القيم اهداف عليا للفرد والمجتمع والدولة حاكمة على ما سواها، والاحكام والقوانين ادوات تنفيذية لتحقيق القيم.
من الضروري ان نفهم طبيعة القيم. كما من الضروري ان نفهم الفرق بين ماهية القيم وبين مصاديقها. القيم معان مجردة سامية غير مرتبطة بزمان ومكان. ماهية القيم العليا ثابتة لا تتغير بتغير الازمان والامكنة والمجتمعات. اما مصاديق هذه القيم فتختلف من مكان الى مكان ومن زمان الى زمان ومن مجتمع الى مجتمع. فقد تتفق المجتمعات في كل زمان ومكان على تعريف الحرية او العدالة او الشجاعة او الكرم او الرشد؛ لكنها تختلف في تحديد مصاديق الحرية والعدالة والشجاعة والكرم والرشد.
القوانين والأحكام هي أدوات تنفيذية تهدف أساسًا إلى تحقيق وحماية القيم المجتمعية الأساسية مثل العدالة، المساواة، والأمن. تبقى الاحكام سارية ما دامت محققة للقيم، فان افترقت الاحكام عن القيم وجب تغييرها. وقد بين القران هذه العلاقة المتغيرة في اية واحدة حيث قال:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم الا تعدلوا فواحدة".(النساء ٣). حيث نجد ان جواز تعدد الزوجات وهو تشريع يدور مدار العدل وهو قيمة عليا. تعدد الزوجات جائز مع العدل، ممنوع مع خوف عدم العدل. وهذه قاعدة عامة منشؤها قوله تعالى:"ان الله يامر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون". (النحل ١٦) ونجد التفريعات التشريعية لهذه القاعدة القيمية في الكثير من الايات القرانية مثل قوله تعالى:"يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنان قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون"(المائدة ٨)، وقوله تعالى:"ولا يجرمنكم شنان قوم ان صدوكم عن المسجد الحرام ان تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب".(المائدة ٢) والامر ينسحب على سن الزواج بالنسبة للفتاة. وهنا يجب التفريق بين سن التكليف وسن الزواج. سن التكليف يكون مقرونا بوجوب اداء الصلاة وله علامات جسدية معروفة. اما سن الزواج فهو محكوم بقيمة عليا هي "الرشد" ولا علاقة له بسن التكليف. ويجب تفسير النصوص الدينية الواردة بهذا الشأن على هذا الاساس. اما قصة زواج النبي من عائشة بنت ابي بكر وعمرها ٩ سنوات فغير صحيحة. والصحيح ان عمرها كان ٢٠ سنة او ربما اكثر.
تُعد هذه القيم الأساس الذي يبني عليه المجتمع تطورّه واستقراره. لذا، يجب أن تتسم القوانين المحققة لها بمرونة تُمكِّنها من التكيف مع التغيرات الحياتية والاجتماعية لضمان استمرار تحقيق هذه القيم.
تُوضع القوانين لتكون أدوات مباشرة لتنفيذ القيم الأخلاقية والاجتماعية. على سبيل المثال، تُسَن قوانين الجرائم والعقوبات لتحقيق العدالة وردع الجريمة، وهو ما يعزز من الشعور بالأمان في المجتمع. بالتالي، يكون هدف القانون هو خدمة تلك القيم بأفضل طريقة ممكنة.
القاعدة الذهبية هنا هي "المرونة". إذا ثبت أن القوانين والأحكام لم تعد تحقق الأهداف المرجوة منها، يجب تعديلها أو استبدالها. القوانين ليست غاية في حد ذاتها؛ بل هي وسيلة لتحقيق القيم. هذا يفرض على الأنظمة القانونية أن تكون ديناميكية وقابلة للتغيير مع مرور الوقت.
المجتمعات ليست ثابتة؛ فهي دائمة التغيير، سواء كنتيجة للتطور التكنولوجي أو التغيرات الثقافية والاجتماعية. هذه التحولات تتطلب قوانين جديدة أو تعديل القوانين القائمة. على سبيل المثال، ظهور الإنترنت استلزم وضع قوانين جديدة للنشاط الإلكتروني.
يُعد النقاش المجتمعي بشأن القوانين وكيفية تحقيقها للقيم أمرًا حيويًا. من خلال الحوار المفتوح والمستمر، يمكن التأكد من أن القوانين تُعبِّر عن إرادة المجتمع وتتابع التطور فيه.
الخلاصة ان القوانين والأحكام هي أدوات تعمل لتحقيق القيم المجتمعية. عندما تتغير الأوضاع، يجب أن تتغير القوانين معها لضمان استمرار تحقيق تلك القيم. هذه المرونة والقدرة على التطور هي ما يُمكِّن المجتمعات من الحفاظ على استقرارها وتطورها.