بغداد ـ العالم
قدم موقع الاستثمار الأجنبي المباشر "انتيليجنس" (FDI) البريطاني، صورة متفائلة عن آفاق الاستثمارات في العراق الذي وصفه بأنه أصبح محط اهتمام بعد عقدين من الاستقرار الهش وفي ظل وجود حكومة براغماتية.
وأوضح التقرير البريطاني المتخصص بعالم الاستثمارات، والذي نشر باللغة الإنجليزية، انه بعد مرور 20 عاما على بدء حرب العراق، أصبح هذا البلد على الطريق نحو إيجاد مكانه على خريطة الاستثمار العالمية.
وذكر التقرير، بأن البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية للعراق تعرضت لأضرار جسيمة بسبب الغزو والاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة، ثم بسبب 4 سنوات من إرهاب تنظيم داعش، مضيفا انه منذ العام 2018، عانى هذا البلد الذي يقطنه 45 مليون نسمة، من تشكيل حكومات لم تعمر طويلا، ومن وجمود سياسي، وذلك قبل أن يتولى محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
وتابع التقرير، أن حكومة السوداني تولت السلطة في وقت بدأ فيه المستثمرون يتجاوزون تاريخ العراق الحافل بالصراعات، مضيفا أن البيانات تظهر أن الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الأشهر الـ9 الاولى من العام الحالي، وصل الى رقم قياسي بلغ 24 مليار دولار، وهو ما يعادل أكثر من ضعف الرقم القياسي السابق المسجل في العام 2008.
ونقل التقرير عن الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق اوك لوتسما قوله، إن البلد يقوم بـ"انعطافة كاملة"، مضيفا ان العراق "يصبح أقل فأقل دولة أزمة، وأكثر كدولة تتحرك الى الامام".
واكد التقرير ان "العراق لا يزال، بلا شك، يمثل بيئة عمل صعبة"، موضحا ان عائدات النفط تمثل 99% من الصادرات و85% من ميزانيته خلال العقد الماضي، بحسب البنك الدولي، مما يجعله عرضة للتقلبات في أسعار الطاقة، وهو أيضا يعاني من افتقار في مجال الطاقة، حيث تستمر ظاهرة انقطاع التيار الكهربائي لمدة قد تصل الى 12 ساعة يوميا، بالاضافة الى انه يستورد 40% من حاجته من الكهرباء من إيران.
وبالاضافة الى ذلك، لفت التقرير إلى أنه يتحتم على المستثمرين التعامل مع القطاع العام المتضخم، والإرث الاشتراكي الذي خلفه حزب البعث، والمؤسسات المالية الهشة، والبيروقراطية الغامضة والفساد المتفشي.
وفي المقابل، ذكر التقرير، أن السوداني في عامه الأول في الحكم، طبق اجندة تنموية قوية هدفها تطوير امن الطاقة، والتنويع الاقتصادي، وتعزيز دور القطاع الخاص في الميادين الرئيسية مثل الغاز الطبيعي والتصنيع، ومكافحة ظاهرة الفساد التي وصفها في ايلول/سبتمبر الماضي بأنها "جائحة" ويركز من أجل القضاء عليها.
وتابع التقرير أن شركة "سيمنز" تحركت في كانون الثاني/يناير الماضي نحو التوصل الى اتفاق لمواصلة عملها في البنية التحتية للطاقة في العراق، وذلك بعدما أخذت بالاعتبار الموقف الحاسم للحكومة في شهورها الاولى.
ونقل التقرير عن المدير الإداري لـ"سيمنز" في الشرق الاوسط ديتمار سيرس دوفر قوله، إنه "اذا كنت تتطلع الى الاستثمار في البلاد، فقد حدث تغيير بالفعل، والحكومة أكثر استعدادا بكثير لإحراز تقدم في الأمور".
واستعان التقرير بقصص مشابهة من مستثمرين آخرين، ونقل عن اميت سليمان، الرئيس التنفيذي لمجموعة "ايه ايه ايه" للأسمدة التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها، قوله إن قاعدة التعامل تبدلت منذ ايلول/سبتمبر الماضي، حيث أصبح من المسموح أن يتم بيع الاسمدة مباشرة للمزارعين وليس عبر الحكومة، وهو ما ادى الى خفض الأطر الزمنية للدفع من ما يصل الى 14 شهرا، الى 5 ايام.
كما لفت التقرير إلى أن شرطة نفط الهلال التي تتخذ من الإمارات مقرا لها، وقعت في شباط/فبراير الماضي، عقودا مدتها 20 عاما لتطوير ثلاثة حقول للنفط والغاز، وسيصل الاستثمار الأولي للمجموعة الى نحو مليار دولار. ونقل التقرير عن الرئيس التنفيذي للشركة ماجد جعفر قوله "هناك الآن توافق افضل بكثير بين المستثمر والحكومة"، مضيفا أن الحكومة أدركت الحاجة إلى الحفاظ على الاستثمار الخاص في القطاعات الرئيسية.
وبعدما لفت التقرير الى ان العراق يقوم باعادة دمج نفسه مجددا على الساحة الدولية، وداخل الشرق الاوسط ايضا، نقل عن لوتسما، الممثل المقيم لبرنامج الامم المتحدة الانمائي في العراق، قوله إنه "كان هناك اهتمام بين دول مجلس التعاون الخليجي بإعادة دعوة العراق الى الاقتصاد الإقليمي"، مشيرا إلى أن كون العراق يقع بين سوريا وايران، يعني انه يتم النظر اليه على انه عامل استقرار
وفي حين اشار التقرير الى مشاريع التعاون والاستثمار مع دول مجلس التعاون الخليجي، مثل الربط بالشبكة الكهربائية، وشركة "باور انترناشيونال" القطرية، وكون الإمارات أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في العراق، قال التقرير البريطاني إن السوداني يسعى مع الحكومة التركية الى تنفيذ الخطط الطموحة لربط بلديهما عبر مشروع "طريق التنمية"، بكلفة 17 مليار دولار، بالاضافة الى وجود خطط بالشراكة بين القطاعين العام والخاص تم توقيعها مؤخرا بين مؤسسة التمويل الدولية والحكومة لتطوير مطار بغداد.
وتابع قائلا انه من المسائل التي تمثل رمزية كبيرة الاتفاق الذي طال انتظاره في أبريل/نيسان بين الحكومة وشركة "توتال انيرجي" الفرنسية بشأن مشروع بقيمة 27 مليار دولار، والذي يهدف الى تحسين إمدادات الكهرباء في العراق وازالة الكربون منها، مذكرا بما قالته الحكومة الأمريكية بأن هذه الصفقة "تشير إلى مناخ أعمال سريع التحسن سيساعد في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر".
الى ذلك، ذكر التقرير ان الحرب بين اسرائيل وحركة حماس أثارت هجمات على اهداف امريكية في العراق، الا انه نقل عن جعفر، الرئيس التنفيذي لشركة نفط الهلال، والذي عمل في العراق منذ 15 عاما، قوله برغم ذلك أن "الوضع الامني افضل من اي وقت مضى منذ العام 2003"، موضحا ان هناك "احساسا حقيقيا بالحيوية، والحياة عادت بطرق متعددة".
وخلص التقرير الى القول ان هذا الاستقرار الهش هو الذي وضع الأسس لأجندة التنمية الحكومية. ونقل عن لوتسما قوله "أنها تركز بشكل أقل بكثير على اعادة البناء بعد الدمار الذي خلفه تنظيم داعش، إلا أنها تركز أكثر على بناء مستقبل البلد"، مضيفا ان خلفية الاستثمار "تغيرت تماما" مقارنة بما كانت عليه قبل سنوات قليلة.
واشار التقرير الى ان النفط والغاز لا يزالان يمثلان أكثر من نصف الاستثمار الأجنبي المباشر المعلن عنه في العراق، مضيفا ان مؤسسة التمويل الدولية تتوقع ان يحتاج العراق الى 233 مليار دولار بحلول العام 2040 لتلبية احتياجاته التنموية الاساسية.
ونقل التقرير عن ممثل مؤسسة التمويل المقيم في العراق بلال رباح صغير، قوله ان أمام القطاع الخاص دورا كبيرا ليلعبه في سد هذه الفجوة، مضيفا "ان العراق، كما نراه، يسير في الاتجاه الصحيح".