بغداد ـ العالم
حذر تقرير بريطاني، دول الشرق الأوسط بينها العراق، من تزايد نفوذ الصين إقليميا، بما في ذلك عواقب أدوارها الأمنية والسياسية والاقتصادية، كما حث هذه الدول على "عدم الانحياز" في لعبة التنافس القائمة بين واشنطن وبكين. وقال موقع "اي انترناشيونال ريلاشينز" البريطاني، في تقرير له، إن احتمال تهدئة الصراعات بالوكالة بفضل وساطة السلام الصينية بين الرياض وطهران يمثل خبراً جيداً، وهو أيضاً فتح الباب أمام القوة العظمى في شرق آسيا لتحقيق المزيد من النفوذ في المنطقة.
وفي إطار التنافس الأوسع بين الولايات المتحدة والصين، كانت بكين تسعى الى البحث عن فرص لتوسيع نفوذها العالمي، لكن في سياق رقعة الشطرنج الجيوسياسية هذه، تزايدت الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط بالنسبة لبكين، خصوصا منذ الإعلان عن "مبادرة الحزام والطريق" في العام 2013، بحسب التقرير. ورغم أن دور الصين في وساطة السلام بين السعودية وإيران يستحق الثناء ولو شكلياً، إلا أنه يتحتم على قادة الشرق الأوسط توخي الحذر وأن يدرسوا العواقب المحتملة طويلة المدى الناتجة عن السماح للصين بالتحول إلى لاعب مهم في الشؤون الأمنية بالمنطقة، وفق التقرير البريطاني. وحث التقرير، دول الشرق الأوسط على تقييم دوافع الصين بحرص، فبينما تقدم بكين نفسها كلاعب محايد، تعتزم تعزيز الاستقرار والتعاون الاقتصادي من خلال تكتيكات القوة الناعمة، إلا أن مصالحها الطويلة قد لا تتوافق مع مصالح دول الشرق الأوسط. وبينما تجلب "مبادرة الحزام والطريق" فرصا جديدة للتنمية والاستثمارات للدول، لكنها وبحسب التقرير، تتيح أيضاً للصين الهيمنة، مبيناً أن التواجد العسكري الصيني المتزايد في المنطقة يثير سبباً رئيسياً للقلق.
وذكّر التقرير البريطاني، بأن بكين أجرت مناورات عسكرية مع كل من السعودية وإيران وزادت مبيعاتها من الأسلحة في المنطقة، وذلك في وقت تعاني المنطقة حاليا من طريق مسدود في العلاقات مع الولايات المتحدة حيث قلصت الولايات المتحدة خلال عهد الرئيس جو بايدن من أولويات انخراطها في المنطقة. ورأى التقرير، أن المخاطر الامنية الناتجة عن استعداد الصين لسد الفجوة التي خلفتها الولايات المتحدة، قد لا تتحول الى مشكلة مستقبلية بالنسبة للولايات المتحدة فقط، وإنما قد تكون أيضاً مشكلة بالنسبة للمنطقة، محذرا من "احتمال تعمق التباعد بين دول المنطقة والدول الغربية". وعلى سبيل المثال، أشار التقرير، إلى إيران التي عانت من عزلة دولية وتحديات اقتصادية بسبب موقف الرفض الامريكي لها، وهو ما يمثل "قصة تحذيرية" لدول الشرق الأوسط ويؤكد على الحاجة إلى نهج التحوط الاستراتيجي بدلاً من اختيار أحد القطبين بين الصين والولايات المتحدة.
وتحدث التقرير عن مخاوف بشأن النفوذ الاقتصادي والسياسي المحتمل الذي تمتلكه الصين على المنطقة، موضحا انه "خلف فرص الاستثمار الأجنبي يختبئ خطر الاعتماد على الديون، مثل تلك التي جرى اتهام الصين بخلقها في دول افريقية"، لذا يمكن القول إن هذا مصدر قلق أقل بالنسبة لدول الخليج الأكثر ثراء، لكنه قد يكون مزعجا بالنسبة للدول الافقر مثل العراق وسوريا ولبنان. ورأى التقرير البريطاني، أن بإمكان الشرق الأوسط أن يستخلص دروساً قيمة من تجربة شرق آسيا في الأسواق المفتوحة، وانه من خلال تبني الترابط الاقتصادي، يمكن لدول الشرق الأوسط الاستفادة من نقاط قوتها الفريدة، مثل موارد الطاقة والمواقع الجغرافية الاستراتيجية، لتعزيز النمو الاقتصادي.
ولفت التقرير، إلى أن "الترابط الاقتصادي المتزايد داخل شرق آسيا أدى إلى تعزيز بيئة إقليمية أكثر أمناً وانسجاما، وتعزيز التعاون والسلام"، مردفاً: "اذا كانت نخب الدول العربية والايرانية تهدف الى التعاون الاقتصادي والاعتماد المتبادل على أساس إقليمي أكبر، فقد يكون من الممكن تحقيق الاستقرار والتعاون السياسي".
لكن التقرير، اعتبر أيضاً أن "الطريقة الافضل لقادة المنطقة لتحقيق هذا التعاون الاقتصادي هي تبني موقف متوازن ومحايد حول التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين"، موضحا انه "يجب على دول الشرق الاوسط ان تتجنب دور البيادق في مسرحيات القوة، وان تحافظ في الوقت نفسه على سيادتها واستقرارها، مثل النهج الذي تظهره الاستراتيجية الدبلوماسية لسلطنة عمان التي التزمت تاريخيا بموقف عدم الانحياز في السياسة الدولية، وهو حياد مكن هذا البلد من الحفاظ على علاقات سلمية مع مجموعة واسعة من البلدان، بما في ذلك تلك ذات المصالح المتعارضة، وسمح لها بالعمل كوسيط في النزاعات الإقليمية.
وتوقع التقرير، أن يتيح النهج المحايد المرتبك لدول الشرق الأوسط، الأدوات اللازمة للتحرك في الساحة الدولية مع الحفاظ على مصالحها الخاصة والحفاظ على توازن مستقر في مواجهة منافسة القوى العالمية، ولهذا فانه يتحتم على قادة الشرق الاوسط اتخاذ خطوات للحد من المخاطر والشكوك في سياستهم الخارجية وقراراتهم الاقتصادية من خلال الحفاظ على درجة من المرونة وعدم الالتزام الكامل بطرف واحد.
وخلص تقرير "اي انترناشيونال ريلاشينز" إلى أن "الجهود الدبلوماسية في وساطة السلام خلقت الطريق الواعد نحو تعزيز التعاون بين الدول المتنافسة في المنطقة، وهو ما يؤكد على الحاجة الملحة لزعماء المنطقة لاغتنام الفرصة لتعزيز المصالح الجماعية للاستقرار الإقليمي والازدهار الاقتصادي.
وفي الختام، نبه التقرير البريطاني، إلى ضرورة أن "يقوم زعماء الشرق الأوسط بذلك، من دون الاعتماد المفرط على التدخل الأجنبي في القضايا الأمنية، وحماية المنطقة من التحول إلى مجرد قطعة شطرنج في اللعبة الجيوسياسية الأوسع بين الولايات المتحدة والصين".