بغداد ـ العالم
قبل أن يصادق مجلس الوزراء يوم أمس على قرار البنك المركزي العراقي بتخفيض سعر صرف الدولار الى 1300 دينار عراقي، روّج مسؤولون حكوميون ومدونون وماكينات إعلامية، يوم أمس، توجها سياسيا لذلك التخفيض، لكن اقتصاديين وفي قراءة أولية في القرار الحكومي حذروا من أنه سيعقّد إقرار الموازنة ويؤخرها اكثر، كما أنه يعمّق العجز فيها، إلى جانب عدم فائدته في السيطرة على أسعار الدولار في السوق المحلية، إذ أن الطلب سيزداد، وبالتالي تنتعش المضاربات ومحال الصرافة والبنوك.
وكان مستشار رئيس مجلس الوزراء ضياء الناصري، أكد انه سيتم تخفيض سعر صرف الدولار، وفقاً لمقترح البنك المركزي.
وقال الناصري في تغريدة له على تويتر انه "سوف يتم تخفيض سعر صرف الدولار بحسب مقترح مقدم من البنك المركزي العراقي إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني". وضمن السياق، قال مصدر مسؤول، ان البنك المركزي أنجز دراسته بشأن خفض سعر صرف الدولار، وقدمها الى رئيس الوزراء.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء في بيان تلقته "العالم"، إن "مجلس الوزراء صادق على قرار مجلس إدارة البنك المركزي العراقي بتعديل سعر صرف الدولار مقابل الدينار، بما يعادل 1300 دينار للدولار الواحد".
وكانت محادثات تمهيدية عراقية اميركية قد شهدتها مدينة اسطنبول التركية الجمعة الماضية بين وفدين من البنك المركزي العراقي برئاسة رئيسه علي العلاق والخزانة الاميركية برئاسة مساعد وزير الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية برايان نيلسن الذي اكد "وجوب منع الجماعات الفاسدة والمحظورة من الاستفادة من النظام البنكي العالمي عبر العراق ومنع تبييض الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب".
واشارت الخزانة الأميركية في بيان عقب الاجتماع الى انه قد تمت مناقشة موضوع "مكافحة تبييض الأموال في العراق وتهريبها الى مجاميع إرهابية".
وسيحاول الوفد العراقي الى واشنطن اقناعها بتأجيل العمل بالمنصة الجديدة لصرف الدولار التي قررتها الخزانة الاميركية عدة أشهر "على الاقل لشهر حزيران المقبل"، لأن "الدخول في المنصة يتطلب الحصول على اجهزة متطورة وتدريب كوادر على تلك الاجهزة".
والاسبوع الماضي، اعترف السوداني للمرة الاولى بتهريب الدولار الى الخارج، وقال في مقابلة مع القناة الرسمية إن تهريب الدولار امر واقع كان يتم عبر فواتير مزورة، وكانت الأموال تخرج ويتم تهريبها، "وإلا فما الذي كنا نستورده مقابل 300 مليون دولار يوميا؟".
وبحسب رئيس الوزراء، عمليات التهريب كُشفت من خلال تطبيق نظام "سويفت" الذي فرضته الخزانة الاميركية على صرف الدولار في العراق وهو تطبيق يأتي لدخول بعض الدول بالعقوبات ويفرض تتبعا للدولار ليس فقط من قبل البنك الفيدرالي الأميركي وإنما أيضا من قبل تحالف يضم 30 دولة حول العالم لها مصالح واتفاقات بشأن العقوبات سواءً على ايران أو روسيا أو غيرهما من الدول. وسجلت أسعار صرف الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي انخفاضا ملحوظا، في البورصة الرئيسية بالعاصمة بغداد، وإقليم كردستان، أمس الثلاثاء. وفي بورصتي الكفاح والحارثية المركزيتين ببغداد سُجل عند الساعة 1.50 بعد ظهر امس سعر صرف بلغ 154000 دينار عراقي مقابل كل 100 دولار أمريكي. كما انخفضت اسعار البيع والشراء في محال الصيرفة بالأسواق المحلية في بغداد، حيث بلغ سعر البيع 155000 دينار لكل 100 دولار، بينما بلغت أسعار الشراء 153000 دينار.
أما في اربيل ـ عاصمة اقليم كردستان ـ فان الاسعار انخفضت ايضا حيث سجل البيع 157500 دينار لكل 100 دولار، وبلغ سعر الشراء 157400 دينار.
وكان سعر الدولار الواحد قد ارتفع خلال الأسابيع الأخيرة الى أكثر من 1700 دينار عراقي.
ومنذ ثلاثة أشهر تعاني الأسواق العراقية أزمة عقب انخفاض سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي الى ما دون السعر المحدد من قبل البنك المركزي ما أدّى الى ارتفاع الأسعار وخروج احتجاجات في بغداد ومحافظات جنوبية حيث وصل بداية الشهر الحالي الى 1760 ديناراً عراقياً لكل دولار.
وعزا مراقبون هذا الانخفاض الى قرب المباحثات التي سيجريها وفد عراقي رفيع برئاسة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية فؤاد حسين برفقة المحافظ الجديد للبنك المركزي علي العلاق ووزيرة المالية طيف سامي، يومي الاربعاء والخميس المقبلين، في محاولة لإقناع الأميركيين بإلغاء شروط الخزانة الأميركية الأخيرة على صرف الدولار أو على الاقل تجميدها لبعض الوقت، والتي هدفت الى وقف تهريبه الى الخارج.
وقال المحلل الاقتصادي مصطفى الفرج لمراسل "العالم"، ان التخفيض الاخير لأسعار صرف الدولار، سيخلق عجزا أكبر موازنة 2023، كما انه سيبقي سعر صرف الدولار في السوق الموازي قريبا من سعره الحالي، معللا ذلك بأنها "مسألة عرض وطلب".
واضاف الفرج، أن "التخفيض سيكون عديم النفع على السوق والمواطن، وستستفيد شركات الصرافة والوسطاء والمضاربون"، مؤكدا أنه "حتى لو ارتفع سعر صرف الدينار مؤقتا فأنه سيعاود الانخفاض مرة اخرى".