جمرة النقد المتوهجة . . مشرط الجرّاح العارف بأسرار المهنة والمكتشف لخباياها ودروبها السريّة
25-آذار-2023
عدنان حسين أحمد
صدر عن "شبكة الإعلام العراقي" كتاب "جمرةُ النقد المُتوهِجة" للناقد رضا المحمداوي. يتألف هذا الكتاب من ثلاثة فصول رئيسة إذا أخذنا بالتقسيم الزمني الذي اعتمده المحمداوي وهي على التوالي: "الدراما العراقية في الثمانينات، والدراما العراقية في التسعينات، والدراما العراقية عام 2000" لكنه عاد واستولد من الفصل الثاني فصلين آخرين أصغر حجمًا أطلق على الأول اسم "من دراما التسعينات اسمٌ . . . وتجربة" كرّسها لدراسة ثلاث تمثيليات للمؤلف الشاب آنذاك فائز ناصر الكناني. كما ارتأى أن يعنوّن الفصل الآخر الذي يدور في فلَك التسعينات أيضًا "من القصة القصيرة إلى الدراما التلفزيونية" فيما انشطر عن الفصل الثالث الذي يتمحور على الدراما العراقية عام 2000م فصل آخر أسماه بـ "الدراما العراقية والتاريخ" الذي ضمّ ثلاثة نماذج متفرقة، وبهذا يصبح عدد فصول الكتاب النقدي ستة فصول مع الانشطارات القسرية التي أحدثها الناقد في التبويبات العقْدية التي تحصر ذهن القارئ منذ العام 1983م، وهي السنة التي شهدت ظهور أول مقال نقدي في مجلة "فنون" ذائعة الصيت، وانتهاءً بعام 2003م وما انضوى عليه من تغييرات دراماتيكية لم نتخلّص من تداعياتها المفجعة حتى الآن. كما يتضمن الكتاب ثلاث مقدمات؛ الأولى بقلم الناقد والروائي ناطق خلوصي، والثانية بقلم الدكتور صالح الصحن، فيما دبّجت الثالثة أنامل الناقد والشاعر والمخرج التلفزيوني رضا المحمداوي بوصفه الأب الشرعي الذي قبض بيده على جمرة النقد من دون أن يكتوي بها. يؤكد خلوصي في مقدمته بأنّ المحمداوي "يجمع بين الوعي النقدي والتحصيل الأكاديمي، والإلمام بآليات العمل التلفزيوني بحكم ممارسته الفعلية الطويلة من خلال عمله مُخرجًا في التلفزيون بعد تخرجه من قسم السينما في كلية الفنون الجميلة". أمّا المقدمة الثانية للدكتور صالح الصحن فهي تدلل على قراءة لمتن الكتاب جملة وتفصيلاً حيث توقف عند جرأة المحمداوي في تبنّي المعايير النقدية لتحليل العمل الفني، ورصد مناقشته للمتن الحكائي، والحبكة، وطرائق السرد التلفزيوني، وشدّد على تناوله للمشكلات الاجتماعية، وتحليله لحركة الكاميرا، ومقارنته بين أعمال المؤلفين والمخرجين السابقة واللاحقة، وأوضح حجم التطوّر أو التراجع فيها مضامينها وأشكالها الفنية التي تلفت اهتمام المشاهدين وتضعهم في دائرة الشدّ والترقّب والانتظار. فيما جنحت مقدمة المحمداوي إلى توضيح صعوبة "الجمع بين تفاحة النقد الفني وتفاحة العمل الدرامي الاحترافي بيد واحدة" فقد عرف أسرار المهنة، واكتشف خباياها ودروبها السريّة فلاغرابة أن يصف البعض كتاباته النقدية على أنها "هتك لأسرار العائلة" ونشر لغسيلها في الصفحات الفنية، وربما نظر له البعض على أنه "الابن العاق لتلك العائلة الفاضلة"!
لابد من الإشارة إلى أنّ هذا الكتاب هو عبارة عن مقالات نقدية في الدراما العراقية كُتبت بين عاميّ 1983م و 2003م، وقد توزعت بين التمثيلية التي تُقدَّم في ساعة واحدة أو أقلّ أو المسلسل الشهري أو نصف الشهري أو حتى عدة حلقات كالثلاثية أو الرباعية وهلّم جرًّا. كما يتضمن الكتاب أفلامًا تلفازية، وأوراقًا نقدية ترصد أزمة الدراما التلفزيونية العراقية. ولعل هذا التنوّع هو أشبه بالينابيع الصغيرة التي تصب في نهر الدراما الكبير.
يتضمّن الفصل الأول "الدراما العراقية في الثمانينات" 19 مقالة نُشرت غالبيتها في مجلة "فنون" وصحيفة "العراق" وقد خلا بعض المقالات من الإشارة إلى مكان النشر. ما يميّز الناقد رضا المحمداوي هو وقوفه المتأني عند مختلف مفاصل العمل الدرامي التلفزيوني بدءًا من القصة والإعداد والسيناريو والحوار، مرورًا بالاستهلال، والثيمة، والحبكة، والمسارات السردية المتعددة، والخاتمة، وانتهاءً بالإخراج وما يتطلبه من مفاهيم ورؤىً وتقنيات مع التركيز على أداء الممثلين والإشادة بمواهبهم الفنية أو انتقاد عيوبهم وتجسيدهم البارد من دون أن يهمل التصوير، والمؤثرات السمعية والبصرية وكل ما له علاقة بوضع اللمسات الأخيرة على العمل الدرامي التلفزيوني. ولابد من التنويه أيضًا بأنّ رضا المحمداوي شاعر أيضًا، وقد أفادته اللغة الشعرية في صياغة أفكاره وأرائه النقدية بطريقة جذّابة تكشف عن جهده العميق في نحت الجملة النقدية بحيث يغدو المقال أقرب إلى "السبيكة الذهبية" التي لا تعتورها الدمامة، ولا يُثقلها الترهل والإطناب المزعج والخارج عن الحدّ فلاغرابة أن تكون غالبية مقالاته مشذّبة ورشيقة وأنيقة إلى حدٍ كبير.
ما يُغري في قراءة هذا الكتاب هو قدرة المحمداوي في تشخيص الثيمة وصياغتها بجُمل قصيرة متقشفة تتيح للقارئ أن يُمسك بالمُهيمنة النصيّة، إن صحّ التعبير. ومن ثيمات الفصل الأول أزمة السكن، وانشطار العائلة العراقية، وكسر سطوة الزوج، وغواية الفتيات في العلاقات العاطفية العابرة، وتصادم الأخوة، وهاجس إكمال الدراسة في إحدى الجامعات الأجنبية، والوقوع في حب فتاة أوروبية، ومرض الزوجة، وتعاسة الأغنياء، وسعادة الفقراء، والهجرة من الريف إلى المدينة، والإرث المادي وترِكة الآباء، والفساد الإداري، وزواج المصلحة، والوقوف في منتصف الطريق بين الحياة والموت، والشعور بالتوحّد والعزلة، والهجرة المعاكسة من المدينة إلى الريف، والزواج المتأخر وما ينطوي عليه من تداعيات نفسية معروفة. وبما أننا لا نستطيع الوقوف عند 57 مقالة فإننا سننتقي نماذج محددة من كل فصل لكي نبرهن على براعة العُدة النقدية التي يمتلكها الناقد والمخرج التلفزيوني رضا المحمداوي. ففي تمثيلية "دار . . . داران" التي كتبها وأخراجها عادل طاهر يعتقد المحمداوي بأن هذا العمل الفني قد "جاء لاهثًا، مُنهكًا"، ويصف شخوص التمثيلة بأنها "نمطية عاجزة عن امتلاك أسباب تطورها ونموها وليست وراءها أيما خلفية أو أبعاد حقيقية". وفي الوقت الذي يُعجب فيه بأداء غزوة الخالدي ينتقد ليلى محمد "لأنها لم تستطع لحد الآن (أي قبل 40 عامًا) أن تكسر حاجز الرهبة أمام الكاميرا فبدت حائرة وضائعة ومما زادها ضياعًا هو حوارها المُقتضب".
يكرّر المحمداوي في تمثيلية "الحاجز" التي كتبها صباح عطوان وأخرجها حسن الجنابي الإشادة بأداء غزوة الخالدي ويصفها بـ "الطاقة المتجددة" خصوصًا إذا ما أحسنَ المخرجون إسناد الأدوار المناسبة لها. أمّا موقفه من الكاتب صباح عطوان فهو يترجّح بين المدْح والقدْح لكنه يقرّظه في هذا النص الدرامي ويقول عنه:"لقد استغنى (صباح عطوان) في تأليفه لهذه التمثيلية عن الكثير من الحوارات ذات الطبيعة الإنشائية التي كانت تزخر بها بعض أعماله السابقة ليحل محلها حوارات تقترب من اللغة العادية غير المصطنعة، كما أنه لم يقف وراء شخصياته ليتحدث نيابة عنها، بل تركها على سجيتها تدافع عن نفسها وتخاطب الآخرين". ولم ينسَ الإشادة بدور حسن الجنابي كمخرج متمكن استطاع أن يقود كادره التمثيلي بنجاج ويستنطق المواهب الكامنة في أعماقهم.
يعود المحمداوي في تمثيلية "أشياء لا تُباع" التي كتبها صباح عطوان وأخرجها صلاح كرم ليدمغ هذا العمل بالركاكة الفنية، والثيمة المستهلكة، ورخاوة الخيوط التي نسج منها هذا العمل الدرامي المثقل بالتقليدية والهزال. وانتقد المخرج صلاح كرم لأنه ظل أسيرًا للنظرة التي تقول بأنّ السيناريو المدوّن على الورق هو الشكل النهائي للصورة المُتلفزة فوقع ضحية للنقل الحرفي الذي أثقل إيقاع العمل الدرامي وأفقده قدرته
على الشد والتشويق والإبهار.
ينتقد المحمداوي الفنان محمود أبو العباس الذي أعدّ تمثيلية "غبار الطلع" عن قصة لموسى كريدي تحمل الاسم ذاته ويرى أنّ القصة قد رسمت لنفسها خطًا بيانيًا قصيرًا يفتقر إلى التعرجات التي تسهم بدفع الشخوص تجاه بعضهم بعضا لذلك جاءت الفكرة كسيحة، متباطئة لا تحمل في طياتها بذرة نموها وتصاعدها الدرامي المحتدم. فلاغرابة أن يؤكد غير مرة على الكاتب الدرامي المحترف الذي يكتب خصيصًا للدراما التلفازية التي تترك تأثيرها الكبير(سلبًا وإيجابًا) على ملاييين المشاهدين.
لا يبدو المحمداوي مقتنعًا تمامًا بالسيناريو والحوار اللذين كتبهما الفنان يوسف العاني لكنه يؤازر أداءه وتألقه بمعية الفنانة غزوة الخالدي ويؤشر على وجود هفوات مونتاجية للمونتير مارتن يوسف كما ينتقد المخرج كارلو هارتيون الذي وصف البناء الدرامي بأنه "واقعي جديد" وتمنى عليه أن يُدقق في كلامه وتوصيفاته "ليُحسن التعبير عنه بعلمية".
يثني المحمداوي على الفنان خليل شوقي في أكثر من موضع في هذا الكتاب ويُشيد بخبرته ومهارته ودرايته الفنية في تمثيلية "شروق شمس لا تغيب" التي كتبها صباح عطوان وجسّد فيها ثلاث قصص بخطوط درامية متداخلة وفي أعماله الإخراجية السابقة على قلّتها كما يشيد بفضل تقديمه الفنانة فوزية الشندي بعد غياب دام أكثر من ثلاث سنوات وتقريبه للممثلة أميرة جواد التي لا تقل قدرة وكفاءة عن زميلاتها الأخريات في الوسط الفني العراقي.
يركز المحمداوي في مسلسل "جذور وأغصان" الذي كتبه عبدالوهاب الدايني وأخرجه عبدالهادي مبارك على الأداء الذي طغت عليه المبالغة، وساد فيه عنصر التكلّف الذي شمل غالبية الممثلين باستثناء الفنان خليل شوقي الذي نجح في التغلب على هذه المشكلة بالإلقاء السريع لحواراته وتخلصه من البرودة والفتور.
يشتمل الفصل الثاني على 23 مقالاً نقديًا من بينها مسلسل "إيمان" تأليف معاذ يوسف وإخراج حسين التكريتي الذي يتمحور على زوجين مُطلّقَين تقف بينهما ابنتهما الوحيدة إيمان. ويرى المحمداوي "أنّ الحبكة الدرامية لهذا المسلسل تميل إلى الافتعال والمغالطة أكثر من ميلها إلى الواقع والإقناع". كما ينتقد المخرج حسين التكريتي ويعتقد أن هذا العمل لا يتناسب مع خبرته الإخراجية التي اكتسبها على مدى سنواتٍ طوالا.
ما يميز هذا الكتاب هو وجود الفيلم التلفزيوني إلى جانب التمثيليات والمسلسلات وقد توقف المحمداوي عند أكثر من فيلم تلفازي من بينها "الكاتب الظريف" الذي كتب له السيناريو حافظ العادلي وأخرجه ناصر حسن، وتألق فيه الفنان الكوردي كامران رؤوف الذي أبدى فيه قدرًا كبيرًا من الخفة والنفَس الفكاهي.
لا تحظى الأعمال التلفازية الدرامية للفنان حمودي الحارثي بإعجاب المحمداوي فهو يرى أن تمثيلية "خطوة واحدة . . . خطوتان" التي كتبها علي زين العابدين ترتدي لبوس الافتعال والتلفيق، ويشدّد على ضرورة ابتعادها عن خاصية "المسْرحة" التي تفضي به إلى مزالق كثيرة لا تحتاج إليها الدراما التلفازية. وسوف يتضاعف هذا الانتقاد في تمثيلية "رجل وامرأة" التي يقول فيها:"يبقى الحارثي صاحب فكرة درامية أو موضوعة اجتماعية لكنه يبدو وكأنّ أدواته التعبيرية تعجز عن تجسيد تلك الفكرة أو صياغة تلك الموضوعة بإقناع كبير مثلما يفتقد صدق المشاعر والدوافع لدى شخوصه الرئيسة". وأكثر من ذلك فإنّ المحمداوي يقول:" تتصف أعمال الحارثي بتواضع مستواها الفني وتعاني من ضعف في أسلوب معالجتها الإخراجية؛ تطوره الإخراجي بطيء للغاية ولا يكاد يُلحَظ بين عملٍ وآخر إن لم أقل إنه مازال يراوح في مكانه"! وربما ينسحب هذا التقييم الصارم على تمثيلية "سيد البيت" التي أخرجها كارلو هارتيون فتبعثرت بين يديه وفقد زمام السيطرة عليها ووصل الناقد إلى قناعة بأن هارتيون ". . . يعمل بنصف قدرته الإخراجية"!
يركز المحمداوي في بعض مقالاته على المؤلف كما هو الحال في تمثيلية "ضيوف المطر" التي ألفها فاروق محمد وأخرجتها فردوس مدحت، وقد أثنى على تمايز كاتب النص ومخالفته النمط التأليفي الشائع لدى كُتّاب الدراما التلفزيونية من جهة، كما نوّه باكتناز الكاتب وقدرته على التركيز من دون أن تتبعثر أفكاره التي تشكّل نسيج النص وجوهره الدرامي.
لم تسلم عواطف نعيم التي اشتركت في تأليف "أنا والأصدقاء" من الانتقادات الحادة التي وجهها المحمداوي الذي قال بأنّ هذا العمل "باهت وضعيف وهزيل ولا يمتلك أيًا من مقومات العمل الدرامي" وأضاف في السياق ذاته:"أتمنى على الفنانة عواطف نعيم أن تتأنى في كتابة نصوصها التلفزيونية". مع الأخذ بنظر الاعتبار أنها كتبت هذا النص الدرامي قبل 29 سنة!
تتواصل هذه الرؤية النقدية الحادة لتطال أعمالاً أخرى من بينها "سهرة في التنّور" التي كتبها أحمد الدليمي وأخرجها حسن علي حيث وصفها بـ "العمل الركيك في التأليف والإخراج ولا تنتمي إلى واقعها ومجتمعها؛ تمثيلية مضطربة لم يُحسن (علي حسن) صياغة معلوماتها أو إخراج مشاهِدها"!.
نختم هذا الفصل بإشادة المحمداوي بالمخرج طارق الجبوري صاحب مسلسل "زمن القلوب الوحيدة" الذي لمس فيه "معالجة فنية متوازنة حافظت على وحدة البناء الدرامي". كما أشاد بفيلم "الخفافيش" وقال عن مخرجه طارق الجبوري بأنه "قادر على تطوير أدواته الإخراجية".
يتضمن الفصل الثالث "من دراما التسعينات، اسمٌ . . . وتجربة" ثلاثة أعمال درامية تلفازية كتبها المؤلف فائز ناصر الكنعاني وهي "غرباء في منتصف الليل" إخراج بسّام الوردي، و "الحب . . . شيء آخر" إخراج عادل طاهر، و "يوميات فراشة مُحنّطة" إخراج كاظم حسين خلف. لم يرَ المحمداوي في تمثيلية "غرباء . . " سوى "شكل عتيق بإطار تمثيلي متهالك". أما تمثيلية "الحب . . . شيء آخر" ففيها إضافة إلى " عيوب التأليف، وضعف الفكرة وهنٌ وفجاجة تعتري العلاقة بين سالم ورفاد . . . واللغة إنشائية مبالغ بها والصياغات تفتقر إلى بساطة اللغة اليومية وحيوتها" وأكثر من ذلك فإنّ النص فيه رتابة وافتعال فلاغرابة أن يكون الإخراج تابعًا لتلك الركاكة التأليفية التي تنسحب في خاتمة المطاف على المخرج عادل طاهر الذي يُذيّل العمل الدرامي بتوقيعه الشخصي. ينفرد المحمداوي في نقده وتحليله لتمثيلية "يوميات فراشة مُحنّطة" بأن يقدّم حلاً أو مُقترحًا جديدًا حيث يقول:"كان بمقدور المؤلف أن يطوّر الخط العاطفي وينوّع في مساره ويقوده إلى الغنى والاكتناز كأن يكون الأستاذ - الحبيب مثلاً عبارة عن صورة مجسّدة حيّة في عاطفة (كريمة) لشخصية الأب المهاجر/ الغائب. وما الاندفاع الوجداني لـ (كريمة) تجاه الأستاذ سوى استحضارها لرغبتها الدفينة في وجود الأب المفقود في حياتها". وكنت أتمنى على المحمداوي أن يُكثر من تقديم الحلول والمقترحات والمعالجات البديلة ولا يكتفي بتأشير مواطن الضعف والخلل فقط.
يتألف الفصل الرابع الذي أدرجهُ المؤلف تحت عنوان "من دراما التسعينات . . . من القصة القصيرة إلى الدراما التلفزيونية" من أربع مقالات رصد فيها قصص ثلاث تمثيليات درامية الأولى هي "برج الدلو" قصة هادي الجزائري، سيناريو وحوار يوسف العاني، إخراج فارس مهدي. تتمحور ثيمة هذه التمثيلية على وقوع بعض الناس تحت تأثير أوهام وأباطيل الأبراج التي تنشرها الصحف والمجلات. ولو تفحصنا القصة جيدًا لوجدناها خالية من هذه الثيمة لكن يوسف العاني هو الذي ابتكرها ليضفي الحس الفكاهي على العمل التلفزيوني. ومع ذلك فإن المحمداوي يرى "أنّ التمثيلية قد ظلّت على جانب من البرودة والافتعال". أما تمثيلية "الياقوتة" قصة ميسلون هادي، سيناريو وحوار يوسف العاني، وإخراج طارق الجبوري فهي من وجهة نظر المحمداوي "تبقى بحاجة إلى ذلك البناء الدرامي المتعارف عليه في صياغة العمل التلفزيوني بما فيه من مستلزمات الإقناع وضرورة توفر التسلسل المنطقي للأحداث". وعلى الرغم من إشادة الناقد بتجربة الجبوري الإخراجية إلاّ أنه عاد ودمغ العمل الدرامي بالإبطاء والتثاقل الملحوظ في خطواته. ولعل تمثيلية "اللُغز"، قصة عبدالستار ناصر، سيناريو وحوار يوسف العاني، وإخراج فارس مهدي هي الوحيدة التي سلمت في هذا الفصل القصير والخاطف من المشرط النقدي والملحوظات الصارمة واكتفى المحمداوي بالإشارة إلى "صعوبة تطويع بعض القصص الأدبية لمتطلبات ومواصفات الكتابة الدرامية للتلفزيون". أما المقالة الرابعة الطويلة نسبيًا فقد تضمنت أربع أوراق ترصد جوانب من أزمة الدراما التلفزيونية العراقية ناقش فيها المحمداوي "أفلام السكرين" و "المودرن" وهي مسلسلات عراقية ذات طبيعة اجتماعية معاصرة يغلب عليهاالإحساس التجاري والقفز على المشكلات المحلية.
يرصد رضا المحمداوي في الفصل الخامس "الدراما العراقية عام 2000م" وقد خصّ هذا الفصل بخمس مقالات اتسم معظمها بالرضا والنَفَس الإيجابي. فقد وصف الفيلم التلفازي "دموع الغفران" تأليف وإخراج نبيل يوسف بأنه "يشكّل أنموذجًا دراميًا فيه من الجدة ما يضعه في موقع متميز من حيث الشكل الإنتاجي، وهو النمط الذي افتقدته الشاشة العراقية لسنوات طويلة".
أمّا مسلسل "حكاية من الزمن الصعب" تأليف علي زين العابدين وإخراج فردوس مدحت فاعتبره المحمداوي ناجحًا "وسرّ النجاح يكمن في حُسن اختيار المخرجة فردوس لطاقم التمثيل وحسن قيادتها له".
نادرًا ما يشيد المحمداوي بالكاتب والمخرج والممثلين معًا لكن هذا الأمر حدث مع مسلسل "منّاوي باشا" الذي كتبهُ علي صبري وأخرجه فارس طعمة التميمي. يقول المحمداوي عن المؤلف والمخرج معًا:"لقد حقق علي صبري في (منّاوي باشا) قفزة نوعية لأعماله وارتقى بعمله بالدراما العراقية إلى مستوى ناضج حقًا". أمّا عن فارس طعمة التميمي فقد "أخرج (مناوي باشا) إلى الضوء بأبهى حالاته، وقاد ممثلين متمرسين بطريقة شبابية مؤثرة".
يطرح المحمداوي عددًا من الأسئلة في مقاله المكرّس لمسلسل "طرقات الليل" للمخرج يوسف نبيل أولها "مسألة التشتت والتبعثر بين الشخوص وزمنها. فنحن لا نعرف على وجه الدقة واليقين إلى أي حقبة من الزمن تنتمي هذه الشخوص؟ وتحت أي سقف من الظروف الاجتماعية تدور علاقاتها المتشعبة؟ فلاغرابة أن يبقى المسلسل مُعلقًا بين زمنين ويُعلّق معه رسالته الاجتماعية كما يذهب الناقد.
يتمحور الفصل السادس والأخير على "الدراما العراقية والتاريخ" حيث اختار المؤلف ثلاثة نماذج متفرقة أولها "ثلاثية معروف الرصافي" تأليف معاذ يوسف وإخراج جاسم شعن التي رصد فيها المرحلة التاريخية التي عاصرها الرصافي بين 1875م، سنة ولادته و 1945م، سنة وفاته لكن المحمداوي يرى أنّ هذه الثلاثية لم تنصف الرصافي شاعرًا وإنسانًا. كما أنّ الناقد لم يقتنع بهذه الثلاثية تأليفًا وتصويرًا وإخراجًا. أمّا المسلسل التاريخي الثاني فهو "المقتفي لأمر الله" تأليف معاذ يوسف أيضًا وإخراج طارق الحمداني. وعلى الرغم من أهمية الثيمة التي ترصد حصار بغداد وإسقاط مركز الخلافة العباسية من قبل السلاجقة إلاّ أن المحمداوي يرى بأنّ "غالبية الأعمال الدرامية تعاني من ثقل الإيقاع، وبطء سير الأحداث" وهي ملحوظة عامة صادفناها في العديد من مقالات هذا الكتاب. ويبدو أنّ المسلسل الثالث والأخير في هذا الفصل القصير أيضًا والذي جاء تحت عنوان "الزمن والغبار" تأليف فاروق محمد، وإخراج هاشم أبو عراق الذي يدور في حقبة الاحتلال البريطاني للعراق قد نجا من اللوم والتقريع. ورغم أن الناقد قد ركز كثيرًا المكان كالخان والمقهى وما إلى ذلك إلاّ أنه لم ينسَ الإشادة بدور الفنانة آلاء حسين التي جسّدت شخصية (إيلي)؛ المرأة الأجنبية التي "صودر منها الحوار ولم يبقَ منه سوى كلمات مبعثرة ومتقطِّعة لكنها استطاعت أن تملأ تلك الكلمات بطاقة تعبيرية متميزة ساعدتها على إضفاء لمسة أدائية خاصة بها".
لا شك في أنّ هذا الكتاب جدير بالقراءة ويعطي صورة بانورامية شاملة تغطي عقدين من الزمن العراقي المضطرب وقد أجاد المحمداوي في دراساته النقدية التي تنطوي على قدرة تحليلية واضحة تربكها أحيانًا التوصيفات النقدية "الوعرة" التي نمتلك لها من البدائل ما يغنينا عن هذه الوعورة أو الخشونة التي تجرح الشخص المنقود أو تكدّر مزاجه في أقل تقدير.
النزاهة تحقق في قضية تهريب الذهب من مطار بغداد
18-تشرين الثاني-2024
الأمن النيابية: التحدي الاقتصادي يشكل المعركة المقبلة
18-تشرين الثاني-2024
الجبوري يتوقع اقصاء الفياض من الحشد
18-تشرين الثاني-2024
نائب: الفساد وإعادة التحقيق تعرقلان اقرار «العفو العام»
18-تشرين الثاني-2024
منصة حكومية لمحاربة الشائعات وحماية «السلم الأهلي»
18-تشرين الثاني-2024
مسيحيون يعترضون على قرار حكومي بحظر الكحول في النوادي الاجتماعية
18-تشرين الثاني-2024
الموازنة الثلاثية.. بدعة حكومية أربكت المشاريع والتعيينات وشتت الإنفاق
18-تشرين الثاني-2024
النفط: مشروع FCC سيدعم الاقتصاد من استثمار مخلفات الإنتاج
18-تشرين الثاني-2024
تحديد موعد استئناف تصدير النفط من كردستان عبر ميناء جيهان التركي
18-تشرين الثاني-2024
فقير وثري ورجل عصابات تحولات «الأب الحنون» على الشاشة
18-تشرين الثاني-2024
Powered by weebtech Design by webacademy
Design by webacademy
Powered by weebtech