الهدنة الإيرانية السعودية: اتفاق ثنائي بفوائد جماعية
14-آذار-2023
مسلم عباس
من العاصمة الصينية بكين يصدر قرار إيراني سعودي موحد في العاشر من آذار الجاري 2023 بشأن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين المتصارعتين على غالبية مناطق النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، ستعود الدولتان إلى اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بينهما عام 2001، واتفاقيات أخرى بشأن التجارة والاستثمار.
الحدث الثنائي بين إيران والسعودية كبير ومهم بحجم المشكلات المتفاقمة بين البلدين والتي اشتدت منذ عام 2016 وحتى الآن، لذلك فإن أي انفراجة في العلاقات المتبادلة يشكل انعطافة تستحق التوقف والشرح والتحليل.
يمكن القول أن غالبية صراعات الشرق الأوسط تجد فيها إيران على جهة والسعودية على الجهة المضادة، وهي عبارة عن حروب بالوكالة وأخرى باأصالة، أبرزها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان والبحرين، لذلك سوف يبرز في هذه الهدنة مجموعة واسعة من المستفيدين وهم كالآتي:
أولاً: المستفيد الأول هما طرفي الاتفاق، لأنها تعطيهم استراحة يتنفسون فيها الهواء بدون تكفير ولا شيطنة ولا شتائم متبادلة، بدون قذائف أو طائرات مسيرة، وإلى غيرها من وسائل الحرب الناعمة والخشنة.
ومن الواضح أن الطرفين يراهنان على وقف ولو مؤقت لحروبهما، عبر تأكيدهما على ضرورة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، لم يطلب أحدم عدم التدخل بشؤون الآخر، بل طلب عدم التدخل في شؤون دول ثالثة، أملاً في تهدئة حروب الوكالة والأصالة المحتدمة في سماء وأرض الشرق الأوسط.
ثانياً: سيكون شعب اليمن أحد أبرز المستفيدين من الهدنة لأن السعودية لم تعد محتاجة إلى شن غارات جوية على المدن اليمينة، ومن المؤمل فتح ممرات التجارة وعودة الحياة تدريجياً إلى طبيعتها، وفي الجهة المقابلة سوف تخف أو تتوقف نهائياً هجمات حركة أنصار الله ضد القوات السعودية.
ثالثاً: إلى لبنان التي تعاني من أوضاع اقتصادية كارثية، فإن مجرد سماع خبر الهدنة السياسية بين إيران والسعودية كفيل بقلب الخطاب الغاضب من قبل السيد حسن نصر الله إلى خطاب ودود ولطيف مع السعودية، ولهذا التحول تأثيرات واسعة على حياة المواطنين واقتصادهم المتهالك.
رابعاً: أما في سوريا فالسعودية قللت من دعمها للجماعات المتحاربة هناك، لكن التأثير الأكبر قد يأتي لصالح النظام الحاكم بزعامة بشار الأسد، إذ من المتوقع عودة علاقاته الدبلوماسية تدريجياً مع بعض الدول العربية، وسوف تعطي السعودية الضوء الأخضر لهذه الدول بفتح البعثات الدبلوماسية لسوريا ما يعيدها تدريجياً لدول الجامعة العربية.
خامساً: نفس الطريق الذي سوف يستفيد منه النظام السوري، سيكون النظام البحريني على موعد مع مرحلة جديدة تقل فيها الاضطرابات السياسية والاجتماعية، ويخف التدخل الإيراني في الشأن الداخلي للمملكة الخليجية الحليفة للسعودية.
سادساً: العراق أرض المفارقات، هو ساحة الصراع الشديدة بين الطرفين السعودي والإيراني، وهو نفسه الذي كان طاولة المفاوضات الممهدة للاتفاق، ربما تكون هذه إحدى الأمور المهمة التي من المفيد النظر إليها بزاوية إيجابية بشأن ثقل بغداد رغم جراحاتها وضعفها أمام كبار المنطقة.
لقد رفعت هذه الهدنة من أسهم العراق في قائمة الدول القادرة على الفعل السياسي رغم حالة الحروب والفوضى العارمة التي تسود المنطقة، وهو ما يحتاج إلى استمرارية، ويكشف أن خطة الانفتاح العراقي التي بدأت ملامحها مع ولاية رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي بدأت تعطي ثمارها، وتؤكد أن القرار الاستراتيجي العراقي كان صحيحاً ويسير في الاتجاه المرسوم له.
سابعاً: الدولة صاحبة الفائدة الكبيرة في هدنة الشرق الأوسط هي الصين، لأنها أكدت نفسها مرة أخرى بأنها دولة سلام، وعززت من صورتها لدى دول المنطقة بقدرتها على تقريب المسافات، وتضييق مساحات الصراع إلى أكبر قدر ممكن. أما على المستوى الاقتصادي فقد استفادت الصين من ضمان قدرتها على العمل وعقد الشراعات مع طرفي الهدنة دون التعرض لإزعاجات من أحدهما ضد الآخر. كما ضمنت بكين استمرار تدفق إمدادات الطاقة إليها من الشرق الأوسط، حيث تعد الصين أكبر مستورد للخامات البترولية السعودية.
بالمجمل الهدنة السعودية الإيرانية تخص الطرفين بشكل رسمي، لكن تأثيراتها تنعكس على جميع دول المنطقة، وتستفيد منها الصين باعتبارها القوة العظمى القادرة على تقريب المسافات.
يبقى كل ما تحدثنا عنه مرهون بالتطبيق على أرض الواقع، ومدى التزام الطرفين ببنود ما اتفقا عليه خلال مباحثاتها في بغداد ومسقط وبكين.