بغداد – العالم
أفصح مستشار رئيس الوزراء للشؤون الدستورية، حسن الياسري، أمس الاثنين، عن رؤية جديدة ومختلفة لتعديل الدستور، تضمنت الابتعاد عن قضايا الصراع السياسي، فيما أشار الى أنها لاقت استحسان أغلب الكتل السياسية.
وقال الياسري، لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، تبنى مشروع تعديل الدستور، خاصة وأنه أقر في العام 2005، والعقلية العراقية سواء على المستوى السياسي والبرلماني والرأي العام اختلفت وتضمنت تغيير الكثير من الآراء والأفكار".
وأوضح، أن "الدستور، لا يكتب ويكون خالداً، فلا بد من إجراء التعديل عليه في مرحلة معينة"، مبيناً أن "الدستور عند إقراره أوجب إجراء التعديل عليه، وفي السابق كانت هناك تجربتان لتعديله، الأولى في العام 2006 لغاية 2009 وسميت بلجنة مراجعة الدستور إلا أنه بسبب الخلافات الشديدة آنذاك لم يكتمل المشروع".
وأضاف، أن "التجربة الثانية كانت في العام 2019 بحكومة عادل عبد المهدي، تم تبني مشروع تعديل الدستور من قبل رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، وبعد حدوث التظاهرات لم ترَ التعديلات النور وبالتالي توقف المشروع للمرة الثانية".
وأشار، الى أن "ما مطروح الآن يختلف عن المشروعين السابقين، حيث تتضمن رؤية وعقلية مختلفة عن السابق"، مستبعداً "فكرة تعديل مواد الدستور بالكامل من المادة الأولى لغاية المادة 44".
واستطرد، "يجب الاستفادة من التجارب السابقة، فضلاً عن الاقتداء بأثر الدول المتقدمة مثل أمريكا وسويسرا وألمانيا وأستراليا وإسبانيا وكندا، حيث أن تلك الدول أجرت تعديلاً على أجزاء من الدستور وليس بشكل كامل"، منوهاً بأن "هناك قضايا مفصلية وإجراء التعديل عليها سيؤدي الى صراع سياسي فلا بد من تجنبها".
ولفت، الى أن "تعديل الدستور يجب أن يكون وفق مبدأ التدرج ضمن مراحل، بحيث يتم تعديل النصوص المتفق عليها من قبل الجميع على ضرورة تعديلها، كالمادة 76 والمادة المتعلقة باختيار رئيس الجمهورية، فلا بد من تحديد بنص صريح معنى الكتلة الأكبر والمقصود بأغلبية اختيار رئيس الجمهورية الثلثين ما المقصود بها، الحاضرون أم العدد الكلي،فضلاً عن إعادة صياغة بعض نصوص الدستور خاصة في ما يتعلق بالهيئات المستقلة ومن هي الجهات غير المرتبطة بوزارة، الى جانب إعادة النظر بمؤسسات العدالة الانتقالية".
وتابع، أن "هذه الرؤية تم عرضها على زعماء الكتل السياسية الشيعية والسنية واستحصلت الموافقة عليها والحراك جارٍ لعرضها على الكتلة السياسية الكردية".
وتسعى القوى السياسية في العراق إلى تجنب تكرار ما تسميّها بـ"الفتنة"، التي تُستعاد مع كل انتخابات نيابية تُجرى في البلاد، من خلال إجراء تعديلات دستورية ستكون الأولى من نوعها إذا ما أُقرّت، منذ دستور العراق عقب الغزو الأميركي للبلاد (2003)، الذي دخل حيّز التنفيذ بعد التصويت عليه في استفتاء شعبي عام 2005.
كما تتركز على المواد المتعلقة بصلاحيات رئيسي الجمهورية والبرلمان، ودور المحكمة الاتحادية العليا، وصلاحيات حكومة إقليم كردستان في أربيل، وسلطة الحكومة الاتحادية، والفصل بين السلطات. ويطرح عدد من النواب تعديلات أخرى متباينة، مثل المطالبة بتغيير شكل نظام الحكم إلى رئاسي، فيما يعتبر آخرون أن النظام البرلماني الحالي أفضل، ويطرح طرف ثالث النظام المختلط بينهما. ويطالب نواب بمراجعة المادة 140 المتعلقة بإدارة المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان وبغداد، ومواد تتعلق بصلاحيات المحافظين في المحافظات العراقية، ومواد اعتبرت قابلة للتأويل والتفسير وتحتاج إلى تفسير أوضح، مثل الحريات العامة والخاصة.
وتشمل التعديلات المستهدفة على اختيار رئيس للحكومة وصلاحيات الرؤساء وشكل النظام
الياسري شكّل فريقاً قانونياً يضم خبراء ونواباً سابقين، ووضع تصورات كاملة عن أهم البنود الدستورية التي خلقت مشاكل سياسية في البلاد خلال السنوات الـ18 الماضية، بما يضمن استقراراً سياسياً وتداولاً للسلطة دون المشاكل والأزمات التي تتكرر كل أربع سنوات.
مصادر تحدثت عن اتفاق بين القوى السياسية العراقية على ضرورة إجراء التعديلات الدستورية، لكنها تتباين حول طبيعة تلك التعديلات والمواد المستهدفة فيها، وهو ما يعتبر العائق الأكبر أمام المضي بها.
العنوان العريض الذي ستجري تحته آلية التعديلات الدستورية هو منع تكرار حالة "الانسداد السياسي" عقب إعلان نتائج كل انتخابات، التي استمرت بعضها لأكثر من عام، وتطورت أخيراً إلى صدام مسلح ما بين أنصار "التيار الصدري" (بزعامة مقتدى الصدر)، والفصائل المسلحة المحسوبة على طهران (بعد الانتخابات التشريعية التي أجريت في أكتوبر/ تشرين الأول 2021)، الأمر الذي دفع زعيم "التيار" إلى العزلة السياسية.
ويشترط الدستور العراقي لإجراء أي تعديلات فيه اقتراح رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين هذا التعديل، أو طلباً مقدماً من خُمس أعضاء البرلمان (عدد أعضاء البرلمان 329 نائباً). وجاء في المادة 126 من الدستور العراقي أن التعديل يتم بعد تصويت أغلبية النواب في البرلمان على التعديلات، ثم عرض ذلك على التصويت باستفتاء شعبي. وتعتبر التعديلات مجازة إذا لم تُرفض من قبل ثلثي سكّان ثلاث محافظات.
هذا النص اعتبر لاحقاً أحد معوقات التعديل، وجرى الحديث أن القوى الكردية وضعته خلال عمل لجنة كتابة الدستور بهدف حماية مُنجز حصول المحافظات الكردية الثلاث (دهوك، أربيل، والسليمانية)، على إقليم يتمتع بحكم شبه مستقل عن بغداد.
وكان القيادي في "الإطار التنسيقي" محمود الحياني، قد أكد على إنه "حتى الساعة لا يوجد اتفاق سياسي بشأن طبيعة التعديل في بعض فقرات الدستور، رغم الحاجة الملحة لهذه التعديلات وأهمية إغلاق باب الأزمات".
ورأى الحياني أنه "لا يمكن إجراء التعديل دون توافق سياسي أولاً، خصوصاً أنه يحتاج إلى استفتاء شعبي، ورفض ثلاث محافظات لهذا الاستفتاء يعني عدم حصول أي تغيير، لذلك يجب أن توافق كل القوى الكردية على أي تعديل دستوري حتى لا ترفض المحافظات التي هي تتحكم فيها، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على القوى السياسية السنّية وحتى الشيعية منها في الوسط والجنوب". وبرأيه، فإن "تعديل فقرات الدستور العراقي يحتاج إلى مفاوضات طويلة".
في المقابل، قال عضو تحالف "السيادة" حسن الجبوري إن "القوى السياسية السنّية ليس لديها أي اعتراض على تعديل بعض فقرات الدستور، لكن هذه التعديلات يجب أن تتم مناقشتها والاتفاق عليها من قبل الجميع، وأي تعديل للفقرات الدستورية لا يمكن أن يتم دون اتفاق مسبق".
وبيّن الجبوري أنه "حتى الساعة لا يوجد اتفاق على الملف في المجمل، أو على المواد التي يُراد تعديلها وكيف سيكون التعديل، كما لا يمكن فرض رأي جهة معينة بشأن التعديل الدستوري". ولهذا السبب، شدّد الجبوري على "وجوب أن تكون هناك مناقشات تجمع كل الأطراف السياسية لمناقشة التعديلات وكيفية التعديل، وبخلاف ذلك لا يمكن إجراؤه".
وتحدث الجبوري في هذا الإطار عن "ملاحظات" لدى القوى السياسية السُنّية بشأن بعض فقرات الدستور، و"هي ملاحظات سيتم طرحها على رئيس الوزراء وباقي الأطراف السياسية الأخرى من أجل الاتفاق عليها وجعلها ضمن التعديلات الدستورية".
من جهته، قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحاكم في إقليم كردستان، مهدي عبد الكريم إن "تعديل فقرات الدستور ليس بالأمر السهل، وهناك الكثير من الذين سعوا لهذا الأمر خلال السنوات الماضية، لكنهم أخفقوا بسبب عدم وجود إرادة سياسية حقيقية تريد تعديل فقرات الدستور".
وبيّن عبد الكريم أن "تعديل الدستور يحتاج إضافة إلى الاتفاق السياسي، إلى تخصيصات مالية من أجل الاستفتاء الشعبي وإجراءات فنية ولوجستية كبيرة، ولهذا فإن أي حكومة أو فريق سياسي يسعى إلى هذا التعديل يواجه صعوبات وعراقيل كبيرة، فيُترك الأمر"، وذكّر بأن آخر تحرك في هذا الاتجاه حصل عام 2019، من دون أن ينجم عنه أي شيء.
وأكد القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني أن "القوى السياسية الكردية لديها رأي بشأن فقرات الدستور، وستعمل على تثبيت هذا الرأي في أي تعديل دستوري مرتقب، خصوصاً أنه لا يمكن إجراء أي تعديل دون الاتفاق السياسي الذي على أثره يتم الاستفتاء الشعبي من خلال القواعد الشعبية للأطراف السياسية في كافة المدن العراقية".
وتعليقاً على هذا الحراك، أوضح الخبير القانوني علي التميمي مدى إمكانية المضي في إجراء تعديلات دستورية، متحدثاً عن أنها تتطلب إجراءات طويلة.
وأوضح التميمي أن "الدستور العراقي من الدساتير الجامدة وليس المرنة، أي التي لا يمكن تعديلها إلا بإجراءات طويلة".
وبيّن الخبير القانوني أن "البرلمان لا بد له أن يشكل لجنة التعديل، وأن يوافق أولاً على تعديلاتها بأغلبية عدد أعضائه (نصف العدد الكلّي + 1)، بعد تحقق النصاب، ومن ثم يعرض التعديلات على الاستفتاء الشعبي ويوافق نصف المصوتين + 1، وألا يعترض على التعديل ثلثا المصوتين في 3 محافظات عراقية".
ولفت التميمي إلى أن "المواد التي تحتاج إلى تعديل تتلخص في شكل النظام السياسي، إذ يحتاج إلى التحول للنظام الرئاسي الذي هو الأفضل للعراق، وحلّ المادة 140 المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها والمادة 73 المتعلقة بصلاحيات الرئيس وشكل البرلمان"، ورأى أن شكل النظام السياسي من الممكن أن يكون مختلطاً كما في فرنسا، أي أن ينتخب الرئيس من الشعب وينتخب رئيس الوزراء من البرلمان وتكون صلاحيات الرئيس أكبر.
وأقرّ الدستور العراقي في عام 2005، في استفتاء شعبي قاطعه طيف واسع من العراقيين. ويتضمن الدستور بنوداً وفقرات ما زالت مثيرة للجدل، تبدأ من ديباجة الدستور الأولى التي استبدلت عبارة أن العراق دولة عربية، والموجودة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، إلى عبارة أن العراق دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب وعضو مؤسس وفعّال في جامعة الدول العربية، مروراً بمادة المناطق المتنازع عليها.
كما تم ذكر وترسيخ مفردة المكونات التي أسّست للمحاصصة الطائفية في العراق، وانتهاء بقانون البرلمان والنظام الفيدرالي الذي أعطى الحق لأي محافظة، أو عدة محافظات مجتمعة، في اختيار الذهاب نحو إقليم مستقل إدارياً على غرار إقليم كردستان.
وكان مجلس النواب قد شكّل في عام 2019 لجنة لتعديل الدستور على خلفية الاحتجاجات الشعبية، إلا أن اللجنة لم تحقق أي تقدم باتجاه التعديلات، بسبب وجود رفض سياسي لذلك.
وسبق أن دعا رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان البرلمان إلى إجراء تعديلات على الدستور، وذلك عقب تجدد الجدل بشأن المواد الفضفاضة القابلة لأكثر من تفسير وتأويل والتي تحولت إلى مشكلة تتجدد في كل أزمة سياسية.
وأقرّ زيدان بوجود أخطاء في تفسير بعض القوانين، ومنها قانون "المحكمة الاتحادية"، الذي تسبب بمشاكل سياسية، كانت آخرها أزمة "التيار الصدري" الذي أراد تشكيل الحكومة بصفته الفائز الأول بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، لكنه لم يتمكن بسبب الالتفاف حول تفسير ينص على تشكيل الحكومة عبر التحالف السياسي الأكبر بعد إعلان نتائج الانتخابات. ووفقاً للقاضي زيدان، فإن "الدستور خُرق أكثر من مرة". ويشترط الدستور العراقي لإجراء أي تعديلات فيه اقتراح رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين هذا التعديل، أو طلباً مقدماً من خُمس أعضاء البرلمان (عدد أعضاء البرلمان 329 نائباً). وجاء في المادة 126 من الدستور العراقي أن التعديل يتم بعد تصويت أغلبية النواب في البرلمان على التعديلات، ثم عرض ذلك على التصويت باستفتاء شعبي.