بحلول عام 2100.. الصين قد تفقد مليار نسمة
30-كانون الثاني-2023
بغداد ـ العالم
أعلنت الصين هذا الشهر أول انخفاض في عدد سكانها منذ 1961، وأفاد مكتب الإحصاء الوطني الرسمي بأن العام الماضي شهد ولادة 9.56 مليون نسمة ووفاة 10.41 مليون نسمة.
وأعلن المسؤولون أن العدد الإجمالي لسكان الصين في 2022 بلغ 1.412 مليار نسمة، بانخفاض قدره 850 ألف نسمة عن العام السابق.
وبحلول نهاية هذا القرن، سيكون تعداد سكان الصين حوالي ثلث ما هو عليه اليوم. وهذا الانخفاض المتوقع هو الأكثر حدة في التاريخ، في ظل غياب الحروب أو الأمراض.
وهناك مؤشرات تدل على أن المسؤولين الصينيين يبالغون بشكل كبير في تقدير تعداد سكان الصين. ووفقاً لما كتبه يي فوشيان، الباحث بجامعة ويسكونسن-ماديسون في منتصف العام الماضي، تعد الصين 1.28 مليار نسمة لا 1.41 مليار نسمة. وكما كتب يي، فإن تعداد سكان الصين بدأ في الانخفاض في 2018. وأشار إلى أن الأرقام الديموغرافية التي تعلنها بكين غير متسقة مع البيانات الأخرى، الرسمية وغير الرسمية.
تراجع حاد في عدد السكان الصينيين
وعلى أي حال، فإن البلد مقبل على حالة من الانخفاض الحاد. فعلى سبيل المثال، التوقعات الصادرة عن إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة مذهلة. وتُظهر التوقعات السكانية العالمية لسنة 2022 الصادرة عن المنظمة، والتي تستند تقريباً إلى الأرقام الرسمية لبكين، تقديراً متغيراً مرتفعاً قدره 1.153 مليار نسمة لسنة 2100. والمتغير الوسيط هو 766.67 مليار.
وأما المتغير المنخفض (التقدير الذي سيكون الأقرب إلى العلامة من واقع جميع المؤشرات) فهو 487.93 مليار. وقد تراجع الرقم المنخفض للأمم المتحدة، حيث كان يبلغ 684.05 مليون في التقديرات الصادرة في 2019.
وحتى المتغير المنخفض لسنة 2022 يبدو مرتفعاً للغاية. وأشارت تقديرات علماء الديموغرافيا بجامعة شيان جياوتونغ في أواخر 2021 إلى أن تعداد سكان الصين يمكن أن ينخفض بمقدار النصف في غضون 45 عاماً، بافتراض محافظة البلد على معدل الخصوبة الإجمالي (عموماً متوسط عدد الأطفال لكل أنثى في سن الإنجاب) البالغ 1.3.
وفي المقابل، بلغ معدل الخصوبة الإجمالي في الصين 1.18 في العام الماضي، وهو الأدنى في البلدان العشر الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم. ويعتقد يي أن هذا المعدل في 2020 ربما كان منخفضاً عند 0.9. ولو كان على صواب، فإن معدل الخصوبة الإجمالي كان أقل من ذلك في العام الماضي.
44% من النساء يرفضن الزواج
لكن أيا كان معدل الخصوبة الإجمالي اليوم، فمن شبه المؤكد أنه سينخفض في السنوات القادمة. فوفقاً لمسح أجرته عصبة الشبيبة الشيوعية العام الماضي، فإن 44% من النساء الصينيات الحضريات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و 26 سنة لا ينوين الزواج. وهذا أمر له دلالته؛ لأن الأنثى غير المتزوجة لا يمكنها الحصول على التصريح اللازم لإنجاب أطفال.
وتتجاوز المشاكل الديموغرافية في الصين مجرد رفض النساء للحتميات الثقافية للعثور على زوج، كما أن التشاؤم والتدهور الاقتصادي يؤثر على رغبة الأزواج في الإنجاب.
وهناك البعض ممن لا يرى أن الصين في أزمة بعد، حيث قال بول تشيونغ، كبير الخبراء الإحصائيين في سنغافورة سابقاً، لبي بي سي،: "إنهم لم يصلوا بعد إلى المرحلة الحرجة"، والصين لديها "الكثير من القوى العاملة" و"متسع كبير من الوقت".
وكل هذا صحيح، وفق المختص بالشأن الصيني غوردون جي تشانغ، مؤلف كتيبات "الحرب التكنولوجية الكبرى بين الولايات المتحدة والصين وخسارة كوريا الجنوبية"، في مقال بموقع "1945" الأمريكي؛ لأن التغيرات الديموغرافية تحدث على مدى عقود، لكن خطط بكين لإحداث تحول في التغيرات السكانية منيت بفشل ملحوظ، كما هو الحال مع خطط معظم الحكومات.
وصرح كريستوفر بيدور، المسؤول بشركة "جافيكال دراغونوميكس"، لبلومبرغ نيوز قائلاً: "التدابير المتخذة لزيادة معدلات المواليد قليلة للغاية ومتأخرة للغاية، وغلب عليها تأثير سياسة "صفر كوفيد" على معدلات المواليد، القضية الجوهرية أنه لا يوجد سوى قدر محدود يمكن أن تنجزه السياسات في هذا المجال؛ لأن معدلات المواليد المتراجعة مدفوعة بعوامل هيكلية عميقة".
وتخلت بكين عن سياسة الطفل الواحد سيئة السمعة، وتحولت إلى سياسة الطفلين في بداية 2016، ثم تبنت الدولة سياسة الأطفال الثلاثة في 2021، لكن دون حدوث زيادة في المواليد، والواقع أن العام الماضي شهد أدنى معدل مواليد في تاريخ جمهورية الصين الشعبية.
على أي حال، وكما ذكرت صحيفة "تشاينا ديلي" الرسمية في ديسمبر (كانون الأول) 2020: "الاتجاهات العامة لا رجعة فيها". فإذا كانت "القوة الحقيقية لصعود الصين هي القوة الإنجابية القوية" (كما يعتقد الكثيرون)، فإن الدولة الصينية المبهرة سائرة بلا هوادة في الاتجاه المعاكس.
وراج في الصين في مايو (أيار) الماضي هاشتاغ يقول: "للأسف نحن الجيل الأخير، شكراً!" فحذفته الرقابة.
فلماذا يبالي أي شخص خارج الصين بالاهتمام بالديموغرافيا الصينية؟
براهما شيلاني لديه إجابة، حيث كتب المحلل الاستراتيجي الهندي الشهير على "تويتر": "اعتقاداً منه أن الصين أمامها فرصة استراتيجية ضيقة لتعديل النظام العالمي لصالحها قبل أن تواجه أزمة ديموغرافية ونمواً اقتصادياً متعثراً وبيئة عالمية غير مواتية، فإن الرئيس الصيني يقْدم على مخاطر كبيرة".
الشرق في صعود والغرب في تراجع
ربما يعتقد شي جين بينغ أن "الشرق في صعود والغرب في تراجع" (وذلك من واقع خطاباته)، لكن هذا الرأي أنه سيكون من الصعب للغاية الحفاظ عليه عندما يبدأ الناس في النظر إلى الصين كمجتمع يشهد أفولاً بشكل لا رجعة فيه. وهذا يعني أنه سيكون في عجلة من أمره لتحقيق "حلمه الصيني".
وهذا يعني أيضاً أن شي ربما تكون لديه شهية أكبر للمخاطر وبالتالي مفاجأة الآخرين.
مثل الهند، ففي الشهر الماضي، فتحت الصين جبهة أخرى ضد ذلك البلد في أروناتشال براديش بتوغل بري واسع النطاق. ويجادل بعض المفكرين الصينيين قائلين إن الصين يجب أن تكسر شوكة الهند قبل فوات الأوان.
وبالمناسبة، يعتقد كثيرون أن تعداد سكان الهند تجاوز الصين، ويعتقد يي، الباحث في جامعة ويسكونسن-ماديسون، أن الهند تفوقت على الصين في 2014.
ومن المؤكد أن شي يعلم أن الهند سيفوق تعداد سكانها عدد سكان الصين بقرابة المليار نسمة بحلول الوقت الذي يستقر فيه تعداد سكان الهند، بحلول منتصف القرن الجاري.