عمار البغدادي
توصيف:
اذا كانت قواعد الاشتباك ستراتيجية مهمة لدى الدول والمنظومات الثورية وهي تواجه أنظمة مارقة ويحصل هذا التغيير المستمر في قواعد اللعبة العسكرية على خلفية صراع الوجود بين الطرفين مثل التغيير المستمر في قواعد الاشتباك بين المقاومة والمحور الدولي او بين حزب الله وإسرائيل فان تلك القواعد ستكون اكثر مرونة وتطلعا لقواعد اشتباك جديدة غير منسوخة عن تجارب أخرى اذا كان الموضوع يتعلق بالمشتبك ذاته.
في قواعد الاشتباك يبدو كل شيء واضحا لدى طرفي الصراع الأرض الإمكانيات التسليحية الخطط العسكرية والسياسية المستخدمة في الحروب الطويلة والعقيدة الفكرية التي تلعب دورا هاما في بناء المجتمعات المقاتلة او المدربة على الاشتباكات الطويلة لكن مع مشتبك يشتغل على آليات سرية في مناهضة عنف الدولة وعنف الطبيعة وتعنيف المحيط ويتعكز رغم انحدار العمر في مجاهل السنوات الــ 97 على هوية مختلفة ونظام اجتماعي صارم سيبدو الاشتباك مع كل الذي حوله ومع نفسه والكارزيما التي توفر عليها مسالة محيرة وقد تهون مفردات الصراع الذي ذكرناها قبل قليل وفق فرضيات صراع الدول والمنظمات الثورية لكنها لن تكون سهلة على الاطلاق وهي تشتبك مع قواعد المشتبك.
ظاهر الحكمة وباطنها:
تاريخ طويل من العمل بمنطق الحكمة الذهنية التي يدرك فيها الانسان غاياته ومراميه دون ان يقرا لارسطو طاليس وافلاطون وسبينوزا وادم سميث او يغوص في تضاعيف مقدمة بن خلدون عن الانسان والدولة والانتظام الاجتماعي.. انها هداية ربانية يصطفي فيها الله عز وجل مجموعة من الرجال وفئة من الناس للامعان في الاعجاز والتدقيق في عالم ما قبل المعرفة والاستدلال باهل الحكمة في اظهار معنى المعاني .
هكذا تدرك الحياة مع رجال الأعاصير ورسالة القوة الشخصية وعناد المواقف الوطنية وحكمة الحياة وهي تتدلى بين يديه كما يتدلى الفانوس الجنوبي بسقف صريفة في بيت طيني بمدينة نائية لم تروها قصص الخرائط ولم تجر عليها الدراسات الانطولوجية بحثا في ماهية الوجود وحركة الامكان!.
حكمة الشيخ ظاهر تنتمي لنسيج الكلمات التي يتخطفها عقل مستنير ويرحل بها الى عوالم من العطاء الإنساني الذي لاينضب وينتظم وفق سياقها فضاء من المواقف الإنسانية والسياسية والمحطات الشخصية التي لو اجتمعت في سياق بشري واحد ستنتج بكل تأكيد انتظاما في اللغة واتساقا في المعاني وتماهيا في الارضيات الشخصية ندرك من خلالها كم كان العراق عبقريا على خارطة المعرفة وباسلا في جغرافيات المعارك !.
وهم القراءة البسيطة:
سيقع القراء البسطاء بوهم التجريب الشكلي اذا مامروا بفضاء الشيخ دون تدقيق في مفرداته القريبة وخرائط مواقفه البعيدة وقد يوقع الوهم محيطا من المنتظرين على ساحل معرفته سنوات دون ادراك ان الرجل عاش حياة مديدة قاربت المئة عام لكنها لم تكن أعواما في العزلة ولو قدر ووقف غابريل غاريسيا ماركيز صاحب رواية مئة عام من العزلة على سنوات الشيخ وكيف قضى شطرا منها في المواقف المختلفة والشطر الاخر في منافي الصحراء وخيام اللاجئين في رفحاء واشطار في سوح الثورة وبنادق ثوار انتفاضة 1991 في الناصرية لقال في الشيخ ظاهر مالم يقله مالك في الخمرة ولاعتبر سنوات عزلة الشيخ محطات تأمل وارتقاء روح واعتدال قلب وانتفاضة ذهن متوقد بجمر السنوات وملاحم العروبة الكامنة بقلب الرجل وليست سنوات انكفاء وتردد كما عاشها غريم جيله بعد انتفاضة شعبان حيث عاد من عاد وكتب بيان البراءة من الثورة فيما كان الشيخ ظاهر نديم الصحراء يحفر في قلوب الرجال ممن بقي من خلاصة السيف بيان الولاء للثورة والاستمرار في خطها وهو في ربذة رفحاء!.
الشيخ ظاهر لم يكن في عزلته الرفحاوية سوى الطائر الفينيقي الذي يضيق به حتى فضاء الحرية بحثا عن فضاءات اكثر اتساعا لروحه ورحابة لنفسه وانحيازا لتاريخه.
لقد رحل الشيخ ظاهر ولم يستطع قراء تاريخه الشفوي ادراك عوالمه الطينية المشبعة بيورانيوم العروبة الجعلية أي المغروسة باليد الربانية وهي الخطوة – البداية التي حولت الجعل الرباني في عروبة الشيخ ظاهر الى مسمى معرفي غارق في التصوف الإنساني العميق عرف فيما بعد بالعجلي !.
الجعل الرباني اصطفاء لاينازع الله فيه مفكر او دولة قاهرة او قوة غاشمة اذ ليس للإنسان ان يختار عروبته اوكرودته في اول الخليقة وليس من حقه وهو في بطن امه ان يختار انحيازه المذهبي ان يكون شيعيا او جزءا من الانتظام السني .. هذا الجعل الالهي هو الذي وضع الإنسانية على سكة التشكل والتكوين ودفعت البشرية وفق هذا الانتظام اثمانا باهضة دفاعا عن جنسها البشري او المذهبي او الطائفي او القومي والشيخ ظاهر العجلي لم يأت مقهورا على فرضية اختيار جنسه ولونه ومذهبه وطائفته وحكمته الإنسانية انما ادرك كل هذا بعناية الاصطفاء !.
تطابق مع شريعتي:
اعلن في هذا الكتاب انحيازي الى نظرية د. الشهيد علي شريعتي القائلة ان الانسان اذا لم يكن باستطاعته ادراك النبوة لان النبوة اصطفاء رباني وجعل سماوي وحكم لاهوتي وهي سنة الله في انبيائه واوليائه وائمته لكنه يدرك او يستطيع ادراك معنى الكمال البشري والتنزه عن المثالب وقبح القول والفعل الخير والعطاء الكبير والقدرة على الانسجام مع اخر الاديان ورسالات الله دون ان يكون التكليف اصطفاءا مباشرا وصريحا.
الشيخ ظاهر ادرك معنى الكمال البشري في القول والحكمة البالغة والتنزه عن المثالب والفعل الخير والعطاء بلا من والشجاعة في زمن الخوف فكان الانسان الذي لطالما انتظره شريعتي على احر من جمر الثورة الاصلاحية التي كتب فيها وحاضر واشتغل واستشهد من اجلها ولم يره ولوكان التقى الجبلان والجيلان لكان لقاء الفكرة ونطفتها والمثال وكاتبه والانسان وغاية الكمال !.
معالجات:
من هنا لابد من معالجة قواعد الاشتباك في معرفة شخصية الشيخ ظاهر الحجامي قبل التعرف على شخصية المشتبك في خصائص شخصيته المدافة بالقوة والتاريخ الصريح !.
الشيخ جزء من نظرية الجعل البشري وقد اقترب من حافات رجال الرسالات الأولى في تضحياته وعطائه وثوريته وعروبته الاصيلة ولا غرو ان يتحول الجعل الرباني الذي رافق مسيرة الصالحين ممن كلفوا بأداء الرسالات الاجتماعية الى مسيرة من الرجال انتهت بظاهر الحجامي وبدات به !.
رايات الحكام:
انه المشتبك حقا كما سيرد من تاريخه الوطني ورايات قبيلتهم "حجام" شاهدة على فدائية المشتبك في كل عصر ومرحلة وفترة تاريخية يعاونها في هذا تأصيل قبلي وشخصي يشكل مادة التاسيس الاول مجسدا بالقبائل العربية التي عاشت على امتداد خط عروبة الفرات الاوسط ممن كان لهم دور تاريخي في التصدي للحركات الاستعمارية.. اما الحكام فلهم حكاية أخرى تتصل بالحاكمية والدولة ومشيخة القول والفعل والعطاء النبيل قبل ان تكون سلطة على رقاب الناس!.
الشيخ ظاهر في كتاب المشتبك جزء من رواية الحكام وسليل المواقف الوطنية الطويلة وهو امتداد لفكرة الحكمة في التصرف وتصريف الحكمة في اللغة الاجتماعية من حكام الى حجام وتوظيفها لصالح هذا التسامح الكبير الذي عرفت به اللغة العربية ونظامها الاجتماعي وكيف يستأذن الحكام من الناس وضمير التراب عرش العربية للنزول الى نظام اللغة الاجتماعي فيكون الحكام حجام تعريبا وتعريقا وتاصيلا !.
بهذا الانبساط الفريد في اللغة انبساط الروح في الصحراء تنبسط الحياة الشخصية لظاهر الحجامي فيصرف مفرداتها بما ينسجم ونظامه الاجتماعي والديني العميق ويتصرف بمعناها بما يتوافق وتاريخ بلاده الذي تعرض للتنقيص بفعل الحملات الاستعمارية ويتعرض للتمزيق حاضرا ويظهر بعد وفاته رائدا مميزا من رواد الحركة الإستقلالية وشاخصا اكثر تميزا في سياق رجال الثورة والاعتراض الشعبي..
الشيخ ظاهر تاريخ بلد وعبق تراب وارضية قيم اصيلة لايمكن منازعتها على امر ولايتها على ارواح الناس في زمن الولايات الفقهية والفيدرالية!.