تقرير امريكي يرصد حقبة بريمر في العراق وحديث عن «الكارثة الأكبر»
3-أيار-2023
بغداد ـ العالم
وصف موقع "المجلس الاطلسي" الامريكي الحاكم المدني السابق في العراق بول بريمر بأنه ربما يكون أكثر مسؤول ينتقد لدوره وقراراته فيما بعد سقوط نظام صدام، الا ان التاريخ إنْ أعاد التفكير بدوره، ربما يكون عن غير قصد، قد جنب الولايات المتحدة والعراق، كارثة اكبر مما حصل.
وذكر التقرير، بان "بريمر كان لمدة عام رئيس سلطة التحالف المؤقتة الذي حكم العراق، وهو يوصف بانه من "أشرار" الحرب واكثر من تم القاء اللوم عليهم بالكارثة، وتعرض لانتقادات بسبب تبذير اموال اعادة الاعمار وسوء التنظيم".
الا ان التقرير الامريكي اعتبر ان اشهر قرارات ولاية بريمر وأكثرها اهمية تتمثل بقراره في 16 ايار/مايو العام 2003، تطهير الحكومة العراقية من اعضاء حزب البعث وحل الجيش العراقي في 23 مايو/ايار العام 2003.
ولفت التقرير الى ان هذين القرارين تعرضا لانتقادات لانهما تسببا في اغراق العراق في هاوية التمرد والحرب الاهلية، لان بريمر بضربة واحدة القى مئات الالاف من الشباب الذين تلقوا تدريبات عسكرية في الشارع بلا عمل، في حين ان القرار باجتثاث البعث، خلق كوادر من نخب النظام السابق ممن يتمتعون بصلات وخبرة والدهاء السياسي ما أتاح لهم تنسيق المقاومة فورا ضد المشروع الامريكي الجديد، مشيرا الى ان الواقع اظهر ان بعض نخب هذا النظام وجنوده، انتهى بهم الامر بأن ساعدوا على انشاء تنظيم داعش الذي شكل تهديدا وجوديا لدولة العراق.
وذكر التقرير بان بريمر اعترف لاحقا بالتطبيق السيء لبعض هذه القرارات.
وتابع التقرير ان حل الجيش تسبب في زعزعة الامن العام واستقرار الدولة في وقت بدا فيه ان الفوضى تخرج عن نطاق السيطرة، اذ ان ظواهر الفوضى والنهب سرعتها قرارات بريمر.
واضاف التقرير ان تصفية وجود الجيش بالتزامن مع تنصيب سلطة الحكم المؤقت، كانت تعني ان هناك تأييدا امريكيا لاحداث الفوضى، الى جانب انه لم يكن هناك تصور واضح لما سيحدث لاحقا.
واوضح التقرير ان التفكك كان واسعا، مضيفا انه فيما كان الجيش مرتبطا بشبهة نظام صدام حسين، الا ان اجزاء مختلفة من الجيش، كان تتحمل مستويات مختلفة من الملامة، مشيرا الى انه كان هناك العديد من الشيعة داخل الجيش الذين من المحتمل انهم كانوا متعاطفين مع النظام الجديد في العراق ومدافعين عنه، وهم لا يحملون انتماءات حزبية، وقد انتهى بهم الحال ايضا وقد تم رميهم في الشارع الى جانب الموالين لصدام، مثل "الحرس الجمهوري".
وقال التقرير، إن مراسيم بريمر وسمت بانها "طائفية" وبانها بالتأكيد ساهمت في تعزيز حدة المعارضة السنية وتسببت في مفاقمة التمرد في الرمادي والفلوجة؟ ومع ذلك، اعتبر التقرير ان الصالح العام لمراسيم بريمر لم يكن متعلقا بتأثيرها على السنة في العراق حيث ان العديد منهم كان من شبه المؤكد انهم بكل الاحوال سيكونون معادين بشكل عنيف للعراق الجديد، ولكن تأثير هذه المراسيم على الشيعة ، حيث كانت ميولهم السياسية هي المجهول الاكبر لغزو العراق.
وفي حين قال التقرير ان خبرة واشنطن مع الشيعة لا تزال قليلة، تابع ان السنة كانوا حلفاء الولايات المتحدة في ذلك الوقت وحاليا، وخصوصا من السنة المتشددين في الخليج، مشيرا الى ان في ظل العزل الذي طال ايران والعراق بالاضافة الى عدم الترحيب بجنوب لبنان، فإنه لم يكن للولايات المتحدة تواصل يذكر مع الشيعة، سوى من خلال "ابواق ايرانية الصنع"، ولهذا لم يكن سوى القليل من اليقين ازاء الكيفية التي ستكون عليها ردة فعل الشيعة على الغزو.
واوضح التقرير ان الشيعة لم يكنوا مشاعر حب تجاه صدام اذ قام نظامه بقمعهم بوحشية واضطهاد عقيدتهم، الا ان الشيعية لم يكن لديهم سوى القليل من الحب للغرب ايضا حيث ان هناك ذكريات طويلة في العراق، وما يزا الناس يتذكرون كيف نصب البريطانيون السنة في الحكم على دولتهم الجديدة، وكيف تولى جيش سني زمام السلطة، ثم كيف صعد حزب سياسي سني، مضيفا ان المسألة مثيرة للسخرية قليلا باعتبار ان العقيدة الكاملة لحزب البعث تتعلق بتخطي الهوية السنية.
ولفت التقرير الى انه على غرار حزب البعث، فان الجيش وضباطه كانوا يعكسون مؤسسات سنية ملتزمة بابقاء السنة في السلطة، في حين كان العديد من الشيعة يعتقدون ان الولايات المتحدة، بعد اسقاطها لصدام، ستحذو حذو بريطانيا. وبالاضافة الى ذلك، اشار التقرير الى التجربة المروعة التي عاشها الشيعة قبل الغزو، عندما تمردوا على صدام بعد حرب الخليج، وجرى قمعهم، حيث يعتقد ان الرئيس الامريكي وقتها جورج بوش الاب، شجعهم على هذه الثورة، ثم تخلى عنهم، ولهذا، فان الشيعة كانوا بحاجة الى من يقنعهم بان الولايات المتحدة هذه المرة، كانت جادة.
ولهذا، اكد التقرير ان "الانتصار الكبير المبكر في حرب العراق، والانتصار الحيوي" تمثل في انه جرى اقناع الشيعة، وانهم دعموا الدولة الجديدة في نهاية المطاف، او على الاقل انهم لم يعارضوها بشكل جماعي. وتابع التقرير موضحا ان الولايات المتحدة خاضت تمردا سنيا شرسا بالفعل، لكنها لم تكن لتتمكن من الانتصار في مواجهة تمرد عام من جانب الغالبية الشيعية، وهي نقطة ساهمت مراسيم بريمر في تجنبها.
واضاف التقرير انه لو ان اية الله علي السيستاني دعا لطرد المحتلين الأمريكيين، لكان ذلك تسبب في توجيه 60٪ من العراقيين أسلحتهم ضد الولايات المتحدة، ولربما لكانت واشنطن عندها انسحبت مثلما فعلت في كابول بعد عشرين عاما، بعد مواجهتها من الاغلبية البشتونية. وختم التقرير بالقول ان حرب العراق كانت في جوهرها "مسألة طائفية"، مضيفا ان تحويل العراق الى دولة ديمقراطية، يعني جعلها دولة شيعية وليس دولة سنية ولا حتى ديمقراطية.
واوضح ان واشنطن لم ترى ذلك، وليس واضحا ان كان بريمر قد رأى ذلك. وتابع قائلا ان الهدف المعلن لادارة جورج بوش الابن، كان يتمثل في بناء "عراق علماني".
واضاف في اشارة الى قرارات إدارة بوش وبريمر الشهيرة، انها مهما بدت خرقاء، فان الخطأ الذي تمثله كان على الجانب الصحيح من هذا الانقسام، اذ انها ربما ساعدت الولايات المتحدة على "تجنب كارثة اكبر".