مؤيد داود البصام
أخضع الفن التشكيلي الحديث ما بعد منتصف القرن العشرين الفن التشكيلي بمختلف أنساقه إلى التجريب متخليا كليا عن أبسط ما تتشكل به من معيارية تحدد قدرات الفنان ومدى هضمه للتشييد والبناء ضمن الاسس الأكاديمية، وعلى الرغم من اتساع رقعة من يرسمون ضمن أطار الخروج الكامل على الاسس، وضياع المعيارية ورمي التفسير على الفن الحديث، الا أن هذا لم يمنع من أن توضع اللوحة تحت مجهر النقد لكشف الاعمال التشكيلية بمعيارية القيم الجمالية بعيدا عن التلاعب، ووضع الفنان في مواجهة التحول لصياغات حديثة لإبراز النسق التعبيري والتجريدي ضمن هضمه للفن التشكيلي بأسسه الأكاديمية ، وعند قراءة أعمال الفنان صباح حمد، الذي حاول التلاعب بواقعية النص لاحالته إلى بناء إيحائي منفتح على التأويل وزيادة الفعل الدرامي بحصر اللون على لونين الأسود والأبيض واستخدام الكولاج لاستكمال بناء المعنى، نجد أننا أمام عمل متوازٍ في التشييد على أسس أكاديمية، أذا ما أخذنا اللوحة عنده في موازنته الكتلة والفضاء ضمن رؤيا هندسية لصياغة النص ومنحه كثافة في التأمل والتأويل، وهو ضمن مفهوم فن الأرض مع استخدام فن الكولاج معاً، وهما من الفنون التي تشكل أحد أعمدة الاشكال التي ظهرت حتى يومنا الحاضر مع نظيراتها في الفن الحديث.
فنّ الفيديو:
فنّ التّركيب: الرّسم بالطّباعة
وقد حاول أن يصل بما يملكه من حس واستشعار إلى إقامة علاقة بين ظهر اللوحة والعناصر التي أقامها لأظهار ما يمكنه من إظهار ليدعم النص الذي يشتغل عليه، وهو اشتغال لإرهاصات ذاتية تتوق لاخراج المكبوت في داخله وكشفها في عملية تباين بين النور والظلام، وأستخدم تقنية لترصين ما يريد أن يقوله، محاولا تحقيق أقصى ما يستطيع لبلوغ النشوة الداخلية في إزاحة المضمر عن كاهله وإظهاره على اللوحة، بان يضع الطبيعة أمامه ويتلاعب بتشكلاتها للوصول إلى معاني تعبيرية وبأشكال تجريدية لا تتخلص من واقعيتها، ولكنها تختفي خلفها.
تقنية اللوحة وعناصرها... أستخدم أسلوب اللصق لمادة خامة الشاشة المخروم ، من اجل اعطاء السطح ابعاد متعددة وترصين الفعل الدرامي، محولا إياها من وسيطها المادي النفعي أو الوظيفي، إلى بعد تعبيري وتشكيلي، بتعدد العناصر التي حاول أن يختصرها لونيا، بالاسود والابيض وتدرجاتهما بشفافية، ضمن محمولات حركة الكتلة والفضاء الذي أعطاه مساحة ليقلل من ضغط الكتلة، في فهم مباشر لثقل الكتلة فهو استخدم اللون الاسود في بعض الاعمال بنقائه مما يعطي ثقلا للكتلة، لولا أتساع الفضاء في أغلب لوحاته لإتاحة حرية تنفس البناء العام, في لوحات أخرى خفف من هذا الضغط باستخدام التدرج اللوني مع ما يعطيه اللاصق من بعدين تخفف من كثافة الكتلة، وهي محاولة لإفساح المجال للفضاء لان يعبر عن اتساع مدياته التعبيرية في فهم النص للمقابل. لقد أستطاع صباح حمد من استغلال كافة قدراته ومدركاته الحسية لتعانق العمل بواقعيته ومنحه القوة التعبيرية على ضوء المنهاج التجريدي، وهو ما يجعلنا نقف لفهم الانطلاقة الإبداعية التي رسمها بدخول الحداثة بفهم وإدراك وتدريب، ولم تأتي اعتباطاً، وهذا ما يجعلنا ننظر إلى البناء العام برؤية تأملية ذات تأويلات متعددة. استخدامه مادة الشاش وبعض المواد المادية، ركزت الفعل الدرامي في لوحته، ولم تتوقف حركته الدرامية على لوحة بعينها دون الاخرى أنما جرب الاستخدام في أكثر من لوحة وبتعدد الأمكنة، وهو ما أتاح أن تمتلك قوة التعبير على الرغم من تجريد الطبيعة التي لم يتخلص من وجودها ليتيح للمعنى التركيز ويتواصل عبر ايجاد الفعل الدلالي لمحمولات لوحته، أننا نصاحب خلال تفحصنا للوحاته تطور بطئ وتدريجي في استخدامه للخامات وإدخاله عناصر جديدة قد لا ينتبه لها لكنها تظل أسلوبا مميزا في أعماله.