بلومبرغ: 2023 ستكون السنة الأولى من بقية حياتنا
27-كانون الأول-2022
بغداد ـ العالم
لفت الكاتب السياسي في شبكة "بلومبرغ" أندرياس كلوث إلى أن كلمة "تسايتنونده" كانت الكلمة الرسمية في ألمانيا سنة 2022. هي تعني ما يشبه "نقطة تحول" أو "ثورة". استخدم المستشار الألماني أولاف شولتس هذه الكلمة خلال خطاب أمام البرلمان الألماني بعد هجوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا في فبراير (شباط). ومن هذا المنطلق، ستكون 2023 أول سنة بعد تسايتنونده.
لم يدرك شولتس حينها أنّ الكلمة لا تعبر فقط عن هذه القطيعة في الجغرافيا السياسية الأوروبية بل أيضاً عن بداية حقبة جديدة في تاريخ العالم. أنهى سقوط جدار برلين سنة 1989 والانهيار اللاحق للاتحاد السوفياتي الحرب الباردة وأدى إلى تشخيص خاطئ لـ"نهاية التاريخ". عوضاً عن ذلك، بدت هجمات القاعدة ضد الولايات المتحدة في 11 سبتمبر بداية "صدام حضارات". تحل حرب بوتين العدوانية مكان جميع أطر التحليلات تلك.
جوهر الواقعية الجديدة
على أحد المستويات، تعيد فظائع بوتين في أوكرانيا العالم إلى عصور سابقة حين كانت الإمبراطوريات تشن حروب استعمار وغزو لتوسيع مناطق نفوذها. في القرن التاسع عشر، أدت تلك التكتلات إلى هيمنة الواقعية في عالم السياسة والتي نظرت إلى "توازن القوى" كهدف وحيد قابل للتحقيق. بالمثل، إن الواقعية الجديدة لحقبة ما بعد تسايتنونده ستتمحور حول محاولات لتثليث العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا وهندسة أكثر تعقيداً تشمل أوروبا وقوى وسطى مثل تركيا والهند وأوستراليا وإندونيسيا.
طويت صفحتها. حسب كلوث، ما توفي فعلاً هو المثالية التي ستود التظاهر بأن الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ومحكمة العدل الدولية وغيرها من المؤسسات العالمية قادرة على استبدال القوة الغاشمة بالقواعد والمنطق. علاوة على ذلك، إن واقع كون بعض الدول المنخرطة ديموقراطية وأخرى أوتوقراطية هو أمر ثانوي بالنسبة إلى ضرورة إعادة التوازن المستمرة.
ستؤكد أسبقيتها
في هذا العالم الجديد-القديم الشجاع، ستؤكد القوة العسكرية مرة أخرى أسبقيتها في الشؤون الدولية، بينما تعمل القوة "الناعمة" والسياسية والاقتصادية على خدمتها. سيؤدي ذلك إلى رفع شأن القتالي، مثل الولايات المتحدة، ويقلل من شأن الوديع، كالاتحاد الأوروبي التجاري والما بعد بطولي. لهذا السبب، سوف تنضم دول في الاتحاد الأوروبي مثل السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) سنة 2023. في عالم توازن وإعادة توازن القوى، تصبح التحالفات أكثر لا أقل أهمية.
ماذا عن السلاح النووي؟
قد يبدو، وفق كلوث، أن وجود أسلحة نووية سيجعل القرن الواحد والعشرين مختلفاً عن حقبات سابقة من السياسة الواقعية بما أن نشرها، وهو ما يواصل بوتين التهديد به، قد يقلب في أي لحظة طاولة اللعبة برمتها. لكن الأسلحة النووية تزيد فقط احتمالات الفشل؛ هي لا تغير منطق النظام. لم يقتصر الأمر على الولايات المتحدة وحسب، بل إن الصين والهند وقوى أخرى قيدت بوتين عن التصرف بشكل متهور مع الأسلحة النووية. بهذا المعنى الساخر، إن عالماً جديداً قديماً قائماً على توازن القوى قد يبرهن أنه مستقر بشكل يبعث على الاطمئان.
عامل خارجي... أبوكاليبتي
يكمن الفرق الأساسي بين هذه الحقبة من السياسة الواقعية والحقبات السابقة، بدءاً بثوسيديدس وصولاً إلى مترنيخ وبيسمارك في وجود عامل خارجي جديد وأبوكاليبتي. إنه التغير المناخي المدفوع بأنشطة الإنسان مع جميع تأثيراته الجانبية، بدءاً بالجوائح الحيوانية المصدر مروراً بالفيضانات والحرائق وموجات الجفاف والمجاعات وغيرها.
في عالم مثالي، تابع كلوث، ستضع البشرية التي تواجه تهديداً مشتركاً تناحرها جانباً وتتحد ضد العدو. تحت راية الأمم المتحدة أو أي بنية دولية أخرى، سيتعاون العالم للتوقف عن ضخ غازات الدفيئة وتخفيف الدمار الذي نجم عنه.
أسف
بعد تسايتنونده، للأسف، ذهب العالم المثالي. وختم الكاتب: "سنكون مشغولين جداً في موازنة القوى، لن نتعاون كثيراً، هذا إذا تعاونا. كما قلت، 2023 ستكون السنة الأولى من بقية حياتنا."