الناقد إحسان التميمي يتحدث عن «الجنس الرابع» ويكشف آخر إنتاجاته
24-تموز-2023
حوار – ايمان عبد الجبار
أن ينتمي الأديب الناقد إلى عالم واحد، فهو ما اعتدنا على سماعه، ولكن أن نسمع بناقد أديب ينتمي إلى مجالين هما المشهد الأكاديمي والمشهد الثقافي الأدبي، فكلما أن نسمع بذلك أو نراه وهذه السمة التي انماز بها الأديب الناقد الدكتور إحسان التميمي الذي برع في المشهدين، في العراق والوطن العربي، وقد حاز على أكثر من جائزة عربية، والمتتبع لنتاجه من مؤلفات ودراسات ومقالات، يعلم بداهة انه كاتب موهوب ومتمكن من حرفة الكتابة وله أسلوب خاص وسابق لجيله في اجتراح المفاهيم النقدية والأدبية. وكانت لنا رحلة حوارية معه فكان الحوار حدائق معرفة واطلالة جميلة على عالمه.
س/ في البداية حبذا لو تتحدث لنا عن نبذة من سيرتك الذاتية وتطلعنا على نشاطك وإنتاجك؟
النشأة هي المعين الأول وكان يهيمن عليها الطابع المعرفي العام والمعرفي الديني الذي يهتم بالفلسفات اللاهوتية في الفلسفة اليونانية التي يمثلها فكر أرسطو وافلاطون وابيقور وغيرهم وانتهاء بالفلسفة الإسلامية التي تمثلها كتابات محمد جواد مغنية و هاشم معروف الحسني وعبد الكريم الزنجاني وغيرها من الكتابات. نشأت في حدائق المكتبة العلمية الدينية؛ عشت طفولة غضة بين حنايا كتب والدي و جدي الذي كان يمتلك مكتبة علمية فخمة مما غرست في نفسي روح القراءة وكانت اغلب الكتب عن الفقه والمنطق والتاريخ والفلسفة وبعض من الدواوين الشعرية والأدبية، فضلا عن ذلك كان لي جار اسميه "الخال" يهدي لي بعضا من كتبه الأدبية والروايات، وكانت هذه بداية نشأتي النقدية والثقافية. وكانت ثقافة القراءة منتشرة عند جيلي، وحب الاطلاع على الحركات الثقافية السائدة في ذلك الوقت وقراءة الفكر الغربي أيضا, فتشكلت لدي ثقافة القراءة، وفي أواخر التسعينات والثمانينيات مررت في فترة عصيبة جداً؛ بسبب النظام القمعي، فاضطررت لاتلاف كثير من الكتب والكتابات التي كانت مناهضة للنظام آنذاك.
س / ما هي البدايات للخوض في مجال الكتابة هذا العالم المجهول، تحدث لنا عن اقتراحاتك النقدية والمعرفية.
إن ما يميز مسيرتي الأدبية أنني كنت اكتب في المجالات البكر في البحث ، إذ كانت رسالتي في الماجستير (القرآنية في شعر الرواد) وحاكمت المصطلح وفق ما وضعه المجمع العلمي لعراقي من شروط وتبنيت هذا المصطلح فكان ايجازاً للتناص القرآني ومصطلح يحمل صبغة أعمق من التناص الذي يعني التداخل، وبعدها هاجرت الى ليبيا بعد إكمال الماجستير واستثمرت هذا الفرصة اربع سنوات للاطلاع على باقي الثقافات وكنت انذاك في بداية اطلاعي على عالم الرقمية التفاعلية عن طريق كتابات نشرتها انا وبعض الكتاب، واخترت ضمن اتحاد العرب للأنترنيت الذي أسس عام ٢٠٠٥م، وكان يترأس هذا الاتحاد محمد سناجله، وكانت تجربة ثرية جداً تسنى لي ان اطلع على الكتابات الرقمية التفاعلية الأولى .. عدت إلى الوطن وبدأت مشواراً جديداً وكنت اكتب كل ما هو جديد على الرغم من ظروف البلد، ففي خضم الطائفية والقتل على الهوية، فزت بجائزة الشارقة في كتابي النقدي (فضاءات المعدل البصري في السرد العربي), وأجريت تنظيراً لهذا المصطلح فكان أول تنظير في الوطن العربي، إذ وازنته مع المعادل الموضوعي، واجترحت تعريفا خاصا له أفاد كثيراً من الباحثين, وقد شاركت في أول ندوة عن الأدب التفاعيل في الوطن العربي في الشارقة في عام 2007م, وشارك معنا جملة من الأدباء والنقاد والكتاب المعروفين ٢٠٠٦-٢٠٠٧م، وشاركت في كثير من المحافل وتسلمت منصب نائب رئيس تحرير مجلة ثقافتنا التي صدرت في وزارة الثقافة, عملت في هذه المجلة عن طريق الاحتفاظ ببعض الشخصيات المهمة لترسيخ الثقافة الوطنية والشعور بالانتماء الذي صرنا نفتقده وهو طرح ضد تمزيق الهوية الوطنية وأسهمت هذه المجلة في اجتراحنا قضايا مهمة منها ملف(الفوضى الخلاقة) و( الحجاج الإعلامي) واشترك الكثير في الكتابة في هذه المجلة المهمة واستمرت من العدد٧ الى ١٤ في ٢٠١٤م, واشتغلت أيضا في وزارة الثقافة مشرفاً على "جائزة نازك الملائكة" وأعددت الكثير من الملفات في هذا الشأن حتى صدر لي كتاب اسمه (النصوص الفائزة بجائزة الملائكة), وهي إعدادي وجمعت فيها النصوص الفائزة وعملت على تطوير الجائزة وأصبحت الجائزة معروفة في الوطن العربي, واشتغلت في اللجان التحكيمية الأخرى في عدة جوائز ومسابقات على مستوى وزارة الثقافة منها (جائزة الإبداع) ومسابقة (الجود الشعرية) التي تصدر عن العتبة العباسية المقدسة وهي للاحتفاء بالشعر الذي يكتب على الإمام العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام، وجائزة المراقي التي تكتب عن الإمام الحسن عليه السلام وهناك الكثير من الجوائز يضيق المقام لذكرها هنا .. دخلت أيضا في تأليف المناهج وتيسيرها منها منهج الصف الخامس والرابع الإعدادي في مدارس التركمانية، وكانت تجربة ثرية جدا, واشتركت مع كتاب رابطة الرصافة ولم أكن عضوا فيها لكني اشتركت ببعض الكتابات النقدية ، وكنت ضمن الموقعين على البيان الشعري في القاهرة عام 2007م الذي اختص باسم (بيان المراجعة في قصيدة الشعر).
س/ حبذا أن تتحدث لنا عن مفهوم الجنس الرابع الذي كنت أحد الموقعين على بيانه؟
الجنس الرابع مصطلح اجترحناه لنشير به إلى ما يعرف بـ( قصيدة النثر) كونها لم تعد عند بعض النقاد من الشعر وخارج سرب الشعر واردنا أن نجعل له كينونة خاصة وأسميناه "الجنس الرابع" و نقصد به النص.
س/ في بداية حديثك ذكرت لي أنك من الرواد الذين كتبوا عن المجال الرقمي في الوطن العربي، اذكر لنا رفدك لهذا العالم الازرق.
كنت أشرت إلى أني أول عراقي حصل على عضوية اتحاد العرب للانترنيت، وشاركت بأول ندوة في الوطن العربي عن الأدب التفاعلي في الشارقة عام 2007، وبعد ذلك صدر لي أبحاث وكتاب في هذا المجال:( النقد التجريبي والأدب التفاعلي) ولكني اعتقد ان النقد في هذا المجال سابق لأوانه حتى ينتعش هذا المجال بالكتابات الادبية المتميزة التي نستطيع أن نبني وفقها نظرية ادبية خاصة بها.
س/ لاقى كتابكم الاخير( مابعد الحداثة في الرواية العربية) صدى طيبا في الأوساط الادبية، والأكاديمية في داخل العراق وخارجه، ما العلاقة بين هذا الكتاب والفلسفة المعاصرة؟
كتاب (ما بعد الحداثة في الرواية العربية) كما أشرتِ لذلك؛ له حضور جيد ويطلبه كثير من النقاد والأدباء وطلاب المعرفة لانه يجمع بين الفلسفة والمعرفة والأدب. وهو كتاب يدرس الان في الدراسات العليا بجامعتين في العراق، ودخل ضمن التنافسي لطلبة الدكتوراه في جامعة بغداد وعليه طلب خاص في خارج العراق فقد سعيت لأن أعمل مقاربة فيه بين المفاهيم الفسلفية من مثل العدمية وبين المفاهيم النقدية والادبية بطريقة ميسرة ولاشك أني عانيت كثيرا حتى استطعت أن أيسر الكتاب للقارئ العربي الذي يجب أن يفهم العالم جيدا ويلتحق بالركب الحضاري. أما العلاقة بين الكتاب والفلسفة المعاصرة فأرى من الواجب على الناقد أن يدرس الفلسفة ويفهم البنية الفكرية لعصره، ويجب أن يكون الناقد موسوعيا قادرا على فك الرموز والشفرات لكثير من النصوص النقدية ولا يكتفي بدراسة النص وتحليله، وإنما من خلال دراسة النص نستطيع أن نفهم البناء الفلسفي والمعرفي للنص.
وكان كتاب ما بعد الحداثة مهم جدا في ما يخص المهتم بالفلسفة والفكر والتحولات الاجتماعية والاقتصادية في الوطن العربي، وجدير بالذكر أن المناهج أصبحت تخص النّص والمتلقي، لا الكاتب فحسب كما هي الحال في الأدب التفاعلي الرقمي وهذا الحديث شاق.
س/ ما هو تصويرك للممارسة النقدية وكيف تمارس وكيف تجدها في العراق؟
أشرت قبل قليل إلى ضرورة تحلي الناقد بالموسوعية، والاطلاع على الفلسفات المعاصرة ليدلف إلى النص، فالممارسة النقدية هي ممارسة مثل باقي الفنون، والنقد فن ويحتاج إلى موهبة تأتي عن طريق الدربة والقراءة والمتابعة وصياغة اللغة والاهتمام بها وهناك الكثير من النتاجات التي تكتب وتصدر ولكنها مثل الفقاعة سريعة الذوبان يبقى الشعر الأدب الرصين على الساحة وينتج من له جدار رصين وواجب الناقد هو قراءة الكم الهائل من النصوص ليستخرج منها الجواهر ونقدمها للقارئ.
س/ كيف ترى العلاقة بين الناقد والمتلقي؟
العلاقة بين الناقد والمتلقي علاقة تلازمية وكل ناقد هو قارئ قبل كل شيء وليس كل قارئ ناقد لأن هناك قارئا أنموذجيا للنص، ذكرنا قبل قليل الناقد يحتاج إلى موهبة وذائقة يتذوق بها الأدب. ويمتلك موهبة لفرز النص الأدبي وهل يستحق الدراسة أم لا؟ لذلك تنشأ علاقة تلازمية وهي علاقة مهمة وحساسة على الناقد أن يسعى لها ويقدمها للقارئ فالان يعالج النقد المقولة "كيف قيل النص" عكس ما كان يقال "ماذا قال النص" وإذا اهتم الناقد بالفلسفة والفكر يكون اشتغاله مهما وان لم يهتم لذلك يتراجع نقده.
س/ هل تعتقد ان النص السردي العراقي بمنجزه المنشور حتى الآن قادر على ان يعكس صورة الواقع العراقي؟
هذا السؤال مهم جدا ويحتاج إلى نظرة عميقة فاستقراء النصوص التي كتبت قبل ٢٠٠٣م حدث بها انفتاح كبير وسعت إلى تدوين ما حدث في العراق من قمع وجرائم ولكن السؤال هل استطاع هذا الكم من السرديات أن يحوي هذه الجرائم؟ بالقطع لا، لم يستطيع. وهناك كتاب وروائيون بعيدون عن واقع العراق وكتاباتهم غير منسجمة مع العراق إنما تغازل اتجاهات خارجية لا يهمها الشأن العراقي وهذا خطأ لأن الانطلاقة الحقيقية تنطلق من الواقع المحلي وتحمل الواقع إلى آفاق كبيرة.. نعم هناك كتابات سعت إلى تجسيد الواقع العراقي خير تجسيد والكثير من الاحداث اجتاحت العراق من حروب أهلية وخارجية وحصار وغير ذلك وسعت كثير من الروايات والقصص القصيرة أن تتجسد بعدة أساليب منها الأسلوب الساخر، وهناك من تعرض لظواهر اجتماعية سائدة سواء كانت إيجابية أو سلبية تقدمها للمتلقي العربي والعراقي وحاول عدد غير قليل رصد ما هو محلي واغلبها محاولات جزئية لم تكن بالمستوى المطلوب بما يوازي ما اجتاح العراق من جرائم كبيرة.
س/ أيهما أكثر إبداعاً وتشويقا القصة القصيرة أم الشعر أو الفكر؟
موضوع الفكر موضوع ملازم في كل الأحوال سواء في كتابات الشعر أو القصة وكنت أفضل بالسؤال ان تذكري الرواية كونها ملحمة العصر لأنها تعطي صورة للمجتمعات لأنها مرآة مكسورة للعوالم البشري، فالرواية تنظيراً ونقداً أو نصاً هو أكثر جذبا لي وبالأخص الرواية الغربية لم يصل كتاب العرب إلى كتاب الغرب من مثل (بورخس) و( هرمان هسة) و( ميلان كونديرا) (باترك زيسكوند) وهي روايات تسبر غور النفس الإنسانية وأنا اكون اكثر استمتاعا عندما أقرأ للغرب وهناك كتاب العرب استطاعوا أن يدلفوا الى المجتمعات العربية أمثال (عبد الرحمن منيف)، و(حنا مينا) فأرض السواد التي كتبها عبد الرحمن وهو سعودي من أم عراقية كل من يقرأها يتمنى أن يكون عراقيا لأنها صوت الواقع وهي من ثلاثة أجزاء.
س/ ما هي آخر إنتاجاتك؟
هو كتاب ما بعد الحداثة الطبعة الثانية واسعى أن أجدد ما طبع من كتبي لتآخذ افقا أوسع ، وأسعى للكتابة في مجال الذي ينتمي الى ما بعد الحداثة وهو بعد ما بعد الحداثة وما بعد الكولونيالية وهناك سعي آخر وهو أن بعض المفاهيم التي تم طرحها ولم تنضج أسعى أن اجعلها مشروعاً وكتبا جديدة.
س/ ما هي رسالتك للمبدعين خاصة الشباب منهم؟
دائماً أقول لكل طلبتي إن الكاتب عبارة عن اسد فعليه أن يأكل الخراف قبل أن يكتب وعليه أن يكون شبيها بالنص لذلك أي كاتب لابد أن يمر بمرحلة الهضم أي يهضم الثقافة ونصيحة للشباب أن يبدأوا بثقافتهم الدينية أو البيئة أو المجتمعية أو ما كتب عنها منها الدينية والفلسفية عليهم القراءة والاطلاع وبعد ذلك يتطرق للثقافات الأخرى يكون له جذور واذكر لهم مقولة لغاندي عندما قال: "افتح نافذتي لكل الثقافات بشرط لا تقتلعني من جذوري".