د. ذو الفقار الجبوري

بعد كل الحديث الذي انتشر خلال الاشهر الماضية عن قرب عقد صفقة سلام في اليمن او على الاقل الاتفاق على خارطة خطوات تنتهي بجمع الاطراف على طاولة مفاوضات، يتبين اليوم أن ما يطرح يثير الكثير من الريبة لدى اليمنيين وجيرانهم والعرب عموما.
بحثت كثيرا اي تفاصيل المفاوضات الخفية والتي تجري وراء كواليس مريبة منذ اكثر من عام لأكتشف أن ما يطرح لمستقبل هذا البلد العربي سيناريوهات كارثية بكل معنى الكلمة، ومساعي لجعل الهيمنة الإيرانية هناك أمرًا واقعا ومشرعا لتكون أيران بذلك قد أطبقت على الجزيرة العربية من جنوبها بعد شرقها.
الغريب أن تدخلات من أطراف إقليمية حديثة العهد تسعى لإنتاج مثل السيناريو بإخراج إيراني خفي ولا يخفى على أحد أن القوى الدولية الكبرى وعلى راسها الولايات المتحدة افضل وضع الدول التي ترى أنها قد تشكل صداها لها تحت الهيمنة الإيرانية حتى تضمن غرقها في صراعات متناسلة وهذا تماما ما فعلته هنا في العراق عام 2003 وهي المأساة التي تقتلنا كشعب عراقي حتى اليوم.
تجنح القوى الدولية التي مكنت المليشيات الإيرانية من العراق ولبنان إلى استنساخ السيناريو ذاته في اليمن، بممارستها ضغوط سياسية على المجلس الرئاسي لفرض صفقة سلام ببنود هو آخر من يعلم عنها، حتى مرحلة توقيع مسودتها النهائية، التي تمنح الحوثيين الشرعية في حكم البلاد والتلاعب بمصير شعبها وتدجينه طائفيا ومذهبيا.
ملامح النية الدولية المبيتة بتعزيز هيمنة ذراع إيران في صنعاء على كل اليمن، بدأت ترتسم من خلال محاولة فرض واقع اللاسلم واللاحرب، والتغاضي عن رفض المليشيا تمديد الهدنة الإنسانية التي مارس خروقا متكررة لبنودها، من رفض فتح معابر تعز، والامتناع عن دفع رواتب الموظفين الحكوميين في المحافظات الخاضعة لسيطرته بعد سماح التحالف بدخول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، والذهاب بعيدا في عدوانه الصاروخي على المنشآت النفطية في المحافظات المحررة، حضرموت وشبوة، والتهديد بعمليات إرهابية في المياه الإقليمية، ومواصلة محاولات اختراق محافظة الضالع عسكريا، من بوابتها التي تؤمنها قوات المقاومة الجنوبية والمجلس الانتقالي.
ويعد ما رشح عن جولات محادثات غير معلنة لحل الأزمة اليمنية، بأن بصمات القوى التي عارضت إنهاء الانقلاب باستعادة صنعاء من قوات الشرعية، وتحجيم الخطر الحوثي في معاقله داخل صعدة، وتدخلت أيضا لإنقاذ المليشيا من الهزيمة العسكرية في الحديدة، وعزله عن المنافذ البحرية، المطلة على العالم، بإبرام اتفاق استوكهولم، هي نفسها التي تعكف على ما يبدو على صياغة اتفاق سلام هش مع المليشيا الحوثية، يلبي كل شروطها التعجيزية، بما في ذلك تسليمها مبالغ رواتب الموظفين بالعملة الصعبة لتتحكم بصرفها بالريال اليمني، ورفع الحصار العسكري عنها لإغراق اليمن بشحنات الأسلحة الإيرانية جوا وبحرا، كل ذلك بعيدا عن مشاروة الأطراف اليمنية الفاعلة بما فيها مجلس القيادة الرئاسي، وهو ما حذرت من خطورته هيئة التشارو والمصالحة اليمنية التي نشرت بيانا، رفض وبشدة أي صفقات ومسارات حل لا يتوافق عليها اليمنيون ما سيتسبب بانتاج صراعات وتفخيخ المستقبل لأجيال تتعرض في الشمال تحديدا لغسل أدمغتها بالفكر المذهبي المتطرف، والثقافة الإرهابية المصدرة من قم الإيرانية وحوزاتها العلمية.
ويبقى الرهان على القوى اليمنية الوطنية، لقطع دابر التدخلات المريبة من دول خارج نطاق التحالف العربي، لسلق حل للأزمة، يرحلها لجولات صراع أكثر دموية، واتساعا جغرافيا داخل اليمن وخارجه، ويؤسس لشرعنة الانقلاب كأمر واقع ما يعني هيمنة إيرانية على اليمن، تجعله أسير أطماعها وحديقة خلفية لصراعاتها بعيدا عن حدودها الجغرافية، وهي رغبة يبدو أنها باتت أيضا تهيمن على القوى الدولية التي ترى في إيران دولة مارقة على القانون الدولي، بالإمكان مساومتها في ملفات خارجية بامتداد اذرعتها في العراق ولبنان واليمن، حتى تضمن أن لا يتدفق إرهابها الدولي خارج حدود المنطقة، وهو ما لم ولن تقبله القوى اليمنية المخلصة في الاستمرار في مقاومة الانقلاب وإنهاؤه ولو بالقوة العسكرية، بإسناد من دول التحالف العربي، إدراكا منها بخطورة المشروع الحوثي الإيراني، الذي لا ينزع للسلام، إلا عن ضعف، أو كخيار مناورة لالتقاط الأنفاس، والتخطيط لمحاولة التمدد العسكري، في كل اليمن، بعد ضمان تفريخ أجيال في مناطق حكمه تدين بالولاء لمذهبه الطائفي، ويضمن تحريكها كبيادق الشطرنج، شمالا وجنوبا، داخليا و خارجيا خدمة لمشروعه الديني المتطرف، العابر للحدود والقارات.