بين الملكية والجمهورية.. ضياع فرص كبرى للبناء والتقدم
7-تموز-2024

حسين فوزي
تحل الذكرى السادسة والستون لتحرك اللواء العشرين نحو بغداد واسقاط النظام الملكي الهاشمي في العراق يوم 14 تموز 1958، بدل توجهه للأردن لدعم سلطاته، على إثر تصاعد الازمة في لبنان ضد الرئيس كميل شمعون الرافض لمطالب غالبية اللبنانيين غير الموالين للغرب، وتصاعد مطالب الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة.
وتأتي المناسبة هذا العام بعد تشريع مجلس النواب قانون الأعياد الوطنية العراقية، الذي عد قبول العراق في عصبة الأمم في 3 تشرين الأول 1932 العيد الوطني العراقي، بدلاً من 14 تموز اليوم الذي أعلن إقامة النظام الجمهوري.
والمفارقة هي ان المؤسسة التشريعية الراهنة، تكرس يوم 3تشرين الأول يوماً وطنياً لتأسيس الدولة مع انها جزء من مؤسسات الجمهورية الخامسة، وليس النظام الملكي الذي تكرست شرعيته الدولية المستقلة في ذلك اليوم.
وفي تاريخ عراقنا المعاصر مفارقات كبيرة متعددة، فالدولة العراقية غيرت رايتها الوطنية أكثر من 5 مرات، كذلك نشيدها الوطني، فيما يؤرخ العالم أن أغلب الدول لم تغير رايتها ونشيدها الوطني إلا مرتين. فمثلاً فرنسا كانت لها رايتها الملكية التي استبدلت براية ثلاثية الألوان، تعددت تفسيرات الوانها، لكنها ظلت ترمز لطموح رفض السلطة المطلقة للملك والكنيسة والنبلاء، بجانب نشيد الثورة المارسيليز، ثم عادت لراية النظام الملكي البيضاء ونشيده الوطني، واستقر الأمر بالأخير على راية الثورة ونشيدها.
أما في "الروسيا"، فكانت راية الاتحاد السوفيتي الحمراء وشعار العمال والفلاحين ونشيده الوطني، ثم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عادوا لراية "الروسيا" القيصرية (جمهورية روسيا الاتحادية).
الأمانة التاريخية
----
أما بالنسبة لتاريخ بلدان العالم، فأنها سجلت بوضوح منجزات ومساوئ حكام البلاد، بدون "الدمغة" الجاهزة بالتخوين والعمالة، إلا نحن. وسجلت الشعوب بشيء كبير من الموضوعية عيوب ومنجزات الأنظمة المخلوعة التي ثارت عليها. وفي هذا الشأن اسمح لنفسي بالإشارة إلى تعامل الشعوب الإيرانية مثلاً مع قصور الشاه وسجله السياسي، فلم يمسس أي من قصوره، وبقيت بكل ممتلكاتها، حتى أخف الأشياء فيها، لم ينهب شيء أو يحطم، فهذا التعامل مع ممتلكات الملك، مع كل الغضب الكامل في وجدان جماهير الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضد "الشاهنشاه" المخلوع يعني أن الشعوب الإيرانية لا تعيش قيم البداوة في النهب والسلب والتدمير.
بين فيصل المؤسس ونوري باشا وعبد الكريم قاسم
-----
بعد هدوء الحماس والاندفاع الشعبوي في الأيام الأولى بعد 14 تموز، ومآسي التعامل الوحشي مع رمزي النظام، الأمير عبد الإله ونوري باشا، وعلى إثر انقسام صفوف ضباط التغيير العسكري وانقسام الشارع العراقي، وبدء مرحلة من التشاحن حد المواجهات العنيفة، وصولاً إلى 8 شباط الدامي، بدا المواطنون يراجعون اموراً عديدة.
ففي المقدمة احس العراقيون أنهم في ظل النظام الملكي لم يواجهوا مثل المذابح التي يعيشونها، فيما بدأ المثقفون يقيمون تجربة المملكة العراقية الهاشمية، بدءاً من التأسيس وحتى الأيام الأخيرة قبيل 14 تموز، وسياسة نوري باشا السعيد والأمير عبد الاله وفاضل الجمالي .. الخ. وهناك حقيقة كبرى هي أن مجموع إعدامات النظام الملكي في 38 عاماً لا تتعدى اعدامات يوم واحد من أيام الجمهورية، بدءاً من 8 شباط الأسود.
وبدأت حالة من الوعي تشخص أن فيصل الأول ونوري باشا وصحبهما كانوا جمعاً قاتل التتريك وامن بتميزه القومي، ثم الوطني، وحق العرب في الاستقلال، بالأقل ضمن دولة اتحادية، برغم أن البعض لحد هذا اليوم يستسهل دمغ نوري باشا بالعمالة للإنجليز، بدون إدراك أنه تعامل مع الإمبراطورية البريطانية من منطلق أنها قوة عظمى قادرة على سحق خصومها، ومن هذا الوعي الاستراتيجي كان يقتدي باستراتيجية الأمير فيصل في السعي إلى ان تكون هناك عملية تخادم بين القوة العظمى البريطانية وغيرها وبين طموحات العراقيين وبقية العرب في الاستقلال وبناء دول قادرة على النهوض بالمواطنين معيشياً وصحياً وثقافياً. وهكذا كان، فبعد ان اقتضت اتفاقات سايكس بيكو طرده من عرش سوريا، تمكن بحنكته من أن يوظف الحراك العراقي المسلح لإقامة دولة العراق الحديث بالتعاون مع جمع الضباط الحجازيين من عراقيين وسوريين ايضاً.
واذكر جيداً ان الجراح ووزير الخارجية المصري المقرب من عبد الناصر والمحبوب من الرفاق السوفييت أ. د. مراد غالب المقرب من القائد العربي عزيز المصري قال لي عام 1986 في وصفه نوري باشا السعيد "إنه من الاباء المؤسسين للحركة القومية العربية".
والحقيقة إن فيصل الأول كان يتطلع، وفقاً لرسالته الشهيرة إلى مجلس الوزراء العراقي بعد قبوله في عصبة الأمم، في توفير فرص عمل عبر التصنيع على بساطة طرحه، والدعوة إلى إيثار المسؤولين وتجردهم. ولم يكن نوري باشا مليونيراً ولا بنى القصور لإقامته وعائلته في وهم ملكي باذخ كما شهدنا بعد 1979، او تجرد الفريق عبد الكريم قاسم.
ما بعد تموز والشعارات الثورية
----
وبعد إسقاط النظام الملكي، وفي ظل تصاعد موجة حركات التحرر الوطني والنزوع نحو العدالة الاجتماعية، سعى الزعيم قاسم إلى تعجيل تنفيذ الكثير من مشاريع مجلس الإعمار، وتخطي تخوف نوري باشا من أن يكون التصنيع والدراسات الاكاديمية العليا الحاضنة لحركة يسارية واسعة، فكانت الخطة الخمسية الأولى لإقامة صناعة خفيفة ووسيطة، بجانب إقامة جامعة بغداد، والانفتاح على المعسكر الاشتراكي.
وعملياً فأن حب الزعيم قاسم للفقراء وسعيه لحل مشكلة السكن واستبدال "صرائف" المهاجرين من ريف الجنوب والوسط بمدينتي الثورة والشعلة، منجز كبير، تعتم عليه القوى اليمنية من اقطاعيين وكبار وكلاء الرأسمال الأجنبي، بدعم من القوى الغربية، بحكم طبيعة الحرب الباردة المستعرة، منذ مطلع 1947، في ظل حقيقة أن الإصلاحات ببعدها الإنساني تحتاج إلى خطة تنمية مستدامة تتولاها إرادة مجتمعية واعية او ملتزمة بالأقل، مع ضرورة توفير استقرار داخلي وحشد يوحد إرادة الشعب لتحقيقه.
وفي السياق نفسه فأن كثر من التقدميين دأبوا على تجاهل منجزات وبقية إيجابيات النظام الملكي وابتعاد رموزه عن اية ممارسات دكتاتورية، عدا ما ما رسه الفريق بكر صدقي من قمع لعشائر الجنوب والآشوريين في ثلاثينات القرن الماضي.
وها هي تحل ذكرى 14 تموز، والعراق تعطلت اغلب صناعات قطاعه العام والخاص، وانحسار الزراعة نتيجة ندرة المياه من دولتي المنبع، تركيا وإيران، بجانب التصحر.
والعراق الذي كان قرابة 7 ملايين مواطن عام 1958، أصبح الان أكثر من 40 مليوناً، لكن التحديات التي تواجهه تراجعت بفعل حالة التفكك التي خططت لها المخابرات المركزية والاستخبارات العسكرية الأميركيتين بعد 2003، في إشاعة تنازع طائفي، وترجيح طروحات المكونات، وهجمة الجوار على التراب العراقي واستحواذ منتجاته على السوق العراقية.
رحل فيصل الأول وهو يحلم بإقامة دولة عربية كبرى نواتها وحدة العراق وسوريا الكبرى.
وقتل نوري باشا السعيد والأمير عبد الإله والفريق الركن عبد الكريم وكان حلمهم دولة عراقية ترفل بالرخاء، لكن الحرب الباردة، وحسابات الزعامة المصرية التاريخية منذ زمن محمد علي باشا، وظفت قلة صبر جموع المحرومين واشباه المثقفين وسياسيي المقاهي، لتشيع الحالة التي نعيشها اليوم، سواء باسم الثورة والتقدم أو ادعاءات الدفاع عن قيم الدين تستراً على مطامع شخصية وفئوية وليس مصلحة غالبية الشعب وسيادة جمهورية العراق المستقلة، حيث العقول لا تدرك أهمية تكتيك التخادم مع الكبار والجوار من اجل استراتيجية جليلة، وحيث يغذى (بضم الياء) الطموح المشروع في رغيف الخبز على حساب الكثير من قيم الإيثار والعطاء التي دأبت عليها طلائع المجتمع من اجل بناء وطن حر يمتلك اكبر قدر من الإرادة والتخطيط في توظيف موارده لبناء حياة افضل ومستقبل واعد...
وها نحن في ذكرى 14 تموز لم نحافظ على مسار الملكية الهاشمية، ولا طموحات الجمهورية الخالدة للزعيم قاسم، ولا الأمة العربية الخالدة، التي حولتها أوهام الشمولية إلى دول متنافرة، بجانب أفدح الخسائر في حروب عبثية مع الجوار وكبار العالم.

النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech