مصطفى ملا هذال
كثرت في الآونة الأخيرة المناقشات والمباحثات حول إقرار سلم جديد لرواتب الموظفين يضمن العدالة والمساواة بين جميع الوزارات، وتقليل الفوارق الكبيرة التي جعلت البعض يبحث عن منفذ للهروب نحو وجهته التي يحلم بالوصول اليها نظرا لمخصصاتها المالية الكبيرة.
إقرار السلم الجديد للرواتب وان كان من المستحيل او الصعوبة تمريره في الوقت الراهن نظرا للتحديات الاقتصادية التي تواجه البلد، يعد بمثابة البديل الاستراتيجي الذي تعتمده الحكومة لتحسين الأوضاع المعيشية ورفع القدرة الشرائية لشريحة عريضة من المواطنين تتجاوز الست ملايين.
توفير قدر من السيولة النقدية بيد الموظفين ضغط بالاتجاه الآخر على ما يقرب من ثلاثة اضعاف هذه الشريحة من عامة الشعب، وبهذا الاجراء ينطبق على الحكومة المثل الشعبي القائل "راد يكحلها عماها"، فهي ارادت ان تفعل خيرا وتعوض جزء يسير من الخسارات المادية التي يتعرض لها الافراد وقلبت الطاولة على الرؤوس.
وينطبق الحال على ما فعلته مع فئة المتقاعدين عندما رفعت مقدار رواتبهم بمعدل مئة ألف لكل متقاعد، فهي رفعت سقف الأسعار الى نسبة تفوق الزيادة البسيطة في الدخل الشهري لهذه الفئة، ولعل البعض منهم يلعن اليوم الذي اُقرت فيه هذه الزيادة التي تحولت الى نار تأكل الهشيم.
الغاية من الزيادة هي غاية نبيلة ولا يمكن وضعها بغير هذا الموضع، لكن في الوقت نفسه لها آثار سلبية كثيرة ربما تُنسي المتقاعدين فرحتهم، وتحول حلاوتها الى مرارة الاكتواء في الأسعار التي ابتعدت كثيرا عن المعقول ولا يُعرف من المسؤول عن هذه الزيادات اليومية.
عدم الرغبة او الخوف من رفع سلم الرواتب للموظفين او توحيده، تأتي من فقدان السيطرة من قبل الحكومية على الأسواق الداخلية، فلا توجد آلية تستطيع بموجبها منع المتلاعبين في الأسعار وإيقاف مساعيهم غير الإنسانية، من خلال تحديد قائمة أسعار ثابتة تحاسب من يتجاوزها.
ذكر لي أحد الأصدقاء مثالا عن قوة الدولة في بسط نفوذها وعدم ترك الأمور سائبة، قال ان قيمة سعر صرف الدينار الأردني في عام 2000، هي ذاتها في عام 2023، وان اغلب السلع والخدمات محافظة على وضعها القديم ولم تتأثر بالمتغيرات الاقتصادية والعوامل المؤثرة التي مرت بها الدول كجائحة كورونا والحروب وغيرها.
ثبات الأسعار لا يعني ان الدولة غير مهتمة بتحسين الوضع الاقتصادي لمواطنيها، لكن هنالك استراتيجية للمحافظة على الوضع القائم بعيدا عن العوامل الخارجية، وفي المقابل يعود الاهتمام بهذه النقطة بالفائدة لمؤسسات الدولة عبر رفع جودة العالمين في القطاع الحكومي.
توحيد رواتب الموظفين في القطاع الحكومي ربما فيه نوع من الحيف على موظفي بعض الوزارات التي يتصف عملها بالشاق والخطير، فمثلا المهندس في وزارة الكهرباء يتحمل مسؤولية أكبر مقارنة بنظيره في وزارة البيئة او الزراعة، ومساواتهم يعتبر نوع من عدم الإنصاف.
وتعد هذه الإشكالية التي ترافق توحيد الرواتب من الثغرات التي لا يمكن تجاوزها، ومن المفترض مراعاة خصوصية بعض الوزارات التي يؤدي موظفوها مهام جليلة وخدمات كبيرة تهم شريحة واسعة من المواطنين، فلا يمكن مقاربة رواتب موظفي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مع وزارة المالية التي تعتبر من الوزارات السيادية نظرا لحساسية عملها وارتباطها الوثيق بسياسة البلد المالية.
العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات ولا يمكن نكران هذا المبدأ الذي يجب ان يكون المرجع الأساس لجميع القرارات التي تقدم عليها الحكومة الحالية والمستقبلية، لكن ثمة فوراق لا يمكن تجاوزها ومن الواجب مراعاتها من باب تحقيق عنصر العدالة وعدم ترك الأمور تسير دون ضابطة.