علي الشرع
بعد التطورات المتلاحقة للاحداث في المعركة القائمة بين المقاتلين الفلسطينيين ومناصروهم من خارجها التي بدأت تأخذ منحنى تصاعدياً خطيراً ناجم عن تخبط الحكومة الإسرائيلية في الخروج من مأزق الهزيمة والخوف من زوال دولة إسرائيل، فصارت تضرب يميناً وشمالاً من دون وعي وادراك للمخاطر القادمة، فأن هذه الحرب ستكون الحرب الأخيرة الفاصلة للفلسطينيين وبعدها لن ينهضوا في المستقبل القريب ولا البعيد، لا بقتال جديد، ولا بانتفاضة جديدة، لا هم ولا مناصروهم، وسيتم تصفية القضية الفلسطينية الى الابد وستتحرك جميع دول المنطقة السنية لا الشيعية الى التطبيع مع إسرائيل.
وحتى يتم تجنب هذا المصير الكئيب يجب الاستمرار في القتال حتى وإن أدى الى اشتعال حرب إقليمية. فلا يجب الهروب والخوف من حرب إقليمية فهي التي ستحسم موضوع القضية الفلسطينية في احد الاتجاهات اما زوال إسرائيل الى الابد ونخلص من صداع الرأس هذا، او تخضع إسرائيل الى حل الدولتين بحيث تقام دولة فلسطين على ارض متصلة لا مبعثرة فيخلص الشعب الفلسطيني من هم المداهمات وجر النساء الى السجون والاغتيالات.
ان المعركة الدائرة اليوم هي معركة بين الرافضين للتطبيع -الذي لولا هذه المعركة لارتمى الكثير من الدول تباعاً في حضن إسرائيل ولكن هذه المعركة اوقفته- والذين يريدون فرض التطبيع مع مؤيديهم من المطبعين في المنطقة. فاذا انتصرت جبهة التطبيع فسوف تنتهي معها أمور كثيرة منها:
1. سيتم تصفية القضية الفلسطينية نهائياً.
2. انهاء وجود الفصائل المسلحة التي تطلق على نفسها الفصائل الإسلامية.
3. سيختفي دور ايران في المنطقة كلها وربما ستنكفأ على نفسها وستواجه مشاكل داخلية باختفاء الهدف الذي يحشدون من اجله الشعب الإيراني.
اما اذا لم تنتصر أي واحدة من الجبهتين وانتهت هذه الحرب الى حل توافقي يقوم على اساس حل الدولتين فأن الدول السنية ستسارع الى التطبيع مع إسرائيل عدا ايران والعراق واليمن وربما لبنان لاسباب عقائدية بحتة وليست استراتيجية. اما الفصائل الإسلامية الفلسطينية فستختفي من الساحة وسيعم الهدوء المنطقة.
لكن ما هو السيناريو الأقرب للتحقق؟ الجواب هو حل الدولتين حتى وإن كان زوال إسرائيل ليس مستحيلاً ولكنه يعني هزيمة للغرب وفي مقدمتهم أمريكا، وامكانية استئصال إسرائيل ممكن جداً بل قد يكون سهلاً وخارج كل التوقعات؛ لأن قوام لدولة اليهودية هو الشعب اليهودي فاذا كان الشعب اليهودي ليس عقائدياً ومتمسكاً بدولته التي صنعتها واختلقتها مخيلة قادته القدماء وحمتها أطماع امريكية غربية في المنطقة، فسوف يفضل البقاء على الموت. والمعلوم وفي كل تاريخ اليهود أنهم لم يكونوا يوماً ما شجعاناً بشهادة القرآن الكريم (لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر). ومن الأمور الجيدة التي تصب في صالح القضية الفلسطينية ومناصروهم أن الحكومة الإسرائيلية لن يوقفوا الحرب؛ لأنهم يعلموا ان ثمن ذلك سيكون باهضاً جداً وهو تقديم تنازلات كبيرة الأسوأ بالنسبة لهم هو القبول بحل الدولتين مع إصرار الجهات التي تقاتلهم على الإعلان عن هدف وسيط وهو (إيقاف الحرب على غزة) مع أنه ليس بذي أهمية بعد التضحيات الكبيرة التي قدمها الجميع في داخل وخارج فلسطين، ولكن الإعلان عن هذا الهدف الوسيط هو افضل من الناحية الاستراتيجية من الإعلان عن زوال دولة إسرائيل حتى لا تحول الدولة اليهودية الى دولة مظلومة تدافع عن نفسها فتعيد تحشيد العالم معها بعد ان فقدت التأييد العالمي وأصبحت تقاتل لوحدها مع دعم امريكي وغربي متوقع.
ولهذا نقول ان افضل الخيارات بالنسبة لمن يقاتل إسرائيل اليوم هو استمرار القتال والبقاء في المعركة من دون توقف والاستمرار في حالة ضغط متواصل عليها حتى يدخل الرعب في قلوب اليهود فيتسللوا هاربين منها. فلقد تغير الزمان وانقرض اولئك الافراد الذين قدموا الى فلسطين على شكل عصابات عقائدية يحلمون بدولة يهودية، ونشأت بعدهم أجيال جديدة تؤمن فقط بالحياة وتخشى الموت ولا تهتم بالجانب العقائدي حتى أولئك المحسوبين على المتدينين منهم صاروا يرفضون الذهاب للجبهات للقتال وهو مؤشر جيد على انحسار البعد العقائدي لهذه الدولة اللقيطة ولهذا سوف يقبلون مرغمين وكأخر الحلول لهم في حل الدولتين الذي سيقبل به الجميع مرغمين حتى الفصائل والدول التي تقاتل إسرائيل كون هدفهم هو إيقاف الحرب على غزة وهو هدف هم يتصورونه قصير الأمد سيعمل على ادامة القتال ولكنه سيكون قيدا على من يريد إزالة إسرائيل كهدف نهائي بقبول حل الدولتين.
ان هذا القتال يجب ان لا يتوقف الا من خلال الذهاب على الاقل الى حل الدولتين ومن الخطأ تماما إيقافه من اجل لا شيء. لقد قتل اعداد كبيرة من الفلسطينيين وقدموا تضحيات كبيرة لا يمكن ان يكون مقابلها فقط إيقاف القتال بل لابد ان يكون في الحد الأدنى منه انشاء دول فلسطينية حقيقية غير مبعثرة، ولتكن المفاوضات حولها ورسم حدودها مع بقاء القتال متواصل؛ لأنه بإيقاف القتال لن يحصل المقاتلون إزاء هذه التضحيات الجسيمة على شي ولن يضمن حقوقهم احد بل سيتآمر عليهم الجميع. بينما في استمرار القتال من الممكن ان يحصلوا اما على حل الدولتين على أراض غير مبعثرة وهو ما سترفضه اسرائيل طبعا او انتهاء وجود اسرائيل في المنطقة الى الابد. ولو استمر القتال سيكون تحقق الهدف الثاني قريباً جداً ؛ لأن الوهن والخوف سيدب تدريجيا في نفوس اليهود في فلسطين ولن يجدوا من يقاتل عنهم الا بقدوم قوات غربية تحول دون سقوط وإزالة الدولة اليهودية من الوجود ومن الممكن ان يحدث هذا بقليل من الصبر، وإن كان هذا سيفتح الباب لتدخل قوى أخرى في المنطقة دفاعاً عن مصالحها. ومع كل السيناريوهات التي يتم تخيلها عن نتائج المعركة الكبرى القادمة، فأن مصير هذه الدولة سيؤول الى الزوال بشرط الثبات واستمرار القتال على جميع الجبهات.