أحمد فياض المفرجي في أرشفة وتبويب الإنتاج السينمائي، ويُشيد بأبحات الكاتب الفلسطيي يوسف يوسف ويعتبر كتبه وأبحاثة مراجعَ مهمة عند دراسة السينما العراقية والكتابة عنها. تعرّض قسم الأبحاث في مؤسسة السينما والمسرح إلى نكبتين، كما يسمّيهما الباحث، تتمثّل الأولى بوفاة رئيس القسم أحمد فياض المفرجي، والثانية احتلال العراق في حرب الخليج الثالثة عام 2003م وقصْف مؤسسة السينما واحتراق الأرشيف السينمائي أو سرقته. يشير الباحث أيضًا إلى 13 كاتبًا وناقدًا سينمائيًا أرّخوا للسينما العراقية وهم على التوالي: "مهدي عباس، وضياء البياتي، ويوسف العاني، وعدنان حسين أحمد، وعلي حمود الحسن، وعلاء المفرجي، وأحمد ثامر جهاد، وحسين السلمان، وصباح رحيمة، وكاظم مرشد السلوم، وعلي البزاز، وصالح الصحن، وطارق الجبوري" متناسيًا صحفيين ونقادًا سينمائيين آخرين أبرزهم سامي محمد، فيصل عبدالله، زياد الخزاعي، قيس الزبيدي، صفاء صنگور، رضا الطيار، شاكر نوري، جواد بشارة، مقداد عبدالرضا، رضا المحمداوي وغيرهم الكثير. وعلى الصعيد العربي يشير الباحث إلى الناقد المصري مصطفى النحاس، والفلسطيني الراحل بشار ابراهيم متناسيًا أيضًا العديد من الأسماء العربية التي كتبت عن السينما العراقية وأفلامها الروائية والوثائقية والقصيرة. علمًا بأنّ بعض المخرجين العراقيين كانوا يؤرخون للسينما العراقية ويكتبون عنها من بينهم قاسم حول ومحمد توفيق وعلي كامل وعشرات الأسماء الأخرى التي كان يمكن أن يدرجها في متن البحث أو في هوامشة الكثيرة في الأقل.
الوثائقي . . محطّة مؤقتة
لم يحظَ الفيلم الوثائقي بالعناية اللازمة من قبل مؤسسة السينما أو من قبل السينمائيين أنفسهم، " فلم يكن الفيلم الوثائقي سوى محطة مؤقتة للسينمائي ليقفز بعدها إلى الفيلم الروائي الطويل" ولم يجد الباحث سينمائيًا واحدًا يعتز بمنجزه الوثائقي قدر اعتزازه بأفلامة الروائية. ويصف الناقد قيس قاسم هذه الظاهرة الغريبة بأنها "عقدة مستأصلة عانت منها السينما العراقية طويلاً تمثلت بالاستنكاف عن الوثائقي والاستهتار بالقصير". ويأسف يوسف العاني أنّ السينما العراقية لم تنتج على مدى قرن كامل سوى 100 فيلم روائي في بلد غني كالعراق، وأفلام وثائقية ليست بالمستوى المطلوب كمًا ونوعًا.
يعتقد الباحث أنّ نظام عبدالكريم قاسم قد سخّر السينما لأغراضه السياسية مستفيدًا من التجربة المصرية حيث افتتحت مصلحة السينما والمسرح عام 1959م إنتاجها الوثائقي بفيلم عن ثورة تموز وزعيمها لتجترح طريقًا لم يتخلص منه الفيلم الوثائقي العراقي حتى بعد سقوط صدام حسين بسنوات عديدة.
يشير الرائد والمؤرخ السينمائي ضياء البياتي في "موسوعة السينما العراقية" إلى أنّ أول فيلم وثائقي صُوِّر في العراق كان في عام 1921م من قِبل مُصوِّر بريطاني جاء مُرافقًا لفيصل الأول عندما نُصِّب ملكًا على العراق لكنه لم يذكر اسم المصوِّر واسم الفيلم.
يستعين الباحث بما كتبه مازن لطيف بأن سينما "سنترال" كانت أول دار عرض يجري افتتاحها في بغداد من قِبل أحد أفراد الطائفة اليهودية وقد لاقت، في حينه، إقبالاً منقطع النظير ثم تلاها افتتاح عدة سينمات مثل "رويال" و "العراقي"، و "الرشيد"، و "الزوراء" وكانت غالبية هذه الدور ملكًا لليهود أو شراكة مع بعض رجال الأعمال المسلمين.
قاعة سينمائية في قصر الزهور
من المعلومات المهمة والطريفة في هذا البحث أنّ الملك الشاب فيصل الثاني كان يحمل في صورة من صور الأرشيف كاميرا بوليكس، ولديه صور أخرى أُلتقطت في إستوديوهات هوليوود وهو يرتدي زي رعاة البقر. وبحسب المؤرخ هادي حسن عليوي في مقاله (شخصيات عراقية) "أنّ الملك الشاب كان مُولعًا بالسينما وله علاقات وطيدة ومراسلات مع بعض الممثلين الإنگليز والأمريكان، وخاصة روبرت تايلور، وكانت لديه قاعة عرض خاصة في قصر الزهور الملكي يذهب إليها باستمرار لمشاهدة آخر الأفلام السينمائية". فإذا كان الملك مولعًا بالسينما إلى هذا الحد فلماذا تأخر الفن السابع في الحقبة الملكية التي امتدت منذ تأسيس الملكية حتى سقوطها في تموز 1958م؟ قُتل الملك، وهُجِّر اليهود، وأُغلقت شركات الإنتاج السينمائي فانقصم ظهر الفن السابع في العراق منذ ذلك الحين. توالت الانقلابات العسكرية حتى وصل صدام حسين إلى سُدة الحكم فأسس ماكينة إعلامية تحركها أصابع مخابراتية تركت الشأن العراقي وانشغلت بموضوعات عربية حيث أطلقت مهرجان "أفلام وبرامج فلسطين" الذي استمر لعدة دورات وانهمك المخرج العراقي بأفلام عربية تحت ذريعة الانتماء القومي للسينمائي العراقي المُوجّه أصلاً من قِبل السلطة. ولم تنتج مؤسسة السينما أفلامًا مهمة باستثناء "الأهوار" لقاسم حول، و "حكاية للمدى" لبسام الوردي وماعداها لا يعدو أكثر من متابعات لأعمال البناء والإنشاءات والمؤتمرات والندوات الجماهيرية. فلم يجد الفيلم الوثائقي العراقي مكانًا في المهرجانات الدولية باستثناء مهرجان موسكو ودول المعسكر الاشتراكي المؤازرة لنظام البعث. وحينما أنجز قاسم حوَل فيلم "بيوت في ذلك الزقاق" أمروه بتغيير النهاية بما ينسجم مع توجهات المؤسسة لكنه رفض فكلّفوا المخرج محمد شكري جميل بتغييرها في سابقة خطيرة تُشكل امتهانًا لحرية الفنان في العراق.
لم تُحقق المؤسسة خلال سنوات الحرب الثماني سوى 25 فيلمًا وثائقيًا قليلة التكلفة، وسريعة الإنجاز، وهي في مجملها أفلام تقريرية وتحريضية تُعظِّم الجانب البطولي للجندي العراقي وتقزّم الخصم الإيراني. كما أشار إلى تجربته الشخصية في فيلم "الفاتحون مرّوا من هنا" ووصفها بالمثيرة والمحفوفة بالمخاطر. ولم تسمح المؤسسة بدخول أي مُخرج أجنبي للتصوير داخل العراق إذا ما استثنينا تجربة المخرج الفرنسي من أصل عراقي سعد سلمان الذي تسلل من كوردستان العراق إلى بغداد بوثائق مُزوّرة ليصوّر فيلمه "بغداد أون أوف". أمّا "أفلام الخارج" فقد أنجز المخرجون العراقيون "المنفيون" عددًا كبيرًا من الأفلام ذات الكلفة الواطئة مثل "تراتيل سومري" لهادي ماهود، و "جبّار" لجمال أمين، و "الرجل الذي لا يعرف السكون" لقتيبة الجنابي، و "جبر ألوان" لقيس الزبيدي، و "المدينة الشهيدة" لعلي رفيق، و "الأمكنة المشاكسة" لعلي ريسان، و "الذاكرة والظلال" لعلي كامل، و "الذاكرة والجذور" لفاروق داوود. وأنجز خالد خضوري فيلمًا عن "قطار الموت" الذي كان يقوده والد الناقد السينمائي علاء المفرجي. وهناك أفلام كثيرة لم يُشِر إليها الباحث مثل "شاعر القصبة" لمحمد توفيق، و "انسَ بغداد" لسمير جمال الدين، و "سِفر التحولات" لكاظم صالح، و "الأخضر بن يوسف" لجودي الكناني، و "نزلاء حتى إشعار آخر" لفرات سلام وعشرات الأفلام الوثائقية الأخرى التي تحمل هُوية وطنية ولا تمجد سلطة قامعة للشعب. وما إن سقط الطاغية حتى تدفق العديد من المخرجين العراقيين المقيمين في الشتات لكي يوثقوا عودتهم لوطنهم الأصلي ومن أبرز هذه الأفلام "16 ساعة في بغداد" لطارق هاشم،و "العراق موطني" لهادي ماهود، و "الطريق إلى بغداد" لوليد المقدادي. كما أنجز آخرون أفلامًا ذات هوية عراقية لا تقل أهمية عن سابقاتها مثل "قطع غيار" لجمال أمين، و "قصص العابرين" لقتيبة الجنابي، و "أين العراق؟" لباز شمعون.
العودة إلى بلد العجائب
حظي المخرجان قاسم عبد وميسون الپاچه چي باهتمام كبير من لدن هادي ماهود في هذا البحث حيث توقف طويلاً عند سيرتهما الذاتية والإبداعية وحلّل فيلمين وثائقيين لهما، وتتبّع تأسيسهما لـ "كلية السينما والتلفزيون المستقلة" في بغداد، والثمار التي جنياها من هذا المشروع الخلاق الذي واجه العديد من الصعوبات والمواقف العصيبة. حلل الباحث فيلم "حياة ما بعد السقوط" 2008 لقاسم عبد الذي يرصد فيه ثلاثة أجيال من أفراد عائلته خلال السنوات المحصورة بين (2003- 2007م) حيث يُقتل البعض ويُشرّد البعض الآخر، فالعائلة التي كانت متماسكة في زمن صدام تفتتت في زمن الاحتلال، وتحول الفرح والتفاؤل إلى كابوس ثقيل. كما يتناول الباحث فيلم "العودة إلى بلد العجائب" لميسون الپاچه چي الذي يتبدد فيه طموح والدها في أن يصبح رئيسًا للجمهورية بعد أن تخلى الأمريكان عن دعمه فراح يبدد أوقات فراغه في الهايد پارك. وكنت أتمنى على الباحث أن يحلل هذين الفيلمين على طريقة نيكولز وبمعاييره الستة التي أشرنا إليها سلفًا. وفيما يتعلق بكلية السينما والتلفزيون المستقلة فقد أنتجت هذه الكلية 16 فيلمًا وثائقيًا حصدت 11 جائزة في مهرجانات دولية وقد ركّز الباحث على فيلمين مهمين وهما "شمعة لمقهى الشاهبندر" لعماد علي و "غنّي أغنيتك" لعمر فلاح وقد تعرّض الأول للإصابة بأربع طلقات نارية وقُتل والده وزوجته على يد مجموعة إرهابية مسلحة فيما تعرّض الثاني للضرب والتقريع وحطموا آلاته الموسيقية بذريعة أنّ الفن حرام ويجب معاقبة الآثمين.
الحل يأتي من الداخل
يتمحور الفصل الرابع برمته على تحليل فيلم "العراق في أشلاء" على وفق معايير بيل نيكولز الستة. وفي تقديم الباحث لهذا الفيلم يقول حمل لونغلي كاميرا صغيرة الحجم ومكث في العراق سنتين بعد أن دخل مع القوات الأمريكية التي اصطحبت معها 600 صحفي وقد صوّر سبع قصص لكنه اكتفى بثلاث منها. استطاع لونغلي أن يكسب ثقة الشيخ آوس الخفاجي، قائد ميلشيا جيش المهدي في الناصرية حيث وفّر له الإقامة في منزلة (كما روى لونغلي في المقابلة معه في HKO) وكانت أمريكا تصوّر الصدريين باعتبارهم "مليشيا إرهابية ومقاومين للاحتلال الأمريكي". صوّر لونغلي 300 ساعة من المواد الفلمية ومَنتج المواد المصوّرة ليصبح الفيلم جاهزًا للعرض. قسّم لوتغلي الفيلم إلى ثلاثة أقسام حيث يدور القسم الأول في مناطق سُنيّة في بغداد، والقسم الثاني في الناصرية والنجف ذات الغالبية الشيعية، والقسم الثالث في شمال العراق وهو يعلن بدءًا من العنوان بأنّ كاميرته تسير على وفق دوافع آيديولوجية. يروي القسم الأول قصة محمد الذي كان والدهُ ضابطًا في الجيش العراقي وقد أُعدم من قِبل نظام صدام وبقي الابن وحيدًا يعمل في ورشة مع رجل من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد حُرم محمد من دراسته واللعب مع الأطفال لانهماكه في العمل بالورشة. أمّا القسم الثاني فيسرد قصة الشيخ آوس الخفاجي، ممثل زعيم التيار الصدري في مناطق الوسط والجنوب الذي يقوم بالتعبئة المليشياوية بهدف السيطرة على الوضع هناك بالقوة في غياب السلطة والقانون وعلى مرآى من القوات الأمريكية في تلك المناطق. وقد اعتمد الباحث على المعايير الستة لنيكولز في تحليل الفيلم ودراسته بأدوات نقدية متمكنة حقًا لكن لونغلي لم يستعمل إلاّ ثلاثة من هذه الأشكال وهي: الشكل الشعري، والرصدي، والتشاركي ولم يتعاطَ مع الأشكال الأخرى كما يرى الباحث. وتمثّل الشكل الشعري باستعمال لقطات بشكل خاطف حتى يخلق إحساسًا فوضويًا عند المتلقي. يقول لونغلي:"أنّ السينما هي شكل من أشكال الفن يجب أن تتصرف كفن وليس كتحليل سريري بارد"، ويضيف شيئًا مهمًا مفاده "أنّ الفيلم الروائي هو الرسم من الخيال، أمّا الفيلم الوثائقي فهو الرسم من الحياة". لم يُفرط في استعمال الموسيقى التصويرية بل اعتمد المؤثرات السمعية الحية لتعميق الواقع الذي نقلهُ على الشاشة. يعوّل لونغلي على الشكل الرصدي في بناء فيلمه وكان مراقبًا ذكيًا لما تلتقطه كاميرته حيث رصد هيمنة التيارات الإسلامية على الشارع بالقوة ويكفي أن نشير لعملية دهم الصدريين لسوق الهرج في الناصرية وضربهم المبرح لأحد باعة الخمور بالهراوات مستغلين ضعف السلطة وغياب القانون. والغريب أن هذه المليشيا تعتبر أنّ ما قامت به هو خطوة مهمة لتقويم المجتمع. يقول لونغلي:"إنّ الصدريين في اقتحامهم لسوق الهرج يعتقدون بأنهم لا يرتكبون خطأ وعليه فقد منحوني حرية التصوير ولم أشعر بأنّ هناك خطرأً يهددني". أمّا الشكل الثالث فهو التشاركي الذي يمكن إيجازه بالمقابلات الكثيرة التي أجراها المخرج في الأقسام الثلاثة من الفيلم وشارك الناس في آرائهم ووجهات نظرهم الخاصة. وبحسب ما قالته مارتا باربير في صحيفة "ميامي هيرالد" (إنّ ما نستنتجه من فيلم لونغلي الوثائقي هو أنّ الحلول يجب أن تأتي من الداخل". فيما يؤكد الناقد ديفيد آنسن بأنّ "الفيلم لمحة رائعة عن عراق لا تُطلعنا علية وسائل الإعلام أبدًا في حين تكون السينما كشفًا هادئًا".
التصوير بالهاتف النقّال
يخصص هادي ماهود الفصل الخامس لتحليل فيلمه "سوق سفوان" الحائز على جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان BBC للفيلم العربي في لندن سنة 2015م. وقد أنجز هذا الفيلم بدون ميزانية الأمر الذي دفعه للعمل بصيغة "گروپ في رجل واحد" One man crew حيث كان مُصورًا ومُخرجًا ومُونتيرًا وراويًا في الوقت نفسه. ونظرًا لعطب كاميرته السينمائية فقد اضطر للتصوير بالهاتف النقّال والإيپاد بعد أن عقد علاقة صداقة مع الباعة في السوق ووثّق الحقيقة بلا افتعال أو تهويل. يقع سوق سفوان في قلب مدينة السماوة، وهو المكان الذي اختارته القوات الهولندية التي جمعت فيه أصحاب "البسطيات" الذين كانوا يفترشون أرصفة المدينة ويعيقون حركة المشاة وخصصت لهم ما أُطلق عليه "سوق سفوان" لأن التجّار كانوا يجلبون بضائعهم من مدينة سفوان الحدودية المحاذية لدولة الكويت ويبيعونها إلى العوائل الفقيرة والمتوسطة. وكان هذا السوق مصدر رزق لـ 400 عائلة من باعة "البسطيات" الذين تلقّوا أمرًا قضائيًا بإخلاء المكان وتسليمه إلى مديرية الوقف الشيعي التي ادعت بعائدية الأرض إليها ورغبتها في بناء جامع على أنقاض السوق رغم أن المكان مُحاط بالعديد من الجوامع، فيبدأ الصراع بين الباعة والوقف الشيعي وينتهي بتهديم السوق وطرد الباعة وحرمانهم من مصدر رزقهم الوحيد. يطبّق هادي ماهود المعايير الستة على فيلمه ويتوصل في الفصل السادس إلى النتائج المُرضية التي يمكن تلّمسها في كلا الفيلمين ويوصي الباحثين الذين سوف يأتون من بعده للتعمّق في دراسة سيناريو الفيلم الوثائقي ومَنتجته وتأثيره على بناء الفيلم الوثائقي الذي يعالج الواقع معالجة خلاقة وصادقة ولا تحتفي بالرتوش والمزوّقات الجمالية.
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech