النزوح البيئي في العراق الأسباب والمعالجات
16-تشرين الثاني-2022
د. علاء إبراهيم محمود الحسيني
يعد الحق في العيش ببيئة نظيفة واحداً من أهم الحقوق العامة والتي تتحقق للشعوب والأمم لاسيما تلك التي تقع ضحية الطمع الغربي في الصناعات والتوسع المفرط باستعمال مصادر الطاقة الرخيصة والملوثة للبيئة، كما ويحمل بين ثناياه جوانب حق خاص يتفرد به كل مواطن، فقد درج الناس يعيشون بشكل مجتمعات على الأرض بيد إن الأعمال الصناعية والتنقيبية عن الوقود الاحفوري بالدرجة الأساس شكلت عاملاً ضاغطاً على التوازن البيئي.
فمن المعروف أن البيئة تمتاز بتوازن منقطع النظير هواء يشكل غلاف جوي يقي الأرض من المخاطر ومصادر مياه متجددة بفعل الأمطار وسطح الكرة الأرضية الذي يصلح في جل أماكنه للزراعة أو السكن، وبفعل تدخل يد الإنسان بدأ التغيير التدريجي فاختفت الكثير من صور الحياة الطبيعية وما يترتب عليها من تنوع وتلوث الهواء والماء، وارتفعت درجة حرارة باطن الأرض إلى مستويات خطيرة ما انعكس سلبا على حياة الإنسان، وباتت دول ومدن مهددة بالغرق أو ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات خطيرة، ولم تعد الكثير من المناطق تصلح للسكن أو العيش.
والسؤال المركزي ما هو حق الإنسان في العيش في بيئة نظيفة؟ ومما لا شك فيه إن ما تقدم يتصل بحق الإنسان في العيش بكرامة وبظروف تسمح له بممارسة حياته بالشكل الذي يريد، في العراق مثلاً انعكست المخاطر المناخية على العديد من المدن والمحافظات وستتفاقم المخاطر في السنوات القليلة المقبلة لذا صرنا نشهد مثلاً:
1- ارتفاع كبير جداً في درجات حرارة الصيف تجاوزت نصف درجة الغليان.
2- جفاف وندرة هطول الأمطار.
3- تصحر وزحف للكثبان الرملية تجاه المناطق الزراعية.
4- تضاؤل المناطق المزروعة نتيجة انخفاض مناسيب المياه.
5- ظروف مناخية متطرفة تشكل ضغطاً على مستوى الدخل للفرد العراقي وعاملاً في تحديد أساليب استهلاكه وتغييرها بين الحين والأخر طلباً للتكيف مع ظروف الحياة المتقلبة.
رافق ما تقدم عدم استقرار سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي في العراق وتفشي خطير لآفة الفساد الإداري والمالي والفشل الحكومي في رسم الخطط الإستراتيجية اللازمة لمواجهة المخاطر، وتوج ما تقدم تزايد في الأنشطة الاستثمارية في قطاع الطاقة لاسيما النفط والغاز وتخلف في الأنشطة الصديقة للبيئة لا سيما الزراعة التي بدأت عصر الانهيار في العراق، وندرة الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة التي من شأنها أن تحد من مصادر التلوث بالبيئة المحيطة.
وما تقدم شكل عامل لهجرة الآلاف من العراقيين من موطنهم الأصلي وترك مهنهم الموروثة كالزراعة وتربية الماشية صوب المدن والوظائف الحكومية، بل ظهر عندما في العراق ولو بغير تصريح من الحكومة أو الجهات المحلية المسؤولة ما يعرف بالنزوح البيئي بمعنى إن أكثر حركة النزوح اليوم عبر المدن والقصبات والمحافظات سببها بيئي بالدرجة الأساس ولعل استمرار الحال على ما هو عليه ينذر بخطر محدق وقد تتحول العديد من المحافظات العراقية إلى مجرد مدن مهجورة، بل قد نشهد حالة من اللجوء إلى دول أخرى لأسباب بيئية.
ولا شك إن النازح البيئي هو شخص طبيعي شعر بالخوف على شخصه أو أسرته أو أمواله أو انقطعت به سبل العيش ففر هاربا طالبا الأمن في وطن جديد أو محل للعيش يوفر له ولو الحد الأدنى من الأمن الإنساني، أو هو كل شخص اضطر طوعاً أو قسراً على ترك منزله وعمله بسبب خارج عن إرادته، وحركة النزوح تارة تكون فردية وتارة أخرى تكون جماعية حين يضطر التغير المناخي أو سوء البيئة المحيط بمجتمع ما إفراد ذلك المجتمع على الهجرة والنزوح باتجاه أراضي جديدة والبحث عن عمل ملائم وسواء كانت تلك التغيرات البيئية دائمة أو مؤقتة، حصلت بصورة مفاجئة أو تدريجية فإنها ستشكل سبباً رئيساً لحركة النزوح الداخلة أو عبر الحدود الدولية.
إذن يمكن تعريف اللاجئ البيئي أنه فرد أو أسرة أو جماعة بشرية يواجهون كارثة بيئية تتطور بصورة تدريجية أو مفاجئة فتؤثر على أسلوب حياتهم وظروف معيشتهم فتجبرهم على ترك مسكنهم أو عملهم أو كلاهما، طلباً للنجاة بشكل دائم أو مؤقت، ونعتقد إن النزوح بالغالب يتحول إلى دائم فقد يعتاد هؤلاء على نمط المعيشة الجديد كالتحول من الريف إلى المدن أو من مجتمع زراعي إلى صناعي.
وأهم الدوافع التي تحتم العمل على تحسين ظروف البيئة التي نعيش فيها:
التضامن بين أبناء الشعب في مواجهة المخاطر التي تتهدد البلاد والبيئة التي نعيش جميعاً فيها، فمن الواضح إن الأضرار البيئية التي تسببت بها الدول الصناعية من النوع العابر للحدود فقد انعكست الأضرار سلباً على كل الدول الفقيرة ودول العالم الثالث خاصة فأضافت عبئاً عليها وشكلت عاملاً إضافياً لمعاناة شعوبها، ومنها العراق.
ان مبدأ صيانة الكرامة الإنسانية يلزم الحكومة والسلطات العامة بضرورة التدخل على الصعيد الداخلي للحد من أثار التلوث ومحاصرة أسباب النزوح البيئي لاسيما في مناطق الأهوار والمحافظات الزراعية كالمثنى والقادسية وديالى وغيرها، إذ لابد إن تتخذ الإجراءات المناسبة لضمان حصة العراق العادلة من المياه لاستعادة شيء من الغلاف الأخضر الذي من شأنه تقليل أثار التلوث ويفتح الباب واسعاً أمام فئات عريضة للاستمرار بالعمل في مجال الزراعة والتنمية الزراعية.
أما بخصوص الوسائل المتاحة لتحسين الأوضاع البيئية وتقليل المخاطر ما يأتي:
إن أعمال مبدأ العدالة يستلزم إقامة نوع من التوازن بين النشاط الصناعي المسبب للكوارث البيئية والمسؤولية فمن واجب الحكومة العراقية إن تقوم بما من شأنه إن يحفظ حقوق الشعب العراقي إزاء الدول الكبرى التي تسببت بسلوكياتها بالتلوث البيئي الذي يعاني منه العراق، ويمكن الاستفادة من ذلك بطرق مباشرو كالحصول على تعويضات نقدية أو عينية بصورة تتضمن تزويد البلد بمعدات ووسائل تقنية من شأنها إن تقلل من أثار التلوث وهذا ما سعت إليه قمة المناخ في شرم الشيخ المنعقدة في (6/تشرين الثاني 2022)، والتي أهم فيها العراق بأعلى المستويات الرسمية بزيارة السيد رئيس الجمهورية للقمة.
من واجب الحكومة العراقية إن تستثمر كل الوسائل المشروعة للدفاع عن حقوق العراق المكتسبة في مياه نهري دجلة والفرات إذ إن استمرار التراجع الكبير في معدلات تزود العراق بالمياه ينذر بكوارث بيئية كبيرة جداً، ستتسبب بمزيد من البطالة والهجرة السلبية إلى المدن.
من واجب الحكومة العراقية ترشيد الصناعة النفطية في العراق لمنع التلوث البيئي الذي تتسبب به لاسيما إن ما تقدم يشكل خطر مزدوج أولا إن الحرق غير المبرر للغاز المصاحب يتسبب بالتلوث ومن جهة أخرى يشكل هدراً للثروة الوطنية العراقية، أضف إلى ما تقدم تؤشر التقارير الطبية تضرر قرى وأفرد كثر في محافظة البصرة بسبب الصناعة النفطية ويصاب الآلاف منهم بأمراض خطيرة ومنها السرطانية.
ومن الواضح إن التزامات المجتمع الدولي والحكومات الوطنية تجاه الشعوب مبررة فقد ورد في ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 بالمادة الأولى المتضمنة لمقاصد المنظمة أنه "تحقيق التعاون الدولي لحل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء".
وقد ورد باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للمناخ للعام 1992 في المادة الثالثة إن الهدف من حماية المناخ ليس فقط الأجيال الحالة بل المستقبلية "تحمي الأطراف النظام المناخي لمنفعة أجيال البشرية الحاضرة والمقبلة على أساس الأنصاف ووفقاً لمسؤولياتها المشتركة وقدرات كل منها وبناءً على ذلك ينبغي إن تأخذ البلدان المتقدمة النمو الأطراف مكان الصدارة في مكافحة تغير المناخ والآثار الضارة المترتبة عليه" وقد صادق العراق على الاتفاقية بموجب القانون رقم (7) لسنة 2009، كما إن اتفاقية باريس في العام (2015) والتي صادق عليها العراق بالقانون رقم (21) لسنة 2020، والتي أضافت بالمادة الثانية "يرمي هذا الاتفاق إلى تحسين تنفيذ الاتفاقية وبما يشمل هدفها إلى توطيد الاستجابة العالمية للتهديد الذي يشكله تغير المناخ في سياق التنمية المستدامة" وأضافت المادة الرابعة بان تلتزم البلدان المنضمة إلى الاتفاق بجملة من الواجبات ومنها "تقديم الدعم إلى البلدان النامية الأطراف".
لما تقدم نجد إن الحكومة العراقية ملتزمة دوليا ووطنيا إزاء الشعب العراقي لمنع تفاقم ظاهرة النزوح لأسباب بيئية فقد ورد في الدستور العراقي بالمادة (33) أنه "أولاً: لكل فرد حق العيش في ظروف بيئية سليمة. ثالثاً: تكفل الدولة حماية البيئة والتنوع الإحيائي والحفاظ عليها" وأضافت المادة (114) أن من الاختصاصات المشتركة بين السلطات الاتحادية والإقليمية والمحلية "رسم السياسة البيئة لضمان حماية البيئة من التلوث والمحافظة على نظافتها بالتعاون مع الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم" وأضاف قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم (27) لسنة 2009 في المادة الأولى منه "يهدف القانون إلى حماية وتحسين البيئة من خلال إزالة الضرر الموجود فيها أو الذي طرأ عليها والحفاظ على الصحة العامة والموارد الطبيعية والتنوع الإحيائي والتراث الثقافي بالتعاون مع الجهات المختصة بما يضمن التنمية المستدامة وتحقيق التعاون الدولي والإقليمي".
ولما تقدم ندعو البرلمان والحكومة إلى جعل ملف البيئة في أول سلم أولوياتها والبدء الفوري بالإجراءات اللازمة وفق خطة إستراتيجية وطنية تشترك في وضعها الجهات الاتحادية والمحلية التشريعية والتنفيذية ذات الصلة.