غادة السمان
في عالم من العنف لن يدهشنا أن تصاب المرأة بالعدوى وتضرب رجلها، هذا بعدما كنا نقرأ عن عنف الذكور ضد الزوجات والحبيبات.
وهكذا قرر أحد الرجال (المضروبين) في فرنسا الإعلان عن مؤسسة S.O.S للرجال؛ الرجال المضروبين في فرنسا. وانضم إلى مؤسسته عدد كبير من الرجال يشاركونه ما يعاني منه، وقرأت عن ذلك في بعض المجلات الفرنسية مع ذكر الأسماء والصور وبينهم أصحاب لحى، وتبين للمؤسسة «أن 12 في المئة من العنف العائلي تقوم به نساء وليس العكس».
جرثومة العنف
معظم ما في عصرنا عنف ولا يخلو من الجرائم. وحتى الرياضة صارت لا تخلو من العنف؛ أنا شخصيا من محبي «كرة القدم»، فمن شروطها ألا توقع الآخر أو تؤذيه، على العكس من لعبة «الرغبي» التي أكرهها حيث يتكوم اللاعبون ويخيل إليك أن أحدهم يريد خنق الآخر! وإذا تصادف أن شاهدت طرفاً من مباراة منها، أقوم فوراً بتبديل المشهد عن التلفزيون.
حوادث العنف المنزلي
وقرأت أن حوادث العنف المنزلي تزداد في ألمانيا، لكن الرجل قلما يتقدم بالشكوى إذا كان (مضروباً) من أجل «كرامته». والفرنسي الذي أعلن عن مؤسسة «S.O.S» أنا رجل مضروب، «قام بكسر (تابو) أن الرجل هو دوماً الضارب وليس المضروب. وقد شاهدت مؤخراً فيلماً أمريكياً تتمرد فيه المرأة المضروبة وتعكس الأدوار، كما شاهدت مسلسلاً فرنسياً بوليسياً حول ذلك.
تمردت وقتلته: يدور الفيلم حول رجل عنيف مع النساء، وإذا عاتبته زوجها ضربها وأهانها. ولذا فقد هربت من البيت وذهبت إلى مدينة أمريكية أخرى لكيلا يجدها، وتتعلم فن المصارعة الذي يتقنه زوجها وبالذات بحكم عمله كأحد رجال الشرطة. وبعدما تتقن المصارعة والدفاع عن النفس يعود يوماً من عمله ويجدها في البيت، ويقرر ضربها عقاباً لها على غيابها دون إذن منه، ولكنه يدهش حين ترد ضرباته بمثلها بعدما صارت تتقن فن المصارعة، وحين يلجأ إلى السكين لطعنها تكون قد توقعت ذلك قبل عودته وأخفت السكاكين، وبدون قصد منها وبضربة ردت فيها على ضربته يقع على طاولة زجاجية ويموت. أما (أرملته) فتغادر البيت ولا يحاول رجال الشرطة اعتقالها، فهو زميلهم ومعروف بمباهاته بضرب النساء وإذلالهن!
الشرطي الفرنسي والنساء
وفي مسلسل بوليسي فرنسي، نجد أحد رجال الشرطة يهين النساء ويضربهن، ولا تتقدم أي منهن بالشكوى؛ فلمن تشكو وهو رئيس المخفر. لكن شرطية فرنسية تقرر إيقافه عند حده، فتذهب وتقابله وتصارحه. يدهش لأن بوسع المرأة رفض العنف الذكوري، ويشاهده صاحب صالة المصارعة التي يتعلم فيها الرجال ذلك استثناء هذه الشرطية النحيلة، وهكذا يزعم أنه سيقوم بإيصال الشرطي العنيف مع النساء بسيارته، لكنه يحضره إلى الصالة التي يقوم فيها بتعليم المصارعة ويقول له: أنا رجل، تفضل واضربني!
ويصارعه ويهزمه بضربة، ويقول له: حذارِ من ضرب النساء، لأنني سأنتقم لهن.
رجال ضد العنف: تحاول السينما أحياناً والمسلسلات التلفزيونية البوليسية أن ترسم الصورة الحقيقية للرجل. وبينهم الظالم الضارب وبعضهم (ابن الحلال) الذي يحترم المرأة وينحاز لكرامتها. ثم إنه قد تكون المضروبة أخته أو أمه، وهو ما لا يرضى به. ولكن للمرة الأولى نقرأ عن رجال من المضروبين.
فن الحوار بلا ضرب
أعود إلى ذلك الفرنسي الذي أعلن على صفحات المجلات عن «مؤسسة رفض ضرب المرأة للرجل» وأنا أتفق معه مهما كانت نسبة النساء اللواتي يضربن الزوج قليلة. أحب الحوار بين الضارب والمضروب، وأفضل ألا يحدث ذلك أصلاً، وأحن إلى ذكرى زوجي الرائع رحمه الله، فقد كنا حين نختلف في الرأي لا يشهر أيّنا أظافره أو مسدسه، بل نجلس ونتناقش بهدوء حتى يُقنِع أحدنا الآخر، ولعل ذلك سر أي علاقة إنسانية بين المرأة والرجل.