بول أوستر يتصدى لوطأة الزمن من خلال 3 شخصيات تتداخل
25-شباط-2023
إبراهيم العريس
كان ذلك قبل نحو عقدين من السنين وفي فترة نشط خلالها الكاتب الأميركي بول أوستر، الذي كان يعتبر الأكثر شعبية بين أبناء جيله من الروائيين الأميركيين الذين سيطروا بكتاباتهم ومقروئيتهم على الربع الأخير من القرن العشرين. وكان أوستر لا ينشر رواية جديدة له، حتى يكون قد بات على وشك أن يصدر كتاباً تالياً. ومن هنا ما كاد يخفّ حينها الحديث عن كتابه الذي كان لافتاً بتأرجحه بين نمط ما من السيرة الذاتية والنص الروائي والكتابة التي تقترب بشكل موارب من النقد الأدبي "في غرفة الكتابة" حتى عاد أوستر إلى الواجهة من جديد بكتاب روائي له، أجمع النقاد حينها على أنه واحد من أفضل أعماله، منذ زمن بعيد. بل إن من بين النقاد الأميركيين من وصف هذا الكتاب وعنوانه "رجل في الظلام" بأنه أفضل ما كتب أوستر منذ "الثلاثية النيويوركية".
بطل يكتب وآخر يروي
تتحدث الرواية، بلسان راويها الذي هو بطلها، عن كاتب وصحافي في السبعينيات من عمره، أفاق من حادث سير قتل زوجته وشلّه هو عن الحركة، فراح يمضي وقته في البيت وهو يشاهد، ويعيد مشاهدة، أفلام على أسطوانات مدمجة، أحياناً وحده ولكن في أحيان أخرى مع ابنته وحفيدته اللتين تعيش كل منهما حالة حب خائب تكاد تدمرها. إن صحافينا هذا، إذ هو متقاعد الآن، يدرك فجأة أنه قد أمضى كل حياته وهو يكتب وينشر مقالات صحافية لم ينتبه كثيراً من قبل إلى أنها كانت تُنسى في اليوم التالي. لذلك ها هو قرر اليوم أن يكتب مذكراته تحت عنوان "مدونات عالم يختفي". لكنه، في حقيقة الأمر، بدلاً من أن يكتب تلك المذكرات، يبدو في كل يوم أكثر وأكثر اهتماماً بأن يتخيل حكايات جنود غرباء، اختفوا خلال الحروب أو خارجها، أو أصيبوا بمرض فقدان الذاكرة. إنه في الحقيقة لا يعرف لرغبته تلك سبباً حقيقياً، كما سيكتشف ذات لحظة وهو منكب على إنجاز النص بحماسة كان هو يستغربها، لكنه يعبر عن تلك الرغبة كتابة في الوقت الذي كان يخيل إليه فيه أنه إنما يكتب فصولاً من مذكراته ومن قصة حياته.
"صدفة" الأسماء المتشابهة: مهما يكن فإن الراوي يدعى أوغست بريل وهو بالتحديد ناقد أدبي يبلغ من العمر 72 سنة يعيش بعد وفاة زوجته مع ابنته المطلقة حديثاً ومع حفيدته التي قُتلت صديقتها في الحرب. وحين يستيقظ بريل هذا يجد نفسه وحيداً في الظلام، غير قادر على النوم، فلا يكون منه إلا أن يخترع في هذا النص الذي يكتبه قصة أوين بريك – ومن المهم ملاحظة التشابه النسبي بين اسم الكاتب واسم بطل روايته، ولكن كذلك التشابه بين اسم بول أوستر واسمي الشخصيتين، الكاتب في الرواية وبطلها المخترع في الرواية داخل الرواية في لعبة مرايا مدهشة -. المهم أن بريك بدوره يستيقظ يوماً ما في ظلام حفرة لا يستطيع الخروج منها بمفرده، ويكتشف كونه مرتدياً زياً رسمياً. ولكن ليكتشف ما هو أخطر من ذلك بكثير: أن بلاده، الولايات المتحدة، تعيش الآن في خضم حرب أهلية جديدة، حرب انفصال. لا يبدو أن لها أية علاقة لا بهجمات 11 سبتمبر (أيلول) ولا بحرب الخليج أو حرب العراق، أما بول أوستر فإنه يتنقل هنا من قصة إلى أخرى: الذكريات المؤلمة للرجل العجوز المصاب بالأرق الذي أصيب بالشلل إثر تعرضه لحادث السير. نقاشاته مع حفيدته التي تخلت عن دراستها السينمائية بعد وفاة صديقتها، والتي يقضي معها أيامه في مشاهدة الأفلام ثم مناقشة الحلقات التلفزيونية والمشاهد السينمائية المهمة معاً؛ وذلك في نقاشات عميقة تتخلل قصة أوين بريك، التي اخترعها في محاولة منه ليصطاد ذكرياته، والتي يلعب فيها هو نفسه دوراً سيبدو في نهاية الأمر شديد الغموض ويصعب معرفة ما إذا كان دوراً يعكس حكاية حياة وموت بريل نفسه، بالتالي دوراً يعكس حياة بول أوستر المعاد اختراعها وتوليفها من خلال مزج الحياتين الأخريين.
من جيل الشباب: النقاد الذين قرأوا الرواية يومها وكانوا أول من تناولها في أمهات الصحف الأميركية قبل أن تترجم إلى لغات أخرى، وصفوها بأنها تتأرجح "بشكل خلاق بين العمل التوثيقي والعمل التخييلي"، بحيث تبدو في نهاية الأمر أشبه بتأمل هادئ وواعٍ حول الإنسان والكتابة والوحدة، ناهيك بأنها في الوقت نفسه تأمل في الحياة الزوجية وعاطفة الأب تجاه أولاده... فهل معنى هذا أن بول أوستر، الذي لم يبلغ بعد عمر بطله، يحس بشكل موارب بثقل السنين يغزوه؟. ذلكم هو السؤال الذي كان في خلفية معظم الكتابات النقدية التي تناولت "رجل في الظلام". وكان في الحقيقة سؤالاً مفاجئاً شغل بال أوستر نفسه ولا سيما أن قراء هذا الكاتب الذي يجمع بين النخبوية والحس الشعبي في أدبه، كان، حتى كتابته تلك الرواية على الأقل، ينظر إليه بوصفه من جيل شاب يعرف أنه عندما يكتب، ينظر إلى المستقبل بأمل وتطلع يرتبط دائماً بمشاريع كتابية مقبلة. فما باله اليوم "جالس في الظلام يتفحص الماضي الذي يبدو الآن على شيء من الغموض بالنسبة إليه، ويطرح أسئلة حاضر ها هو يعيشه وكأنه ليس حاضره. بل حاضر شخصيات كثيرة عاشت في صفحات رواياته السابقة؟". مهما يكن ها هو الآن من خلال تلك الوقفة في محطات أساسية من حياة بطل روايته الجديدة يدرك أنها إنما كانت دائماً مرايا لذاته. مرايا لم يتنبه وهو يوصّفها بأنه إنما يوصّف حالته الخاصة.
تقارب ما مع "الرواية الجديدة": لقد تحدث كثر من النقاد بصدد "رجل في الظلام"، عن تقارب، لم يبد لأي منهم مقصوداً، بين جوهر ما يقوله أوستر في هذه الرواية، وما أراد روائي التشيئ – أي التركيز على "الأشياء" بشكل "موضوعي" بصورة مطلقة، كما تناولها في رواياته، الفرنسي آلان – روب غْرييه، زعيم تيار الرواية الجديدة القائم على نوع من فلسفة فينومينولوجية تصف الأشياء من خارجها أي في ظاهرها بصرف النظر عما يجمعها بالكاتب كذات -، ما أراد أن يعنيه حين وضع في أخريات حياته كتاب مذكرات له بعنوان "المرآة التي تردّ الصورة"، من أنه في نهاية الأمر لم يكتب إلا عن ذاته فيما كان يخيل إليه أنه لا يكتب إلا "بصورة موضوعية" عن كل الأشياء الأخرى البعيدة عن الذات؛ وصرح يومها قائلاً لمن طرح عليه السؤال الحائر الذي يرتبط بما كان يقوله دائما عن الكتابة من أنها يمكن أن تكون كتابة موضوعية، قائلاً: "لكننا في نهاية الأمر لا نكتب إلا عن ذاتنا". ولا شك أن كثراً من النقاد الذين تناولوا رواية بول أوستر هذه منذ صدورها في عام 1908 راحوا يتساءلون عما إذا لم يكن هذا الكاتب الذي تضاهي ثقافته موهبته ويخوض الإبداع نثراً وشعراً، ومن طريق الرواية وكتابة السيناريوات لأفلام سينمائية روائية أو وثائقية ، بل لا يتوانى بالنسبة إلى بعضها عن التحول إلى مخرج لها كثيراً ما حدث له أن دخل بها إلى المهرجانات، راحوا يتساءلون عما إذا لم يكن في ذلك الكتاب الجديد قد شاء إعلان موقف إيجابي تجاه ما كان سلفه روب – غرييه قد اتّهم به من أنه انحرف في آخر حياته عن الكتابة الموضوعية التي ميزت "الرواية الجديدة" بكل ما أنتجته من أعمال لروب - غرييه نفسه كما لناتالي ساروت وميشال بوتور وحتى كلود سيمون الذي أوصلته الرواية الجديدة إلى نيل نوبل للآداب (1986).
جائزة سينمائية في انتظار نوبل
بقي أن نذكر أن بول أوستر المولود في نيوجرسي عام 1947 يعتبر منذ إصداره كتاباً مبكراً له هو "اختراع العزلة" واحداً من كبار الروائيين الأميركيين المعاصرين ومن أهم أعماله التي نالت شهرة عالمية ونجاحاً كبيراً في بلاده الأميركية، "ثلاثية نيويورك" و"موسيقى الصدفة" و"موون بالاس" و"كتاب الأوهام" و"ليلة العراف" إضافة إلى "رجل في الظلام". كما أنه في المجال السينمائي شارك المخرج آنغ لي إخراج فيلم عن مانهاتن كتبه بنفسه، كما حقق وحده فيلمه "دخان" الذي فاز بجائزة أفضل سيناريو في مسابقة الروح المستقلة في السينما عام 1995.
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech