القانون في العراق.. «ذليل» أمام الأقوياء و«حاد» على رقاب الفقراء
17-أيار-2023
تحقيق: تغريد العزاوي
قد يبدو غريبا في العراق اليوم، أن يحكم على طفل صغير جائع بالحبس الشديد لمدة (ثلاث سنوات) لسرقته بضعة مناديل ورقية "كلينكس"، لا تعدل قيمتها المادية خمسة آلاف دينار عراقي، في حين يفلت من العقاب من يسرق الملايين و(المليارات)، والأغرب من ذلك أن تعتقل امرأة عجوز بتهمة (التسول) والإستجداء. بينما ترى من يأكل أموال الناس، ويصادر حقوق الفقراء، يصول ويجول دون حسيب أو رقيب.
الأدهى من ذلك كله، أن تسمع شعارات (القانون فوق الجميع)، و(القانون لا يستثني أحدا) و(العدل أساس الملك) و(تحقيق العدالة أولا) وغيرها، إلا أن معيار كفتي الميزان باتت غير عادلة في العراق اليوم.

• اللعبة انتهت!
يقول السياسي العراقي والنائب السابق مثال الآلوسي: إن اللعبة انتهت. وما نعيشه اليوم لا يستحق حتى الانتقاد.
يذكر أن الالوسي قد صدر بحقه قبل شهور قليلة، حكم قضائي بالسجن المؤقت (سبع سنوات) والحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة من محكمة جنايات الكرخ الثالثة، وفقا للمادة (٢٢٦) من قانون العقوبات العراقي.

• قانون على المستضعفين
يقول النائب السابق في مجلس النواب العراقي، فارس الفارس: إنّ القانون في العراق من بعد ٢٠٠٣ حقيقة يتحكم فيه المزاج، وإن النفوذ يطبق على المستضعفين فقط وكأنه غير موجود عند الطبقة السياسية المتنفذة بالسلطة، وقد تتفاوت قدرة الدولة على تطبيقه بحسب المنطقة وفئة المجتمع والظرف السائد، لكن منذ تولي المهندس محمد شياع السوداني لرئاسة مجلس الوزراء العراقي، وجدناه بمستوى تطبيق القانون، فقد ارتفع مستواه فوق فئات كان لا يقترب منها، ودخل إلى بعض المؤسسات التي كان يحرم الولوج إليها، وهذا أمر إيجابي ويدعو إلى التفاؤل والأمل بسيادة القانون، وأن يكون فوق الجميع.
وتطرق الفارس الى دور المؤسسة التشريعية المتمثلة بمجلس النواب، قائلا: إن مراقبة أداء الدولة وتشريع القوانين للحكومة، يقع على عاتق السلطة التشريعية للبرلمان العراقي، إلا أنها وللأسف حاليا متهمة ببعض الخروقات بعدم تطبيق الدستور والقوانين، وهذا ما يتداول الآن.

• عدم تطبيق القانون!
يقول النائب الأسبق في مجلس النواب، الدكتور أحمد عطية السلماني: إن العراق يعيش حالة من الفوضى القانونية، وما يحصل حاليا هو انعكاس لحالة الفوضى القانونية، ولا سيما التعثر في تنفيذ القوانين أكثر من التعثر بتشريعها، وما نعانيه اليوم هو نتاج تراكمات طويلة من الإخفاقات، وغض الطرف عن الالتزام بالقوانين والتواطؤ بين أطراف عديدة، بسبب ذلك انتفاعا.
ويبين السلماني إن الانتهاكات الدستورية والقانونية لرئاسة مجلس النواب الحالي، تعد حالة من التفرد بالرأي وفرض الكثير من التوجهات الخاصة، حتى لو تقاطعت تلك التوجهات مع القانون، وإنما قد ترسخت بسبب ضعف الالتزام بها، ولذلك فإن معالجة هذه الحالة الخاطئة لن تكون إلا بتفعيل القانون، وتطبيق مواده بكل صرامة ودون مهادنة أو تردد.
• سيادة القانون شعار فارغ!
من جهته، يقول القاضي المتقاعد ورئيس هيئة النزاهة الأسبق رحيم العكيلي: إنّ القانون في العراق اليوم سوط مسلط على ظهور الضعفاء، إنما هو خادم ذليل للنافذين الأقوياء، وأن سيادة القانون في العراق ما هي إلا شعار فارغ، لا يستخدم لأغراض التطبيق العادل والمتساوي للقانون، فهو يرفع بوجه الشعب لحماية السلطة وأمن النظام السياسي المتحكم، لأن مصاديق تطبيق القانون على الجميع، أبعد ما تكون في دولة تتبنى بشكل ممنهج الفساد وسرقة الثروات وقهر المجتمع، وقمعه وتسليط إعلام مضلل وتعليم متهالك على ابنائه.
ويضيف العكيلي، أن المتورطين بالفساد من الكبار، محميون وينالون صكوك البراءة بسهولة ويسر. وقد يلقى بعبء جرائم الفساد التي يتورط بها الكبار، على ذمة الصغار من الموظفين أو قد ينفذ منها الجميع، وذلك لحماية ممارسات الفساد المستقبلية المحتملة. وإن تعمد إضعاف أدوات الدولة ومؤسساتها، جعل صنع القرار بكل أشكاله بيد سلطات (سياسية، أو دينية، أو مليشياوية، أو دولية عميلة)، تحكم خارج الإطار الدستوري والقانوني للدولة.

• الضغط السياسي على القضاء
القاضي المتقاعد وائل عبد اللطيف، الذي عمل محافظا ووزيرا ونائبا، يقول: إن السياسيين لا يؤمنون بالقانون أساسا، والأحزاب السياسية نفسها قد أعلنت بأنها تمارس الضغط على القضاء العراقي، وقد أعلن القضاء أيضا ذلك على لسان أعلى سلطة قضائية، والمتمثلة برئيس مجلس القضاء الأعلى؛ إذ قال: "نعم تمارس الضغوط علينا". وهذا بحد ذاته يبين إن السياسيين العراقيين هم فوق القانون، ويمارسون الضغط على القضاء. كما وأن ذلك يدل دلالة واضحة على أن الفساد المستشري بينهم غير قابل لمحاسبتهم، وإلا فإننا نرى لسنوات طويلة، كيف تدعو المرجعية في العراق، إلى إحالة كبار رؤوس الفساد إلى القضاء، لكن السلطات لم تفعل، فقد تركوا وعادوا إلى أمريكا وبريطانيا وأستراليا، وبقية الدول التي جاءوا منها، بعد أن انتهت مسؤوليتهم في العراق.
ويشير عبد اللطيف الى انه، "لاحظنا الكثير ممن اتهموا بالفساد وجرت عليهم أحكام قضائية، قد خرجوا بعد فترة وجيزة من اعتقالهم، وهذا نتاج تدخل أحزابهم، واليوم كل الأحزاب السياسية بدون استثناء هي مشتركة في عملية الفساد، وهذا منطلق قائم لدى كل القوى السياسية للأحزاب والفصائل والكتل والتيارات تحت أي وصف.

• السياسي العراقي فوق القانون
الإعلامية ومذيعة الأخبار، سجد الجبوري، تقول: إن سبب ضعف سيادة القانون في العراق، يعود إلى القائمين على المشهد السياسي الذين يتغذون على ضعف القانون، وهذا سبب استمرارهم في العملية السياسية، فلو كان هناك قانون حقيقي يتم تطبيقه على الجميع، لكان نصف المتصدين للمشهد السياسي والمتحكمين بمصير العراقيين، هم خلف القضبان الآن، لا سيما أن بعض السياسيين وخاصة الذين تصدروا منذ بداية التغيير المزعوم بعد عام ٢٠٠٣، قد سنوا إقرار القوانين وفقا للآليات التي تخدم أجنداتهم ومصالحهم الضيقة، على حساب الصالح العام، فنجد السياسي العراقي اليوم أصبح فوق القانون، أو بالأحرى السياسي العراقي هو من أهان القانون .
وتضيف الجبوري، أن قضية ابن محافظ النجف السابق لؤي الياسري، والمحكوم بالإعدام بجريمة تجارة المخدرات، والذي خرج بعفو خاص من رئاسة الجمهورية، وكذلك قضية نور زهير وهيثم الجبوري وغيرهم، تثبت لنا أن كل أجهزة الدولة ومؤسساتها الحكومية، تسير وفقا لما يريده السياسيون وليس العكس.

• الاقلام الحرة تحتضر
تقول الصحافية قدس السامرائي، التي صدر بحقها مؤخرا حكم قضائي غيابي يقتضي بالحبس لمدة (سنة) واحدة، وفقا لأحكام المادة (٤٣٣) من قانون العقوبات العراقي، قائلة: "الظلم خيم على سطور قلمي الحر، واليوم قلمي الصحفي يفتقر إلى أبسط مقومات التعبير، بعد الظلم والغبن الذي تعرضت له. فأنا الصحفية التي كتبت وعبرت عن حالة الفقر المنتشرة في المجتمع، وعن المشكلات التي يعاني منها المواطن العراقي، ليتم الحكم عليّ بالباطل، بسبب السيطرة والنفوذ الذي بات منتشرا في العراق. واليوم نحن لا نجد الصحافة تمثل السلطة الرابعة، التي تكشف فساد المسؤول، بقدر ما نجدها مهنة ضعيفة بلا قوة، وبلا أجنحة، وأداة لتلميع صورة المفسدين أيضا.

• تكميم الافواه
الإعلامية زينب الكعبي، التي حكم عليها سابقا بالحبس لمدة ثلاث سنوات، تقول: ان "القانون ينظر بعين المكروسكوب على الصحفيين والمدونين ومن يبلغون على صفقات الفساد، وأغلب هذه الفئة تعاني مرارة السكوت واضطهادا وقمعا وتكميم للأفواه، وملاحقات قانونية عادة ما تؤدي بهم الى الحبس والغرامات المالية غير المقدور عليها. ونقر بأننا الصحفيين تقاسي رهاب القضاء غير العادل. وحقيقة إن القانون في العراق تتزمت به جهات ترضخ لضغوطات الأحزاب المتسلطة؛ حيث هناك ازدواجية معايير ضمن التعامل القانوني الذي يتبع سياسة الكيل بمكيالين لصالح حيتان الفساد.
هوازن الدليمي، مواطن جرى توقيفه سابقا على ذمة التحقيق لمدة سنتين، تحفظ على نشر صورته لدواع أمنية بحسب قوله، لكنه قال: اعتقلت لمدة سنتين بتأريخ ٢٠٠٨/٤/٩، اثناء حملة دهم واعتقالات عشوائية من قبل القوات الحكومية المسلحة المداهمة، وشملت المداهمة مناطق حزام بغداد تحت تهمة أربعة إرهاب. وبعد اعتقالنا آنذاك تم نقلنا إلى مركز احتجاز ضمن المنطقة التي أسكن فيها بحزام بغداد. وكان عددنا وقتها ما يقارب ٣٠٠ شخص، تم اعتقالهم ضمن المنطقة، وتم تسفيرنا إلى بغداد، وكنت أنا من بين المعتقلين الذين تم تسفيرهم؛ حيث نقلنا إلى سجن مكافحة الإرهاب ٥٢، وأذكر كانت التهمة هي الإشتباه بأربعة إرهاب. ومن هنا بدأت عملية التعذيب الجسدي بكل أنواعه داخل سجن إنفرادي، ولمدة ثلاثة شهور. ذقنا فيها شتى أنواع التعذيب، والتعرض إلى التمييز العنصري على أساس طائفي. ومن ثم بعدها تمت إحالة أوراقي إلى قاضي التحقيق في محكمة الساعة، بعد أن انتهى التحقيق والتعذيب الذي كان داخل المحتجز، وعندئذ واجهت قاضي التحقيق وخرجت من محكمة الساعة، فرأتني إحدى المجندات الأمريكيات في وقتها، ونوعا ما شعرت بالعطف علي لكوني كنت حدثا صغيرا في العام ٢٠٠٨ ولم أبلغ سن الرشد، فقامت المجندة الأمريكية بأخذ يدي حينها في سيارة نوع (همر)، وذهبت بي إلى قاضي التحقيق وسألته عن قضيتي، وقد جلبت لي أمر الإفراج لكوني حدث وبريء، وبعد صدور قرار الإفراج، بقيت لمدة شهر في المعتقل، ومن بعدها تم إخراجي بدفع مبلغ مالي مقداره 7 الاف دولار أمريكي، وكان ذلك في العام ٢٠٠٨.
بعد كل تلك المحنة التي يتذكرها الدليمي بأسى، يقول "ما تعرضت له جعلني أدرك تماما أن القانون في العراق يطبق على المواطن الفقير فقط".
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech