عامر بدر حسون
انتبه الانكليز، قبل غيرهم، الى المتحججين بالوطن والوطنية، فحسموها بمقولة:
"الوطنية هي الملاذ الأخير للرجل النذل"!
وعلى هذا تراهم، وترى ساستهم في الانتخابات، يكثرون من الحديث عن الخبز واللحم والنبيذ والخدمات، ولا يتحدثون عن الوطنية، ففيها شبهة من صفة ذلك الرجل!
هذه المقولة الصادمة، بالنسبة لنا ولثقافتنا السياسية السائدة، هي "لصموئيل جونسون" الكاتب والصحفي الانكليزي (1709-1784).
والانكليز يأخذون مقولاتهم الشائعة وأمثالهم من المفكرين والكتّاب، تماما كما نفعل نحن العرب عندما نأخذ الحكمة من عادل امام!
وكنت سابقا، كلما سمعت سياسيا يتحدث بأعلى صوته عن الوطن والعراق العظيم انتابتني الشكوك فيما سيفعله..
لكنني تركت هذه العادة، وصرت كلما سمعتهم يصرخون بالوطن والوطنية، تيقنت انني أمام لص اعتاد أن يسرق في سبيل حزبه وروحه الوطنية!
والذي يخيفني حقيقة، ويجب ان يخيف غيري ايضا، ذلك السياسي الذي يحاول تعليمنا الوطنية وحب الوطن.
فهو يتصرف وكأنه من ابتدع الوطنية والأخلاق الحميدة وانه المسؤول عن مراقبة التزامنا بها ومحاسبتنا ان خرجنا عليها، في حين انه مجرد طالب عمل عندنا، مطلوب منه، قبل غيره، إثبات حسن أخلاقه وجدارته بالعمل عندنا!
والا فما تكون السياسة والانتخابات الا سباق بين هؤلاء المرشحين لنوافق على اننا، كناخبين، سنمنحهم موافقتنا على قيامهم بخدمتنا والشغل عندنا؟
وكتبت مرة ان رفع صوت الوطنية عاليا واعلاء شانها في ثقافتنا السائدة، هو وسيلة مجربة لسلب حقوق المواطنة منا، وتحويلنا من "مواطنين" الى "وطنيين"، اي مشاريع موت وخسارة في الدارين!
وكان العراقيون يوما كلهم مشاريع استشهاد لأثبات وطنيتهم.
ان المواطنة حق قانوني، منصوص عليه دستوريا، وهو من حق:
الوطني وغير الوطني، البريء والمجرم، الفقير والغني، والذي يعجبك والذي لا يعجبك!
اما الوطنية فهي كلمة إنشائية، مجاملة، لا وجود لها في قانون ولا تترتب عليها اية حقوق قانونية. وهي تستخدم غالبا لخداع من تتم مخاطبته بها.
وقرأت سابقا نداء وجهه عزت الدوري الى جماعته، وكان النداء مليئا بالوطنية وحب الوطن، لكنه انتهى بفتوى السرقة، فقد قال للحرامية:
ان ما لديكم من اموال او سيارات تابعة للدولة هي من حقكم إلى أن يخرج المحتل ونعود للحكم!
وتعرفون ان الحرامي يسرق رغم معرفته ان السرقة جريمة وحرام..
فكيف به اذا حصل على فتوى وطنية تشجع عليها؟
وسياسيونا اليوم يتراشقون بالكلمات التي هي من هذا القبيل، وسيتراشقون بها غدا، وسيستخدمون كلمات اكثر وطنية من كلمات الآخر، لكننا نعرف على اي شيء يتقاتلون!
وهم سيستبدلون كلمة الوطنية بالدين او الطائفة او القومية او حتى بالعشيرة ما دامت الكلمات المستخدمة قادرة على خداع الناس كما فعلت كلمة الوطنية سابقا.
ووظيفة هؤلاء في الواقع (من رئيس البلدية الى رئيس الجمهورية) هي خدمتنا وكنس شوارعنا وتامين الحماية لبيوتنا وكل ما نحتاجه من خدمات وهي التي اعتدت تسميتها بـ:
"الكناسة والحراسة"!
وعندما نحتاج لمن يعلمنا الوطنية، إن احتجنا حقا لتعلمها، فلن نلجأ للسياسيين..
بل للشعراء الشعبيين وحملة جوائز قادسية صدام واصحاب اغاني القائد،
والا فهل هناك معنى للوطنية غير الذي قدمه هؤلاء لثقافتنا السائدة؟
والخلاصة بعد هذا الاسترسال، انك اذا نسيت الفارق بين الوطنية والمواطنة، فلن يجد الرجل النذل صعوبة في خداعك!
من قديمي في الفيس بوك مع "شوية" تصرف.