المعتقد والفكر
13-حزيران-2024

كامل سلمان
الناس بما يعتقدون وقليل منهم بما يفكرون ، يظنون بأن إعتقادهم هو فكر ، ولا يفكرون بمعتقداتهم ، فتختلط عندهم مفاهيم الفكر مع مفاهيم المعتقد ، الأعتقاد بمفردها جريمة ضد العقل لأنها وجبة جاهزة للعقل تحجبه وتمنع وصول أوكسجين الحياة اليه ، إلا وهو التفكير ، بينما الفكر هو غذاء للعقل ، ينمي العقل ويسمح لأوكسجين الحياة التداور داخل العقل ، الاعتقاد هي ما أنتجته عقول الآخرين وظلت كالمياه الراكدة لا تتحرك ولا تتطور لأنها تتكون من نصوص ثابتة غير قابلة للتغيير ، بينما الفكر هو نتاج عقلك أنت أيها الإنسان أن تفكر بما تعتقد بشكل مستقل عن اعتقادك ، أنت عندما تتلبس بمعتقد تحرم نفسك من الفكر الذي يحتاجه عقلك لبناء نفسك ، يمكن لعدوك أن يصنع منك تابعاً عميلاً مجاناً من خلال المعتقد لأن المعتقد سيمنع الفكر من أخذ دوره في توعية العقل فيعزله فيقنع نفسه بأن العمالة والذيلية هي ولاء للمعتقد ، تستطيع أن تجعل أطيب وأرحم إنسان وحشاً قاتلاً من خلال المعتقد ، هنا الإنسان لا يقرر لنفسه بل المعتقد يقرر له ، فهو أسير المعتقد ليس لعقله قرار ، بينما الفكر تطاوع الطبيعة الإنسانية المسالمة وتبعده عن العنف والوحشية في السلوك وتمنع عنه الاستسلام لما هو جاهز ، هذه التركيبة في عقل الإنسان قليل جداً من الناس يدركونها ويدركون خفاياها لأن كل من المعتقد والفكر وجودهما متجاوران داخل العقل فالأول يضع حاجزاً للعقل والثاني يحرر العقل ، ولا يتعايشا سوية بنفس المستوى فلابد من سقوط احدهما وهيمنة الآخر في نهاية المطاف ، أصحاب المعتقد يمتازون بالصلابة والحدية والتحدي في سلوكهم ، فالمعتقد يدفعهم إلى وجوب تحقيق اهدافهم التي هي بالحقيقة أهداف المعتقد وليست اهداف حاملي المعتقد ، ويمكنهم أن يقتلوا ويذبحوا من يقف أمام عقيدتهم . بينما أصحاب الفكر يمتازون بالمرونة والانفتاح وحتى اهدافهم غير قهرية وخالية من العنف ويمكن الوصول اليها بعيداً عن القوة والضغط ، وأن وجدت لهم أهداف فأنها ستخدمهم اولاً وتخدم مجتمعاتهم ثانياً ، مشكلتنا أن اصحاب المعتقد يعتقدون انهم على صواب دائماً وأنهم متيقنين من أنفسهم بينما أصحاب الفكر يبقون يساورهم الشك حتى تكتمل حلقات الصواب ، وصوابهم لا يستوجب إيمان الناس بهم ، لذلك نرى صاحب الفكر يتطور دائماً ولا يقف عند حد معين ، في الوقت الذي نرى فيه اصحاب المعتقد يتوقف تطورهم في مرحلة زمنية معينة لأن المعتقد له نهايات ولا يسمح بعبور النهايات ، لا يوجد معتقد على وجه الأرض ليس له أعداءاً ، فالمعتقد بطبيعته يولد الأعداء ، هذا الشي يفسر لنا لماذا الأنظمة التي تقودها المعتقدات أؤ الأيدلوجيات لها عمر زمني محدود ولابد أن تنتهي صلاحيتها مع الزمن ثم تسقط . فكم من أنظمة عقائدية تأسست على وجه الأرض وتلاشت ولم يشهد التاريخ بقاءها الدائم ، في حين نجد الأنظمة الفكرية هي بذاتها تتغير وتتجدد وتتحول مع الزمن من حالة إلى أخرى ، فالعلم والمعرفة لها تداخل مع وجودها ، فجميع الدول المتطورة والمتقدمة تتطور بسرعة وتتقدم مع الزمن وحتى دساتيرها وقوانينها قابلة للتغيير ، فكل نتاج علمي جديد ومعرفة مستحدثة تترك بصمتها ، فكل تجربة جديدة هي أضافة جديدة للفكر .. من السذاجة أن نسمي المعتقد فكر لأن معنى كلمة فكر توحي إلى حركة ونشاط العقل … أي معتقد صنعه الإنسان تتآكل جزئياته بمرور الزمن ، وبمرور الزمن يصبح من الماضي حتى يأتي اليوم الذي يصبح فيه المعتقد تراث في حين أن الفكر كالعلم يتقبل الإضافة المستمرة فهما توأم ، اما الفكر الإنساني فجزئيات وجوده وديمومته هي التجارب والأبحاث والنتاجات المستخلصة من آخر ما توصلت اليه عقول البشر ، فقد يكون الفكر اليوم صائباً بنسبة كبيرة ولكن في المستقبل قد يثبت أن الأكثر صواباً هو القادم في المستقبل فيمحو الماضي ويعتبره ماضي لا أكثر . المعتقد ليس فيه ماضي لأن ماضيه هو حاضره ومستقبله ، المعتقد نصوص ثابتة ، ومتى ما أصبح المعتقد نصوص غير ثابتة أو نصوص قابلة للتغير نستطيع القول أن هذا المعتقد هو فكر وبذلك يكون قد فقد صفة الأعتقاد وتحول إلى صفة الفكر ، فمن الخطأ تسمية المعتقد بالفكر ومن الخطأ تسمية رجالات المعتقد بالمفكرين لأن افكارهم لا تخرج عن نطاق المعتقد مهما أجتهدوا . جميع الديانات والمعتقدات الفلسفية والأيدولوجيات هي معتقدات مالم تكن قابلة للتحديث ومواكبة تطور عقل الإنسان . لا يمكن ان يكون الإنسان حراً وهو يعيش تحت ظل المعتقد ، لأن الحرية الفكرية هي اساس الحريات كلها ، والحرية الفكرية تعني القدرة على اعطاء العقل مساحة للتفكير الحر دون سلطة المعتقد . قد تبدو هذه المعادلة صعبة الفهم لكن من يعيشها يراها بديهية ، لماذا نقول صعبة الفهم والهضم لأن صاحب المعتقد يظن بأنه حر ، ولكنه لا ، بل لم يتذوق الحرية أبداً ، وهو عبد مطيع للمعتقد ، ومن لا يتذوق الشيء لا يمكن ادراك طعمه ، فمن لم يتذوق الحرية الفكرية يستحيل عليه تخيل طعم الحرية الفكرية . الحرية الفكرية والمعتقد نقيضان لا يلتقيان . هذه ليست فلسفة جديدة ، هذه ممارسة حياتية تعيشها المجتمعات المتطورة ، فمدارسهم قد حرمت على الأطفال ذكر ودراسة أي معتقد بينما اعطوا لتلاميذ المدارس مساحة واسعة من ممارسة الفكر ، فتخرجت عندهم اجيال تنظر للمعتقد نظرة علمية عقلية وليست نظرة روحية اعتقادية ، وهذا فارق كبير عن إنسان مجتمعاتنا الذي يعتبر المعتقد خط أحمر يجب قبوله دون النظر إلى جزئياته . أن عملية طرح مثل هذه المواضيع لها ضرورة حياتية ماسة ، وهي واحدة من واجبات ومهمات المثقف الذي يبحث عن نجاة مجتمعه من مستنقع التخلف . نعم هي مواضيع حساسة وطرحها يحتاج إلى جرأة كبيرة ، فهي من اساسيات الثقافة والمعرفة ولا يصح تغاضي النظر عنها خاصة ونحن ندفع ثمن إهمالنا لها . فلنضرب مثلاً لكلامنا ، عندما طرح هيغل آراءه الفلسفية حول الديالكتيك ، كان فيلسوفاً ومفكراً عظيماً بطرحه ولكن الناس الذين اتبعوه وآمنوا بآراءه بدل أن يعملوا على تطوير آرائه ذهبوا إلى تحويل فلسفته وأفكاره إلى معتقد وجعلوا آرائه نصوص ثابته وبنوا على فلسفته طريقة عقائدية سميت فيما بعد بالشيوعية أو الفكر الشيوعي ، فأصبحت مدرسة عقائدية غير قابلة للتطوير ، وكأي عقيدة تكون ناجحة في بداياتها ولكن العبرة بالنهايات ، وكلنا نعرف كيف انهارت الشيوعية كنظام سياسي عقائدي ، العيب ليس بما ابدع به هيغل ولكن العيب بمن حول الفكر إلى معتقد بنصوص ثابتة ، وكذلك الأديان جميعها جاءت كفكر إنساني يحاكي الواقع ولكن الاتباع حولوا الدين إلى قوانين ونصوص ثابتة ، كانت ناجحة لفترة زمنية ولكن جميع الدول الدينية أو الأنظمة الدينية انتهت بالفشل لأنها لا تحمل افكاراً جديدة يمكن ان تحاكي الواقع . ولنأخذ مثال على الأفكار التي لم تتحول إلى عقائد ، منها أفكار وإبداعات العلماء من امثال أينشتاين وفرويد ودوركهايم ومونتسكيو ودارون جميع هؤلاء وغيرهم تحولت أفكارهم إلى أساس تم بناء فوقها أفكار أخرى أكثر تطوراً فأستمرت أفكارهم تتطور إلى يومنا هذا ، فمثلاً فرويد واضع اساسيات علم النفس تحولت مدرسته إلى مدارس متعددة تتطور كل يوم ، وكذلك المفكرون والفلاسفة من امثال ديكارت وكانت وسارتر ودايتشر هؤلاء تحولت أفكارهم وأطروحاتهم إلى طرق متشعبة رفدت جميع المعارف الإنسانية بأفكار متجددة فأصبحت أفكارهم كالكرة الثلجية المتدحرجة التي تكبر كلما تدحرجت اكثر مع مرور الزمن ، والسبب أن أتباعهم أخذوها وأضافوا اليها ولم يجعلوها معتقدات ثابتة ، فما زالت أفكار جيفرسون واضع اساس الدستور الأمريكي ومفكر الديمقراطية الأول في الولايات المتحدة الأمريكية تتطور أفكاره مع كل مرحلة زمنية جديدة . هذا هو ما نريد تبيانه في هذا المقال وهو فصل الفكر عن المعتقد . فهناك الكثير من المتدينين مثلاً لا يعتبرون رؤيتهم الدينية معتقداً ثابتاً بل يعتبروه فكراً متحركاً في عقولهم يمدهم بأفكار جديدة غير مقيدة ولكن مثل هؤلاء ( القلة القليلة من المتدينين ) يتعرضون للمضايقات والتنمر من قبل الذين يؤمنون بالدين كمعتقد ثابت ، وأنا أعتقد جازماً مثل هؤلاء قد برز الكثير منهم في التأريخ ولكن تم محو آثارهم من قبل رجالات العقيدة الذين اقتنعوا بأن العقيدة نصوص لا يجوز تجاوزها .

النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech