المركز والإقليم: من سيغادر الحلبة؟
13-شباط-2023
مصطفى ملا هذال
من الأيام الأكثر سوداوية بالنسبة لحكومة إقليم كردستان وشعبه، هو يوم الثلاثاء المصادف الخامس عشر من فبراير عام 2022، ففي هذا اليوم أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قرار يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان، الصادر عام 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلا عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية.
وقالت المحكمة في بيان لها نشرته على موقعها الإلكتروني، ان القرار شمل إلزام حكومة الإقليم بتسليم كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في الإقليم والمناطق الأخرى، التي كانت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان تستخرج النفط منها، وتسليمها إلى الحكومة الاتحادية والمتمثلة بوزارة النفط العراقية، وتمكينها من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره.
وكان إقليم كردستان قد بدأ في بيع النفط بمعزل عن الحكومة الاتحادية، بعد أزمة مالية خانقة نتيجة انهيار أسعار النفط خلال اجتياح تنظيم داعش لمناطق في العراق، فضلا عن الخلافات مع بغداد التي دفعت الأخيرة إلى إيقاف صرف رواتب موظفي الإقليم.
في كل مرة تقترب الحكومة المركزية في بغداد من وضع بنود الموازنة العامة، تنشب العديد من المشاكل مع حكومة الإقليم، حتى صارت هذه المشاكل أو الخلافات موسمية، تنتهي بمجرد التصويت على قانون الموازنة، وقد تنتهي في أحيان كثيرة قبل دخولها البرلمان وفق مبدأ التوافق السياسي الذي يعتبر المرض العضال الذي أصاب الحكومات السابقة.
وتشير التسريبات الخارجة من أعضاء البرلمان العراقي إلى ان الموازنة العامة سيتم إقرارها في شهر شباط الجاري، والمضي بهذا الاتجاه، مع تحديد نسبة الـ 14% للإقليم الذي بدوره يعترض على هذه النسبة ويحاول ان يدخل يخر من حلبة الصراع منتصرا وقد حصل على نسبة الـ 17% التي ينادي بها ويعدها من حقوقه الدستورية.
الخلاف الجوهري بين المركز والإقليم يجري حول نقطتين أساسيتين وهما الأولى، نسبة حصة الإقليم التي تعتبر من المعرقلات الكبيرة التي تقطع طريق التفاوض الحاصل بين حكومة الإقليم والمركز، فالأخير ينظر على ان الحصة المطلوبة والتي يعتقد الكرد تتماشى مع عدد السكان والمساحة، إضافة إلى الالتزامات المالية المطلوبة من الإقليم، بينما المركز يرى ان جميع ما تقدمه كردستان من بيانات وإحصائيات مبالغ فيها ولا ترتقي للحقيقة.
اما النقطة الخلافية الثانية وهي عدم التزام حكومة الإقليم بالشروط وبنود الاتفاقات التي حصلت في السنوات السابقة، وهذا الامر بالتأكيد سيقوض الثقة القائمة بين الطرفين، مما يجعل حكومة بغداد تضع الدستور هو الحد الفاصل في جميع القضايا الخلافية، فيما يعد الكرد هذا القرار المركزي هو التفاف على القانون والقرارات الصادرة منذ زمن مضى.
ولو أغلقنا جميع النوافذ القديمة وفتحنا أخرى نطل من خلالها على الوضع الجديد الذي يمر فيه العراق، لرأينا النضوج السياسي الذي وصلت اليه القوى السياسية الحالية، قادر على تخطي الأزمة مع الميول قليلا إلى الحلول والتفاهمات السياسية، اذ لا يمكن ان تكون المواد الدستورية ضابطة مئة بالمئة، والمرونة في بعض الأحيان مطلوبة لتمرير المركب بسلام.
لو أريد لمركب الموازنة ان يمر بهدوء وكما مخطط له، هنا يُطرح التساؤل الآتي، بأي طريقة يمكن ان تتمكن الحكومة الحالية من إسكات أصوات الإقليم المطالبة بأكثر من الاستحقاق؟
ومن يتغلغل في أعماق البرلمان العراقي يستطيع ان يجلب الإجابة الأكيدة والمنطقية من القعر، البرلمان العراقي الحالي فيه أغلبية شيعية وسنية غير متصالحة مع الكتل الكردية، على الرغم من وجود تحالف إرادة الدولة الذي يضم تحالف الكتل السنية والكردية المتحالفة مع الصدر قبل انسحابه.
وبحكم هذه الأغلبية ستمرر الموازنة، ولا يوجد أمام الكرد سوى التفاهم المدروس للخروج بأقل الخسائر، أما اللغة العالية في الحوارات التي تجري في الغرف المظلمة لا تجلب الخير والمصلحة لهم، في الوقت الذي تحرص فيه الكتل الشيعية على احترام قرارات المحكمة الاتحادية ولا يمكن تعديها او تجاوزها.
كون التجاوز يعد القشة التي ستقصم ظهر الإطار وتجعله خاويا أمام جماهيره التي وثقت به وجعلته المحارب بالإنابة عنها في مضمار السياسية المتشعب والمرتبك في السنوات الأخيرة.
لم يتبق سوى أيام على وصول الموازنة الى مبنى البرلمان، وسينتهي من قراءتها النواب من مختلف الكتل، هذا ما نعرفه، وما لا ندركه هو متى ستفرغ الحلبة من الصراع بين بغداد والإقليم، وان حُسم الامر لصالح المركز لا يعني انتهاء الخلافات مع وجود إمكانية عودتها مطلع السنة القادمة طالما جميع الحلول ليست نهائية بينما يرحل جزء كبير منها كقانون النفط والغاز الاتحادي الذي سينظم توزيع الثروات بشكل عادل بين أبناء الشعب العراقي.