ثلاثة أكاديميين: البحوث العلمية في الجامعات تستهدف «الكشخة» والأطاريح والرسائل مركونة على الرفوف
17-آب-2023
بغداد- العالم
أجمع ثلاثة اكاديميين متخصصين، بدرجة بوفيسور، في مجلات علمية مختلفة على ان"مستوى البحث العلمي في الجامعات العراقية متدني"، وأن البحوث وأطاريح الماجستير والدكتوراة لا ترتقي إلى مستواها المطلوب وغالباً ما تركن فوق الرفوف.
وقال الاساتذة، إن "البحوث العلمية عادة تنفق عليها الدول الكثير من الاموال ليتم الاستفادة منها، لكن في العراق ينفق الطالب على بحثه العلمي لغرض الحصول على شهادته"، مشيرين الى ان "غالبية طلبة الدراسات العليا في الجامعات العراقية هدفهم الحصول على اللقب وزيادة الراتب ولاغراض الـ (كشخة)". وقالت الاستاذة لاهاي عبد الحسين، استاذة علم الاجتماع بكلية الاداب في جامعة بغداد، ان: "غالبية البحوث يتم ركنها فوق الرفوف ولا احد يستفيد منها، حتى نحن الذين درسنا بالخارج وعدنا لم يعد احد يهتم لبحوثنا مهما كانت اهميتها للمجتمع العراقي المزدحم بالمشاكل الاجتماعية"، مشيرة الى انه "بدلا من الاستفادة من البحوث العلمية يتم حفظها وهذه مسالة ليست جديدة ..الطلبة يصرفون على بحوثهم من اموالهم الخاصة، والبحوث الانسانية بالذات قلما تكون رصينة ومهمة، لكن الاختصاصات العلمية، الهندسية او الطبية يكون المشرف مشارك جوهري بالبحث". وتساءلت الاستاذة لاهاي عبد الحسين: "من حيث الجوهر يفترض ان يحقق الباحث اسهامة معرفية، هذا من حيث المبدأ، ولكن كم من الطلبة بامكانهم تحقيق هذه الاسهامة المعرفية؟ خاصة كليات الدراسات الانسانية.. وصارت مسالة الحصول على شهادة عليا عبارة عن علاقات ومجاملات".
وأوضحت أنه "في الخارج يجب ان يُنشر البحث واعني رسائل الماجستير والدكتوراة خاصة، في المجلات العلمية المحكمة والا لا يعتبر البحث مستوفي الشروط ولا يعترف به، لهذا يحرص الطالب او الباحث هناك على نشر بحثه ليخضع الى تقييم جديد من قبل لجان رصينة وهذ غير موجود في جامعاتنا العراقية".
واستطردت بقولها: "الطالب الباحث في العراق يقوم، بعد ان يحصل عادة على امتياز على بحثه في ظل تعقيدات كثيرة يضطر خلالها اكثر الاساتذة رصانة واحتراما الى الخضوع لشروط الجامعة، خاصة عندما يضعوه في لجنة معتلة وفق معايير خاطئة الى مراعاتهم والموافقة على اساليبهم، يقوم الطالب بطبع اطروحته..يطبع الاطروحة على حسابه الخاص ككتاب ويقدمها الى اللجنة ولو قدمها الى مجلة محكمة من النادر ان ترقى للنشر".
واكدت الاستاذة لاهاي عبد الحسين أن: "غالبية جهود الطالب للحصول على شهادة عليا هي لاغراض الحصول على شهادة تساعده بالتعيين او زيادة الراتب فقط"، مشيرة الى ان "مسار العملية التعليمية ومستوى التعليم في العراق صار اكثر من متدني .. الطلبة يقدمون بحوث مستنسخة وبائسة، يرافق ذلك ان المجلات العلمية في الجامعات العراقية لا تهتم بالمستوى العلمي ويكفي ان يدفع الباحث مبلغ 50 الف دينار ليتم نشر بحثه بلا تقييم او مراجعة ثم يتباهى الباحث بان بحثه نشر في هذه المجلة العلمية او تلك".
الاكاديمي المتخصص بالعمارة والحفاظ على التراث المعماري الاستاذ احسان فتحي، استاذ سابق في قسم العمارة بكلية الهندسة بجامعة بغداد، يوضح بقوله:" انا اهتم كثيرا بالبحوث العلمية، فقد اجريت بحوث كثيرة عن العمارة التراثية غطت جميع المدن العراقية تقريبا واصدرت العديد من الكتب حول هذا الموضوع، وكنت احث طلبتي للقيام ببحوث عن الابنية التراثية ببغداد وفي مدنهم، وكنا نستفيد من هذه البحوث"، منبها الى ان:"الموضوع يعتمد على اهمية تلك البحوث ودرجة علميتها ومدى امكانية الاستفادة منها".
وينبه البوفيسور فتحي الى ان:" الدولة العراقية بعد انهيار الحكم الملكي لم تستفد من البحوث العلمية ولم تهتم بها خاصة في عهد عبد الكريم قاسم، اول عسكري رئيس وزراء في العهد الجمهوري، بل انه تم في عهده تخريب العمارة العراقية التراثية ولم تهتم حكومته بالتراث ولا بالبحوث التي درست التراث المعماري في العراق الذي كان ينطوي على ثروة معمارية ليس لها مثيل عربيا او عالميا، والموضوع اليوم صار اكثر سوءا وتخريبا في هذا المجال". ويشير البروفيسور فتحي الى ان:"غالبية البحوث التي تجرى في العراق تتم لاغراض زيادة الراتب والحصول على لقب دون الاهتمام بموضوع المعرفة وماذا تضيف تلك البحوث"، منبها الى ان:"هذا الامر لا ينطبق على اقليم كوردستان حيث هناك اهتمام بالجانب العلمي والبحوث العلمية، وانا مشرف على الدراسات العليا بجامعة السليمانية واطلع على بحوث واطاريح الدكتوراة واجدها اكثر جدية ورصانة من بحوث بقية الجامعات العراقية". ويخلص الاكاديمي المتخصص بالعمارة التراثية العراقية الى ان:طهناك هبوط فضيع في المستوى العلمي للجامعات العراقية، وتصلني احيانا بحوث الدراسات العليا من بعض هذه الجامعات واجد مواضيعها غريبة ولا علاقة لها بالعلم، بل ان بعض هذه البحوث مرتبطة بالطائفية المقيتة، وهذا المستوى العلمي المتدني سببه وجود قائمية على التعليم العالي يحملون شهادات مزورة من بعض الدول العربية للاسف".
ويوضح الاكاديمي هاشم حسن التميمي، العميد السابق لكلية الاعلام بجامعة بغداد، بان:"الجامعات في العالم ترصد مبالغ ضخمة للبحوث العلمية والانسانية، وتختار مواضيع مهمة ومؤثرة في حياة مجتمعاتهم ليتم الاستفادة من نتائج تلك البحوث".
ويتساءل التميمي قائلا:" هل كلفت، مثلا وزارة الزراعة باحثين عراقيين لدراسة مستقبل الزراعة في العراق بعد موجات الجفاف؟ او اثر التصحر على الزراعة؟". ويؤكد الاستاذ التميمي بان مصير: "غالبية ان لم اقل جميع البحوث التي يقدمها الطلبة واطاريح الماجستير والدكتوراة في جامعاتنا الرفوف ليعلوها الغبار دون الاستفادة منها". مشيرا الى ان :" طلبتنا يحرصون على الحصول على الشهادات العليا لاغراضالاستعراض(الكشخة) او للتعيين وزيادة الراتب، او شخصيات سياسية تتباهى بلقب الدكتور حتى لو كانت شهاداتهم مزورة من جامعات عربية خارج العراق وهذا ما يحصل في الغالب". وينبه العميد السابق لكلية الاعلام بجامعة بغداد الى ان"كليتنا كانت تنشر بحوث الطلبة المتميزة وهي قليلة في المجلات العلمية الرصينة، وهناك مجلات علمية عالمية تتقاضى الف دولار مقابل نشر البحوث، لغرض ان يطلع عليها ذوي الاختصاص ويستفيدون منها، مثلا اثر مواقع التواصل الاجتماعي على المجتمع، وغيرها، لكن لم يحدث ان استفادت اية جهة من هذه البحوث للاسف".
وبايضاح اكثر يقول الاكاديمي هاشم حسن التميمي: "خلال الـ 30 سنة الاخيرة في الاقل لم الحظ ان وزارة التعليم العالي قد خصصت اية ميزانية للبحوث العلمية، فانا خصصت من رواتبي تكاليف بحوثي ونشرها، ودفعت الف دولار لمجلة علمية عالمية متخصصة لنشر احد بحوثي، وعندي 4 كتب اكاديمية لا استطيع طباعتها على نفقتي الخاصة".