بغداد ـ ياسر الربيعي
يحتمل أن يتدفق النفط من حقول اقليم كردستان الى ميناء جيهان التركي قريبا، بعد توقفه لعدة شهور، لكن هذه الخطوة بحاجة الى "تسوية" العديد من القضايا السياسية والتجارية.
يشار الى ان ملف النفط طالما أزّم الأوضاع والعلاقات بين بغداد وأربيل، وقد شكل النفط من حقول كركوك الى جيهان، جزءا محوريا في النزاع بين الطرفين.
وتم التوصل الى اتفاق بين تركيا والعراق لمد خط أنابيب من حقول كركوك الى ميناء جيهان على البحر الأبيض المتوسط في العام 1973، وهو خط يتألف من أنبوبين بقطر 40 إنش و46 إنش، وجرى تشغيل اول خط انابيب في العام 1977، بينما جرى تشغيل الثاني بعدها بعقد من الزمن، لكن الخط لحقت به أضرار وجرى إهماله.
وفي العام 2010، جرى توقيع تعديل على الاتفاقية الاصلية من قبل الجانبين، يقضي باستخدام خط الأنابيب المتبقي من اجل نقل وتحميل وتخزين النفط الخام العراقي. أما خط الأنابيب الثاني فإنه لم يكن جاهزا للعمل، وعلق الاتفاق مؤقتا الضمانات بان العراق سيضخ الحد الادنى من كمية النفط عبر شبكة خطوط الأنابيب.
وبعد ثلاث سنوات من ذلك، قامت حكومة اقليم كردستان بتفعيل خط الانابيب المهجور البالغ قطره 40 إنش، ثم بدأت في تصدير النفط عبره من حقول خورمالا دوم وطاوكي وشيخان الواقعة تحت سيطرتها، وهو ما أثار اعتراض الحكومة الاتحادية باعتبار ان الاقليم ليس له الحق في تصدير نفطه عبر تركيا، وان ذلك يشكل مخالفة لشروط الاتفاق الاصلي، وهو ما كان بمثابة بداية معركة قانونية استمرت 9 سنوات بين بغداد وانقرة.
وقد حكمت محكمة التحكيم الدولية في باريس في شهر اذار من العام الحالي لصالح الحكومة الاتحادية، واعترفت أنقرة بالحكم واغلقت خط الانابيب بشكل فوري. وكنتيجة لذلك اكتملت تماما طاقة التخزين المحلي في كردستان، ما أجبر الشركات المشغلة على تقليص الانتاج في ظل تشبع السوق المحلية.
وبالتالي فان التراجع الكبير في انتاج النفط فرض ضغوطا غير مسبوقة على الموارد المالية لحكومة الاقليم التي وافقت في نيسان على ان تتم عمليات بيع النفط من الحقول الخاضعة لسيطرتها من قبل شركة تسويق النفط "سومو"، على ان يتم وضع العائدات المالية في حساب مصرفي خاص يسيطر عليه الكرد ويكون مكشوفا امام الحكومة الاتحادية.
وفي حزيران، صدر قانون جديد يحد بشكل كبير من سيطرة الاقليم على عائدات مبيعات النفط، وفرض على اربيل تسليم 400 الف برميل يوميا من النفط الى بغداد مقابل الحصول على حصة من الميزانية الاتحادية، وهو ما وافقت عليه حكومة الاقليم على مضض بشكل جزئي، حيث سلمت في البداية حوالي 50 الف برميل يوميا، وزادت بحلول آب لتصل الى 200 الف برميل يوميا. اما الحكومة الاتحادية فقد وافقت من جهتها، على تمويل مؤقت محدود لمدة ثلاثة اشهر للاقليم بقيمة 538 مليون دولار امريكي، وهو ما يكفي من اجل دفع رواتب موظفي القطاع العام، الا ان القضايا الرئيسية ظلت من دون تسوية.
يشار الى انه جرت مؤخرا مباحثات بين "سومو" وحكومة اقليم كردستان وشركة خطوط الانابيب الحكومية التركية "بوتاش"، حيث انجزت بعض التقدم نحو اعادة تشغيل خط الانابيب، وتم تناول رسوم خطوط الانابيب وجودة وكمية صادرات النفط، والحد الادنى من الانتاجية، واعادة التصدير.
ويبدو نه من الناحية النظرية، بالامكان الان البدء بالسماح بتدفق النفط عبر خط الانابيب مجددا، الا انه لكي يتحقق ذلك، فانه تتحتم تسوية عدد من المسائل السياسية والتجارية؛ حيث يتحتم على "سومو" اولا توقيع اتفاقيات شراء مع تجار النفط الذين اشتروا في السابق الخام من حقول الاقليم. وثانيا، يجب معالجة المسائل القانونية بين انقرة وبغداد والموافقة على الشروط والتعريفات المستقبلية لخط الانابيب. اما ثالثا، فإنه يجب التوصل الى اتفاقية تتعلق بكيفية قيام الحكومة الاتحادية بدفع عائدات حكومة الاقليم من النفط المصدر عبر خط الانابيب.
وطبقا لتقديرات اتحاد صناعة النفط في كردستان، فانه توقف تصدير الخام أسفر عن خسارة 7 مليارات دولار في عائدات التصدير منذ اغلاق خط الانابيب في اذار 2023.
تقول مصادر رسمية ان "تركيا بعد تراجعها عن الاجراءات التي اضطرت لتطبيقها لاسباب فنية، وقررت اعادة فتح خط الانابيب، بامكانها الان البدء في فرض رسوم على الحكومة العراقية مقابل تعريفات خطوط الانابيب بموجب شروط تعديل العام 2010".
وقالت ان "اجمالي الرسوم الجمركية سيصل الى حوالي 25 مليون دولار شهريا، ما يخلق حافزا ماليا لبغداد لتسوية مطالبات التعويض المتنافسة مع تركيا، وحل مشكلات الميزانية وتقاسم الايرادات مع حكومة اقليم كردستان واستئناف صادرات النفط، حيث تشير التقديرات الى ان الحكومة الاتحادية تتكبد يوميا اكثر من مليون دولار كغرامات مالية لعدم وفائها بالتزاماتها".
ويرجح مراقبون ان يعود خط الانابيب للعمل بنصف طاقته الانتاجية المسجلة في كانون الثاني 2023، اي حوالي 500 الف برميل يوميا، من بينها 130 الف برميل يوميا قادمة من حقل خورمالا و100 الف برميل يوميا اخرى من الحقول التي تديرها شركة نفط الشمال، الا انه من المتوقع ان تقوم شركات النفط بالمطالبة بالحصول على ضمانات اكثر وضوحا تتعلق بالمدفوعات.