د. مجاشع التميمي
أثارت تصريحات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الكثير من ردود الفعل حينما دافع عن وجود قوات أميركية في العراق ولم يحدد جدولا زمنيا لانسحابها، مؤكدا أهميتها في مكافحة تنظيم “داعش”.
وجاءت هذه التصريحات بعد أن كثر الحديث عن اخراج القوات الأميركية من العراق خاصة من قبل الفصائل العراقية المسلحة بعد عملية طوفان الأقصى، يقابله تريث وهدوء من قبل الحكومة العراقية التي اعلنت انها غير راغبة في مغادرة هذه القوات التي جاءت في اعقاب قرار مجلس الأمن الدولي القرار المرقم (2170) في آب/أغسطس 2014 الذي جاء بطلب من الحكومة العراقية بعد سيطرة تنظيم داعش على ثلثي مساحة الأراضي العراقية وأجزاء واسعة من سوريا حيث أكد القرار استقلال العراق وسوريا وادانة تنظيم "داعش"، وأشار إلى وجوب اتخاذ التدابير كافة لمكافحة الإرهاب.
اليوم انا أشك بخروج الأميركان من العراق وتحت أي سبب لان صدور هذا القرار جاء بطلب عراقي، وقرار الانسحاب يجب أن يتم بقرار عراقي رسمي لمجلس الامن الدولي، واعتقد أن قرار انسحابهم سوف لن يكون بهذا السهولة، لأسباب امنية وعسكرية وسياسية، إضافة إلى أن الأميركيين قد خفضوا اعدادهم في العراق واصبح وجودهم رمزيا، وليس هناك أثر أو قيمة قتالية لهذه القوات في بلد مترامي الأطراف مثل العراق الذي يوجد به عدد كبير من الفصائل المسلحة العراقية، فالأميركان لا يعتبرون هذا الوجود العسكري حقيقيا ذا قيمة، لكن هذا الوجود يمثل رمزية وجود علاقة بين العراق وأميركا، كما أن العراق حليف لواشنطن بحسب الاتفاقية العراقية الأميركية عام 2008، وتعد بغداد وواشنطن هذا الوجود الرمزي في مصلحة العراق.
لكن رغم ذلك فإن وجهة نظر فصائل المقاومة العراقية وطهران لا تقران بأي شرعية للوجود الأميركي أو العلاقة مع أميركا بشكل أو آخر، وهذه وجهة نظرها طبعا، لكن وجهة نظر الحكومة وحتى وجهة النظر الأميركية يشير إلى أن العراق مازال ساحة أو منطقة غير مستقرة أمنياً، وأي اضطراب لاستقرار العراق فيه قد يؤدي إلى اضطراب في المنطقة، لذلك فواشنطن وبغداد يعتبران هذا الوجود هو بمثابة استمرار العلاقة الرسمية أو الأصولية أو القانونية بين العراق والولايات المتحدة، أما هذا الوجود بحد ذاته فهو رمزي لا قيمة له عسكريا ولا يسيء لاستقلال العراق، كما أنه يمكن أن يوفر الدعم العسكري الأميركي أو من التحالف الدولي للعراق وقت الحاجة لانه لا يحتاج إلى إصدار قوانين وتشريعات جديدة من البرلمان أو مجلس الأمن الدولي لاستضافة القوات الأميركية، ولأن هناك وجودا أميركيا، والفارق هو في عديد هذه القوات، لكن من حيث المبدأ التوافق موجود رغم أن وجود القوات الأميركية هو وجود رمزي، وتعتبر الحكومة العراقية وتحالف إدارة الدولة الذي انبثقت منه الحكومة العراقية الحالية أن هذا الوجود الأميركي مهم للعراق أكثر من أميركا، وهذا هو المبرر والمسوغ الوحيد الأهم الذي يجب أن يفهمه الجميع، أن هذا الوجود الحالي لا يشكل قيمة لوجستية أو تعبوية تؤثر في موازين القوى المسلحة في العراق وهو أشبه بغطاء قانوني فقط يبقي هذه الوصلة القانونية والتشريعية لكي يحمي العراق عند الحاجة وهناك توافق أميركي عراقي على هذا الوجود.
الحكومة العراقية تقول إنه لا توجد قوات قتالية بل هم مستشارون من دول عدة غالبيتهم من الأميركيين ولهم علاقة بالتدريب على طائرات ومعدات عسكرية أخرى وهم موجودون بقرار عراقي عكس ما موجود بسوريا حيث وجودهم بدون إذن، كما ان القوات الأميركية موجودة في أغلب دول المنطقة.
الجانب الأميركي يعتبر وجوده في العراق جزءا مكملا لاستقرار وأمن المنطقة باعتبارهم هم المتصدون بالدرجة الأولى وهو ما يميز الجانب الأميركي عن باقي الدول العظمى حيث لا وجود لقوات بريطانيا ولا ألمانيا ولا فرنسا ولا الصين ولا روسيا بينما الأميركان يتصدون لأمن المنطقة بالمجمل، وبالتالي هم يعتبرون هذا الشيء مكملاً لأمن المنطقة، واذا حصل انسحاب أميركي من العراق فأنه يعد أشبه بانسحاب من حلف إقليمي أو دولي لحفظ واستقرار الأمن في المنطقة، وهذه طبعاً وجهة النظر الأميركية، وتشاركها فيها الحكومة العراقية، لذلك فالأمر إذا جردنا القضية من البعد العقائدي سوف نجد إن القضية هي فيها أسباب ومسوغات عسكرية وأمنية أكثر مما هي قضية احتلال.