برنامج صالح وعادل طال انتظاره من الشعب العراقي
18-تشرين الأول-2022
د. سعد علي
(الجزء الأول)
(وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ * وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)* (سورة هود 115 – 117).
هناك برامج إصلاحية كثيرة كانت معطلة وكان ينتظرها المواطن منذ أمدٍ بعيد، وقد ضاق بها ذرعا حتى انتفض مؤخراً في تشرين العام الماضي 2021 وعَبَّرَ فيها باحتجاجاته وبتظاهراته في العاصمة وفي مدن عدة. وما كان ينبغي أن يحصل ذلك، وما حصل فيه من ضحايا لأبرياء ومداخلات وإنفلاتات من القنص واستخدام الرصاص الحي وزيادة في العنف على المتظاهرين وعلى القوات الأمنية، وبمشاركات بعضها مجهول مدفوع من أطراف مناوئة لإيقاع ضحايا من طرف المتظاهرين ومن قوات الأمن لزيادة الفوضى وتعقيد المشهد، وبعضها دوافعها عاطفي والسير مع العقل الجمعي في الشارع الذي يعبر عن هضم في الحقوق والمعاناة الطويلة. وهذه كلها ساهمت في إثارة أحداث شغب وفوضى في مسيرة التظاهرات التي كان من المفترض أساساً أن يكون طابعها سلميا. وما كان ينبغي ذلك ليحدث لولا التقاعس واللامبالاة والمعاناة التي طالت، وتفشي ممارسات الفساد الذي ساد وعمَّ الكثير من الوزارات وإدارات الدولة وتعاملات الكثير من الناس فيما بينهم، وتركنا بعضَهم يومئذٍ يموجُ في بعض.
والآن وبعد الذي حصل والمواطن لازال بأمس الحاجة الى التغيير والإصلاح والتعامل معه بالعدل من أي وقت مضى وإتمام إنتخاب الرئاسات الثلاث في 13 تشرين الأول(أكتوبر) 2022، سيقع على رئاسة الوزراء والطاقم الوزاري الجديد مسؤولية إصلاح مافسد وإنجاز ما تأجل أو تعطل من المشاريع.
هذه حزمة من الإصلاحات والتغييرات الضرورية التي تُشكِّل السِمَة البارزة في هذه المرحلة وفي المستقبل القريب للحكومة، إن هي أرادت أن تثوب الى رشدها وتثبت مصداقيتها ووعودها التي قطعتها للمواطنين الذين انتظروا تشكيلها منذ أكثر من عام. لذا كان لزاما وأجلاً مسمى على وزارات وإدارات الدولة الاهتمام والالتفات إليها وأخذها جدِّيا بنظر الاعتبار لتحقيق واستتباب الأمن المجتمعي والانفراج السياسي وامتصاص الاحتقان المجتمعي، وتوفير الأمن الغذائي والسكني والأمن الصحي وتأمين الخدمات وتحقيق حالة النمو الإقتصادي والتطور الثقافي والعلمي والوصول الى حالة الاستقرار من الرفاه والعيش الرغيد في ربوع الوطن. وأدناه نماذج من أثني عشر برنامجا نافعا وخير الناس (في السلطة) من نفع الناس (في المجتمع)* على مبنى الحديث الشريف: خير الناس من نفع الناس.
ويمكن أن تكون خطوطها العريضة ذات جدوى للتبني من قبل وزارات وإدارات الحكومة التائبة والمستغفرة الجديدة من تقصير وقصور سابقاتها وتعمل على تفعيلها وتثبت *صلاحها وعدلها* في المجتمع.
• أولا : البرنامج التعليمي والتربوي
يشكل التعليم القاعدة الأساسية والمُوَّلِد والمُحرِك والضامن لعملية البناء والتنمية على مستو:ى:
*بناء نفسية الإنسان
*وتوفير وصلاح البنيان
*وخدمة صحة الأبدان
*وحفظ أمن الأوطان
سواء على مستوى نشر الوعي العلمي لمختلف العلوم المادية أو الإنسانية، أو نشر الوعي البيئي ونظافة وسلامة البيئة ومحيط العيش، والتثقيف على حب الوطن وزرع روح المواطنة الصالحة والمثل والأخلاق والقيم والإلتزام بالمسؤولية وبالقانون والنظام.
- التركيز على المراحل الأولية الابتدائية في نشر التعليم النافع والتربية على حب الوطن وبث روح المواطنة الصالحة التي تساهم في الحفاظ على الأمن والبيئة والنظام والملكية العامة للشعب.
- إعطاء أهمية للتعليم والتدريب المهني النافع الذي يحتاج إليه المواطن في التعامل مع الجانب التقني، مثل الحاسبات واستخداماتها في المجال الصحي والخدمي والإداري، وكذلك في دورات التدريب المهني الصحي للممرضين والممرضات والقابلات للعمل وإسناد التخصصات الطبية العليا للأطباْء في العيادات والمستوصفات والمستشفيات.
- الدورات التدريبية المهنية لإصلاح وإدامة العجلات والناقلات، ودورات لأعمال البناْء وصيانة البنيان، ومد أنابيب المياه والأسلاك والإنشاءات والتصاميم الكهربائية في المنازل والمؤسسات وإعانة المختصين من المهندسين في ورشهم ودوائرهم.
- التعليم المتوسط والثانوي مناهجه من المفيد تفصيلها على احتياجات المواطن من العلوم والمهارات التي تؤدي به في مرحلة تالية للتخصص الجامعي. فمثلا هناك مناهج تهيئ الطالب للطب أو الهندسة أو الزراعة أو المحاماة أو إدارة المال والاقتصاد أو التعليم والتدريس كمهنة وما تحتاجه هذه الحقول من أساسيات لها علاقة وترابط بالمرحلة الدراسية التالية. بمعنى عدم ملئ المنهاج الدراسي بمواضيع هي بعيدة عن إهتمام وفائدة المجتمع وحشو الكتب بمعلومات قديمة وغير محدثة.
- التعليم العالي في المعاهد التخصصية والجامعات أن يركز أيضا على الاحتياجات المجتمعية وليست مناهج إستنساخية من دول أخرى. وتكوين علاقات ومتابعات متواصلة ووطيدة مع التعليم والبحوث العالمية التي تنفع للمواطن والمجتمع العراقي. وكمثالين لتوضيح هذه الفكرة لا ينبغي أن توفد وزارة التعليم العالي طلبة ومبتعثين الى بلدان أوروبية أو دول أخرى للبحث في مسائل تكنولوجية متطورة جدا استخداماتها تخص تلك الدول ولا يستفيد منها العراق عند عودة الطلبة المبتعثين، مثل دراسة تكنولوجيا لا توجد في العراق أو سوف لا توجد في المستقبل المنظور، أو التخصص في دراسة وعلاج أمراض لا يعاني منها المواطن العراقي
بشكل شائع وهي تخص ابتلاءات مجتمعات تلك الدول. فكما تلك الدول تبرمج دراساتها وبحوثها وفق الحاجة يتطلب أن ينحو التعليم العالي في العراق أيضا هذا المنحى وأن يكون سد الاحتياجات هو بوصلة المنهاج المتبع.
- الاهتمام بالتخصصات التي تفيد الاقتصاد العراقي كالتخصصات في استخراج وتصنيع النفط والمنتجات الثانوية منه، والإنتاج الزراعي الغذائي وتخصيب التربة واستصلاحها ومعالجة الآفات والحشرات التي تفسد وتقلل الإنتاج الزراعي، وتعلم ونقل التقنيات والطرق الحديثة لحماية وتكثير الإنتاج والمحصول لسد الحاجات الغذائية الأساسية. وكذلك الالتفات الى تعلم تصنيع الموارد الطبيعية من العناصر والمركبات والمعادن لأغراض الاستخدام المحلي وزيادة قيمتها بدلا من بيعها وتصديرها للخارج بأسعار بخسة، مثل السمنت والجص والكبريت والفسفور والكلور والصوديوم ومعادن أخرى.
• ثانيا: برنامج الإنتاج النفطي والتصنيع الثانوي له.*
- الاستفادة من المحروقات الغازية والنفطية العديدة المبددة والضائعة التي تشتعل لسنين وسنين والمتواجدة جغرافيا بالقرب من آبار ومنابع النفط ومعالجة تبديدها وتضييعها من دون فائدة، وهي أيضا تشكل كملوث خطر ودائم للهواء والبيئة وتأثيرها السلبي على الإنسان والحيوانات والنباتات القريبة من القرى والمدن. وذلك بالسيطرة عليها من منافذها والقيام بتعبئتها من المصدر والاستفادة منها كوقود إضافي الى منتجات الآبار بعد إجراء المعالجات الهندسية والكيمياوية الضرورية لتحويلها الى وقود مستخدم يوفر طاقة إضافية مهدورة ليست بالقليلة.
- الاستفادة من التقنيات النفطية الحديثة ونقلها للتطبيق لزيادة الإنتاج والبحث عن آبار جديدة إضافية.
- إقامة وإنشاء المعامل والتصنيع الثانوي لمنتجات النفط والغاز من النفط والغاز الخام والاستفادة منه للاستهلاك المحلي بدلا من إستيراد مثل هذه المنتجات من قبل الدول التي يصدر إليها العراق نفطه الخام، ومن ثم تصنع هذه الدول هذه المنتوجات وتعيدها بأسعار مضاعفة فيما إذا قام العراق بتصنيعها الثانوي بالقرب من منابع النفط. وهناك صناعات كثيرة ثانوية يمكن عملها من النفط منها تستخدم للعجلات، ومنها لصنع البلاستيك والنايلون والملابس، وحتى بعض المنتجات التي تدخل في الغذاء. وكل ذلك يضيف الى مدخول النفط الخام ويوفر أيضا عمولة صعبة من شرائها من الدول الأجنبية التي تصنعها في معاملها.
• ثالثا: البرنامج الزراعي
- برنامج مهم جدا للبلد من أجل أن يحقق الأمن الغذائي للمواطن وأن لا يقع تحت طائلة الاستغلال والضغط الاقتصادي والسياسي من قبل البلدان أو من قبل الشركات التي تصدر المنتجات والغلاة الزراعية. الإهتمام بالزراعة من الأولويات الأمنية للبلدان ( *الذي أطعَمهُم مِن جُوعٍ وآمَنَهُم مِن خَوف*)، (ربِّ اجعل هذا بلداً آمنا وارزق أهله من الثمرات).
وتتم على الأراضي الصالحة إبتداء للزراعة بمقدار توفرها، وكذلك بإستصلاح الأراضي المالحة والبور ومعالجتها، ومن ثم تسميدها وتوفير الري الصناعي من مصادر المياه النهرية القريبة أو عبر الأنابيب أو بواسطة الناقلات المائية. وبإستخدام التقنيات والأدوات والآلات الزراعية الحديثة للزراعة على مساحات واسعة من الأرض، وطرق معالجة الأمراض والتلف الذي يصيب المحصول الزراعي من قبل الحشرات والديدان والبكتريا. وضرورة مبادرة الدعم والتشجيع الحكومي للفلاحين والمزارعين وتسهيل تقديم السلف المالية والقروض لأجل لتشجيع الإستثمار الزراعي المتنوع والكثيف، ومن ثم طرح المنتوج في السوق المحلية بالأسعار المنافسة للمنتوج الزراعي المستورد، من أجل أن يستمر المزارعين في إنتاجهم الموسمي لكل عام وبأرباح تشجعهم على الإستمرار. ويتم التركيز على زراعة المواد الغذائية التي تستهلك بشكل أساس من قبل عموم المواطنين، كالحنطة والرز والشعير والعدس والحمص والماش وغيرها من الحبوب. وكذلك من الدهون الحيوانية والزيوت النباتية ونبات القطن ومنتوجاتها، والفواكه كالحمضيات والأعناب والتين والزيتون والمشمش وأنواع التمور والجوز، والخضار بأنواعه العديدة والطماطم والبطاطا والبصل والخيار والباذنجان والباميا والشجر وغيرها. وتكثير زراعة الذرة وعباد الشمس لصناعة النشاء والزيوت، وزراعة أنواع البقوليات كالباقلاء والفاصوليا والبزاليا، والحشائش والأحراش للعلف الحيواني. ومن التمور وتكثير وتحسين إنتاجها، ومن تربية خلايا النحل طبيعيا في الأشجار والجبال وصناعيا في الصناديق الخلوية وإنتاج العسل والشمع. وكذلك من تحسين وزيادة المنتوجات الحيوانية كالأغنام والأبقار والماعز، والإستفادة من لحومها وأصوافها وأوبارها وجلودها وحليبها والمنتجات الثانوية المصنعة منها كالأجبان والألبان، والمنتجات الجلدية والملابس والأغطية والصناعات الصوفية. وأيضا من تربية الدواجن من الدجاج والطيور في حقول، وبناء أحواض تكثير الأسماك صناعياً والصيد النهري السليم ومنع طرق تسميم وتلويث المياه وسلامة الثروة السمكية *(منع تام لطريقة رمي الزهر وتسمم الأسماك وموتها وطفوها على سطح الماء ومن ثم جمعها للبيع)*. وإنشاء صناعات ثانوية كالتعليب والتجفيف والتجميد. وكذلك تكثير زراعة الأشجار والنخيل للإسهام في تنقية الهواء في الجو وتحسين سلامة البيئ من الملوثات، والإستفادة من أخشابها للمحروقات الفحمية والإستخدامات الثانوية للأخشاب في البناء وصنع والأثاث المنزلي بأشكاله وإستخداماته المتنوعة. ويكون إستخدام كل ذلك أعلاه من *أجل سد الحاجة والإستهلاك الغذائي المحلي وتحقيق قدر لابأس به من الإحتياط والإكتفاء وتوفير الأمن الغذائي للبلد*، وتصدير الفائض إن حصل لدعم الإقتصاد الوطني الذي يعتمد بشكل أساس يزيد على 90% على آبار الثروة النفطية وتصدير منتوجها.
يتبع..