تساؤلات بلاسخارت
10-تشرين الأول-2022
مازن صاحب
ليست المرة الأولى التي تنتقد فيها ممثلة الأمم المتحدة في العراق (فشل العملية السياسية) لكن مضمون النقد كان بأوضح العبارات وادقها في احاطتها الأخيرة امام مجلس الامن الدولي، يأتي هذا الإفصاح المباشر بلغة دبلوماسية قاسية وسط أوضاع تعكس حالة الإحباط عند المجتمع الدولي، فاذا يفترض بالأمة العراقية صعود الجبال حين يستجيب القدر، فان الحلول المطروحة معروفة اما بقيادة العراق بحدوده الجغرافية الدولية المعروفة او ان يعيش بين الحفر حينما لا يستطيع من يتصدى بعنوان (قادة) التعامل مع بحور الازمات نحو شواطئ الأمان الإنساني أولا بعنوان كبير (عراق واحد وطن الجميع) .
حددت بلاسخارت تساؤلاتها عن ضمانات الانتخابات المقبلة بقولها ((ما هي الضمانات بأن إجراء انتخابات وطنية جديدة لن يذهب سدى مرة أخرى؟ كيف سيقتنع المواطنون العراقيون بأن الأمر يستحق الإدلاء بأصواتهم؟ وما هي التطمينات التي سيحتاجها المجتمع الدولي لتقديم الدعم للانتخابات الجديدة؟)) فأنها تعكس وقائع أسسها الإباء المؤسسون لعراق ما بعد 2003 حيث كان الاتفاق على تطبيق مبدأ (الفيدرالية لكردستان والديمقراطية للعراق) ثم انزوى هذا المبدأ من سياقات تطبيق البرامج الحكومية باتجاه حكومة المكونات القومية والطائفية وبات من المقبول ان يتحدث الساسة عن هويتهم الكردية قبل انتماؤهم العراقي او نفط الشيعة قبل نفط العراق او حقوق السنة قبل حقوق العراق، هذا التغييب المتعمد كليا في أخطاء التأسيس الدستورية لم يولد أحزابا عراقية بالعنوان القانوني المتعارف عليه في دولة لها عمق حضاري ومطلوب ارتقاء عنوان سيادتها في الوقت الحاضر تحت عنوان هوية وطنية دستورية.
وادى تقديم الهويات الفرعية التي لها شتى أنواع المبررات في الاجندات الحزبية او الإرث الفكري او العقائد المذهبية والقومية، فيما ما زال العراق دولة تنتهك يوميا بهذه العناوين الفرعية، واذا حاولنا نبش التاريخ المعاصر منذ تأسيس الدولة العراقية حتى 2003 عن جرائم ارتكبت ضد هذه المجموعات او تلك بعناوين المكونات التي تدافع الأحزاب عنها اليوم، مقابل ما ارتكبته ضد الامن السيادي للدولة، لن يصل النقاش بل الجدل الى جواب ايهما قبل الاخر هل المكونات التي وجدت ذاتها الإنسانية ضمن رقعة دولة العراق بعد اتفاق سايكس – بيكو هي التي ارتكبت الفواحش ضد الامن القومي للدولة العراقية ام ان احتكار العنف في بطش الدولة لإنفاذ القانون سبب ارتكاب هذه الفواحش التي وصلت حد قتال العراقي ضد بلاده في الحرب العراقية الإيرانية، إضافة الى ما يمكن وصفه من انتكاسة كبرى في حل الفضية الكردية حينها.
فيما وصلت اليوم الى حالة الاستفتاء العلني على الاستقلال عن دولة العراق، فيما المفترض ان يجلس كبراء القوم في هذه المجموعات البشرية التي وجدت ذاتها امام تقسيم استعماري ظالم للبحث عن سبل العيش الكريم المشترك وليس العكس، الذي يتجسد فيما اضافه تشخيص بلاسخارت ((إن النظام السياسي ومنظومة الحكم في العراق يتجاهلان احتياجات الشعب العراقي، أو حتى أسوأ من ذلك، يعمل بنشاط ضدها. ويمثل الفساد المستشري سبباً جذرياً رئيساً للاختلال الوظيفي في العراق. وبصراحة، لا يمكن لأي زعيم أن يدّعي أنه محمي منه))، فمثل هذا التوصيف لم يقال حتى عن أسوأ بلدان العالم فسادا غير العراق، بما ينفي كليا الرغبة بصعود الجبال لان من يسعى الى ذلك ربما عليه المبادرة الى قيادة خارطة الحلول وهي كثيرة حينما تكون من اجل (عراق واحد وطن الجميع) وليس دويلات المكونات القومية والطائفية كل منها على حساب الأخرى بشتى الوسائل التي كسرت جرة الدستور وجعلته ارخص من ثمن الحبر الذي كتب به وهذا يؤكد ان شعارات التحرر والانعتاق نحو فضاءات الحرية التي كان العراقي ينتظرها بعد أصبحت 2003 لم تكن نتائجها الا محض هراء سياسي بعناوين براقة للديمقراطية بتطبيقات (مفاسد المحاصصة)، بعد ان ازيل منها "تطبيق المواطنة" واستبدلت هويتها بالهويات الفرعية، وانتهت الى حالة افتراء على التاريخ المعاصر!!
ما أؤكد عليه، ان ما وصلنا اليه جميعا في الرغبة لصعود الجبال فرادا وجماعات وليس كدولة، سببه تلك القناعات التي أوقفت عجلة التطور المدني الحديث في بناء الدولة وتفعيل سبل دعمها من قبل أحزاب وطنية كان من الممكن ان تؤسس على خلفيات قومية ومناطقية للاشتراك في انتخابات مجلس النواب الاتحادي، فيما يمكن لتلك الأحزاب مواصلة اعملها في مناطقها وفق التصور الديمغرافي للمجموعات البشرية التي تقطن تلك المناطق، لكن الالتفات لتلك الهويات الفرعية واعلاء راياتها على راية الدولة، فكك أسس الدولة وتفسخت وتشرذمت بأفعال الجميع مسؤول عليها كما تذهب الى ذلك الممثلة الأممية في العراق، فالجميع مسؤول عن حالة الفشل ولا يمكن لاي طرف كان ان ينأى بحزبه عن مفاسد المحاصصة فكل حزب بما لديهم فرحون ... ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!