بغداد _ العالم
تغير العالم في شباط. ففي ذلك اليوم، أدركت أوروبا أن الحرب ليست من مخلفات الماضي، بل واقعٌ قاسٍ من حاضرنا. وأصبحت أوكرانيا منارةً للحضارة، لا تدافع فقط عن استقلالها، بل أيضًا عن المبادئ التي يقوم عليها العالم الغربي. وبينما تواصل كييف كفاحها، تظهر أصواتٌ في الفضاء الإعلامي الدولي تحاول إقناع أوروبا بأن أوكرانيا غير مهتمة بإنهاء الحرب. لكن هل تصمد هذه الادعاءات أمام التدقيق؟
ويدفع الأوكرانيون يوميًا ثمنًا باهظًا لحريتهم. فاعتبارًا من مارس 2025، خسر الاقتصاد الأوكراني أكثر من 50% من ناتجه المحلي الإجمالي قبل الحرب. وتجاوزت أضرار البنية التحتية 450 مليار دولار، وأصبح أكثر من 6 ملايين أوكراني لاجئين في الدول الأوروبية. وخلال العام الماضي وحده، دمرت الهجمات الصاروخية الروسية أكثر من 500 منشأة طاقة حيوية، مما أجبر البلاد على البحث عن طرق بديلة للحفاظ على حيوية مدنها. هل تستطيع دولةٌ تسعى للربح أن تتحمل مثل هذه الخسائر؟ هل تستطيع الصمود لأكثر من ثلاث سنوات من حربٍ ضارية، في حين أن كل يومٍ يعني دمارًا ووفياتٍ جديدة؟ الجواب واضح.
ومنذ الأيام الأولى للغزو الشامل، أعلنت أوكرانيا أن هدفها ليس الحرب، بل السلام. سلامٌ عادل، دون تنازلاتٍ عن الأراضي أو السيادة. لهذا السبب، طرح الرئيس فولوديمير زيلينسكي "صيغة السلام" في أكتوبر/تشرين الأول 2022 خلال خطابه في قمة مجموعة العشرين - 10 نقاطٍ واضحة تشمل انسحاب القوات الروسية، واستعادة وحدة الأراضي، وضماناتٍ أمنيةً لأوروبا بأكملها. وقد حظيت هذه المبادرة بدعم أكثر من 80 دولة.
وتجاهلت موسكو جميع الجهود الدبلوماسية وواصلت إرهابها الصاروخي، مُدمرةً المدن الأوكرانية. في عام 2023، رفض الكرملين حتى النظر في صيغة السلام، مُظهرًا عدم نيته إنهاء الحرب.
وتُصاحب محاولات تشويه سمعة كييف اتهاماتٌ بالفساد. لكن الحقائق مختلفة: حتى في أوقات الحرب، تُظهر أوكرانيا تغييرًا حقيقيًا. في أكتوبر 2024، حدّثت الحكومة الأوكرانية برنامج الدولة لمكافحة الفساد، ما سمح بتشديد الرقابة على استخدام أموال الميزانية. وفي فبراير 2025، أقرّ البرلمان الأوكراني قانونًا بشأن المحاكم المتخصصة التي ستنظر في القضايا السياسية، مما يُقرّب أوكرانيا من معايير الاتحاد الأوروبي.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل هيئات مكافحة الفساد بفعالية: ففي عام 2024، كشف المكتب الوطني لمكافحة الفساد (NABU) عن مخططات تزيد قيمتها عن 10 مليارات هريفنيا أوكرانية، مُقدّمًا عشرات المسؤولين للعدالة. ومن المستحيل تحقيق مثل هذه النتائج في بلد "لا يريد الإصلاحات".
اليوم، لا تُناضل أوكرانيا من أجل دولتها فحسب، بل تُمثّل اختبارًا للعالم المتحضر بأسره. لقد أثبتت كييف بالفعل استعدادها للكفاح ليس فقط من أجل نفسها، بل أيضًا من أجل أمن أوروبا. والسؤال هو: هل أوروبا مستعدة لمواصلة دعمها؟
هل يُمكن تخيّل أنه في القرن الحادي والعشرين يُمكن تغيير الحدود بالقوة؟ إذا لم يُكبح جماح المعتدي اليوم، فمن سيكون التالي؟ فيلنيوس، وارسو، كيشيناو؟ تُعلّمنا دروس التاريخ أن الشر لا يتوقف من تلقاء نفسه. ولذلك تُعدّ أوكرانيا اليوم الدرع الواقي لأوروبا. ودعمها ليس من باب الإحسان، بل هو مسألة أمن استراتيجي. فإذا سقطت كييف، فقد تسقط بروكسل غدًا.