محمد عبد الجبار الشبوط
بعد يوم واحد من نشر مقالي "جدولة الاولويات"، اصدرت "كتائب حزب الله" بيانها بوقف عملياتها ضد القوات الاميركية. كتبت في مقالي المذكور ما يلي: "يهدر المجتمع طاقته التغييرية حينما يخطئ في جدولة اولوياته. منذ العام ١٩٥٨ الى اليوم والاحزاب العراقية مشغولة بالكثير من المواضيع التي ليس من بينها التنمية المستدامة على سبيل المثال. يمكن مراجعة الشعارات السياسية للاحزاب العراقية وبخاصة الحزب الشيوعي وحزب البعث وحزب الدعوة وتظاهرات تشرين واخيرا الفصائل المسلحة للتأكد من صحة المقولة السابقة. قد تكون شعارات تلك الاحزاب والحركات صحيحة بذاتها، لكن الخطأ قد يقع في الجدولة، اي جدولة الاولويات، في التقديم والتأخير، الامر الذي يؤدي الى استخدام طاقات المجتمع التغييرية في غير اوقاتها الصحيحة. هذا ما اسميه هدر الطاقة التغييرية للمجتمع." لا افترض ان الامين العام لكتائب حزب الله الاخ ابو حسين الحميداوي قرأ مقالي، او انه تأثر به اذا كان قد قرأه، لكن بيان الكتائب اثبت صحة ما ذهبت اليه صراحة او ضمنا وتلويحا. فقد قال بيان الكتائب:"إننا إذ نعلن تعليق العمليات العسكرية والأمنية على قوات الاحتلال -دفعا لإحراج الحكومة العراقية-سنبقى ندافع عن أهلنا في غزة بطرق أخرى، ونوصي مجاهدي كتائب حزب الله الأحرار الشجعان بـــ الدفاع السلبي (مؤقتاً)، إن حصل أي عمل أمريكي عدائي تجاههم".
والواضح من هذا النص ان الكتائب وازنت بين ثلاثة امور وهي: مقاومة الاحتلال عسكريا، الدفاع عن اهلنا في غزة، عدم احراج الحكومة العراقية. وانها اختارت تقديم عدم احراج الحكومة العراقية، واستبدلت شعار مقاومة الاحتلال بالدفاع السلبي مؤقتا ان حصل اي عدوان اميركي. سيقول البعض ان "عدم احراج الحكومة العراقية" ليس بالامر العظيم الذي يمكن ان يوضع على مستوى واحد مع الامرين الاخرين. وربما اتفق مع هذا القول. لكني اقبل تبرير الكتائب رغم ضعفه سياسيا لانه يفتح الباب امام النقاش حول اولويات الفصائل المسلحة في العراق، وامكانية اعادة جدولة هذه الاولويات ليس من باب "عدم احراج الحكومة العراقية"، وهو باب ضيق لا يتسع لكثير من المهام، وانما من باب المسألة الاهم، التائهة في كواليس نظام المحاصصة والفساد، واعني بها: اعادة بناء الدولة العراقية على اسس حضارية حديثة، او بناء الدولة الحضارية الحديثة.
قد يتحفظ البعض على هذه المسألة لاسباب ربما تكون شخصية بحتة، لكني سوف استثمر هذه الفرصة لكي الفت نظر الاخوة في الكتائب وغيرها الى ضرورة دراسة التجربة اليابانية والتجربة الفيتنامية، وكلتا الدولتين ذات تاريخ دموي مرير مع علاقاتها مع الولايات المتحدة، فلربما استفدنا جميعا من هذه الدراسة.
وهنا استعير ما كتبه احد الاخوة قائلا: "واحدة من أهم مفردات ثقافتنا الراهنة هو الموقف من الآخر ، ولابد لنا من إعادت تقييم مواقفنا منه !! ولابد من تلافي خلل حركتنا وتقصيرنا وقصورنا ازاء دراسة وفهم الآخر والانفتاح عليه برؤية موضوعية جديدة تأخذ بنظر الأعتبار حقائق الواقع الموضوعية وترك القراءة المسبقة والموقف دون دليل ، والعَوْم خارج نطاق نظرية المؤامرة التي ابتلينا بأحكامها التي جلبت لنا مزيد من الخسائر والإنحسار والكراهية ، ويُتحتَّم علينا عَيْش الحاضر وترك الماضي في علم كتاب الله تعالى ؟! ولا بأس بالإعتبار به وأخذ الدروس النافعة منه ، ولا بأس ايضا من الاستئناس بتجارب الدول والأمم السابقة التي ابتليت بأوقات صراع وتنازع تصرّم ومضىٰ ، وبالرغم من قساوته ومرارته الا انها صبرت ونجحت بتجاوزه لتنتج غد مشرق جديد من العلاقات بالآخر تجاوزت به كل آهات وآلام الماضي وما ينوء به من ذكريات الأسىٰ والحزن والكراهية ؟!".
