اول يوم في المنفى
2-حزيران-2024

عامر بدر حسون
استيقظت فجر 3 عشرة 1978 ووقفت في شرفة الفندق في مدينة كازابلانكا التي وصلتها مساء امس من بغداد. وتداخلت اضواء بقايا الليل مع اولى مظاهر شروق الشمس ليأخذ منظر المدينة النائمة امامي شكلا سحريا يغرق في ضباب شفيف.
وفيما كنت احدق سعيدا بالمنظر، وأقف ربما مقلدا وقفة نجوم السينما، تشوش المنظر بأكمله امامي ورأيت بدلا منه المدينة وقد اخذت شكل مقبرة وادي السلام في النجف حيث تلتقي القبور فيها بالأفق!
واربكني تداخل المشهدين في ذهني وعدت الى الغرفة هاربا من جنون محتمل.
وبعد سنوات نشرت مقالا عن اول يوم لي في المنفى وذكرت فيه هذا المشهد، فقال لي زهير الجزائري ان ذلك المشهد كان يمثل رفضا (لا واعيا) للمنفى وانه يعبّر عن اعتباري، ودون وعي ايضا، وكأن المنفى هو الموت! واقترحت في الثمانينات على مجموعة من اصدقاء المنفى كتابة مقال مكرس للحديث عن اول يوم لهم في المنفى لأصدرها في كتاب. واعجبتهم الفكرة لكن احدا منهم لم يكتب شيئا، ولو كتبوا لكانت بين ايدينا اليوم وثيقة مهمة عن تداخل الخوف والفرح في العالم الجديد.
وربما كنت اعرف لم لم يفعلوا؟
فالكتابة عن اول يوم في المنفى مربكة لان المشاعر فيها تكون مختلطة اشد الاختلاط، وبقايا الخوف تخترق مشاعر الفرح واسئلة المستقبل ترهق المسافر الذي لا يعرف شيئا عما ينبغي فعله بعد الخلاص.
خرجت من الفندق بحثا عن مطعم لأتناول الفطور وكي ارى المدينة، الساحرة دون شك، لكنني عبثا حاولت. كنت ادخل للمطاعم فأرى انها ما زالت غير جاهزة لاستقبال احد، وعندما كنت اسال اين اجد مكانا يبيع الكباب والتكة كنت أفاجأ بنظراتهم لي كما ينظرون لوحش ويتساءلون:
- لحم وفي الصباح؟! وعرفت فيما بعد انني كنت انتقل من الحضارة الانكليزية الى الحضارة الفرنسية. فعاداتنا حتى في وجبة الافطار تعلمناها من المستعمر.
والبلدان التي كان استعمارها انكليزيا، كالعراق، كانت تعتمد على الفطور الثقيل الذي يضم فيما يضم اللحم، وايضا ابتداء الصباح بكاسين او اكثر من الشاي.
اما البلدان التي استعمرتها فرنسا، ومنها المغرب، فقد كان فطورهم يبدا في ضحى اليوم بفنجان قهوة وقطعة كرواسان. (وفي ذلك الصباح تذوقت الكرواسان لأول مرة في حياتي).
لم يكن عندي أي عنوان او تلفون لاحد في المغرب.
بل انني لم اكن اعرف الكثير عن المغرب وقد اخترت الرحيل اليها لسبب غريب:
ففي يوم واحد عشرة 1978 استلمت جواز سفري وذهبت للمنصور (حيث كانت السفارات العربية والاجنبية) وبدأت ادق ابوابها لأرى كم احتاج من وقت للحصول على الفيزا؟
وبعد تجوال سريع ولاهث دخلت للسفارة المغربية فقيل لي ان العراقي لا يحتاج الى فيزا.
وعلى هذا الاساس حجزت بطاقة للسفر في اليوم التالي!
وفي العراق لا ينبغي لمن تتاح له فرصة النجاة ان يتأخر في اغتنامها فالحكومة ليست دموية فقط وانما مجنونة وهي ممكن ان تصدر أي قرار في أي وقت:
اعلان حرب او قطع علاقات دبلوماسية او منع السفر وهو ما حصل لكثيرين فتغيرت مصائرهم!
مشيت كثيرا في شوارع المدينة وفوجئت بمستوى الحضارة والتطور و"الفرنَسَة" التي فيها.
لكن اكثر ما فاجأني هو وفرة الفواكه والخضروات التي كانت تلمع تحت اضواء الصباح.
سبب مفاجأتي ان احد اخر المشاهد التي رايتها في بغداد، كان وقوف سيارة لشرطة النجدة عند بائع رقي (البطيخ الاخضر) وكان افرادها يحاولون ترتيب الدور للمواطنين لشراء مقدار محدد من الرقي الذي كان شبه مفقود في تلك السنة!
والواقع ان فقدان الاشياء والسلع في بغداد كان تقليدا بعثيا بامتياز ففي كل فترة هناك نقص في مادة (ثوم بصل طماطة بيض والخ).. فينشغل الناس بالبحث والحديث عنها.
وعرفت، من ذلك المشهد، ان الندرة ليست قدرا محتما كما هو شانها في العراق.
وقضيت يومي الاول وانا احاول التحايل على وحدتي وكتم الاسئلة اللجوجة فيما يجب علي فعله في اليوم التالي؟
لم يكن للعراق تراث في الهجرة يومذاك، كما هو الامر مع سورية ولبنان وبلدان المغرب العربي، لذلك فان اول احساس ينتاب العراقي هو الشعور بالضياع عندما يصبح خارج بلده، اذ لا خبرة ولا فكرة يستند اليها.
لكن حيرتي انتهت حين انتقلت بعد يومين او ثلاثة من "السياحة" الى العاصمة الرباط.
وكان الحظ الحلو بانتظاري!

النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech