حديث النهايات السائبة!
16-نيسان-2023
عمار البغدادي
قبل ثلاثة أيام كان وزير الداخلية ضيفا على الفضائية العراقية وقد شاهد العراقيون في ذلك المساء الرمضاني الوزير وقد اماط اللثام وكشف عن الإجراءات الحكومية الخاصة بعدد من الملفات المهمة وقد شكل حديثه نقطة ارتكاز حقيقية يمكن البناء عليها في المستقبل .
الحزم الذي ظهر على حديثه وهو يتحدث عن استهداف رجل الشرطة وقوله انه تهديد شخصي له لم يسبق ان سمعناه على لسان وزير هذا ليس عيبا في الذين سبقوه قدر ماهو تشخيص موضوعي يعكس عناية الوزير الشمري برجال الشرطة ودورهم الاجتماعي في ضبط الامن وحماية الاستقرار وحفظ الحقوق المدنية لافراد المجتمع .
في السابق كان التركيز ينصب على حماية المدنيين من الغارات الإرهابية ولم يكن الاهتمام منصبا على التهديد الذي يتعرض له رجل الشرطة في الشارع' كانت حماية رجل الامن اسبقية ثانية بينما كان امن المجتمع اسبقية أولى ومع تطور العملية السياسية وظهور مستويات واضحة للاستقرار الاجتماعي وانحسار ظل الإرهاب ظهرت مستويات من التهديد غير مسبوقة منها الترسبات العشائرية والخلافات الشخصية والعصبيات الفردية والسلوكيات والخلافات النادرة التي تعكس اخلاقيات أصحابها ولاتعكس بالضرورة اخلاقيات العشائر العراقية الكريمة فصار الاعتداء على رجل الشرطة حالة عادية في الشارع وقد رايناها جلية واضحة في السنوات الاخيرة اذ ظهرت مجموعات من الافراد اثناء التظاهر تسيء لرجل الشرطة الذي جاء لمكان التظاهر بهدف حمايته وليس هدمه او العدوان عليه او النيل من رجل المرور في الشارع واثناء ادائه لعمله ' كل هذه المشكلات وتصرفات صبيانية أخرى هدفها النيل من دور الشرطي ومكانته الوظيفية والحكومية والرسمية وحتى الاجتماعية وقد توقف الوزير الشمري بقوة ضد هذه الظاهرة واتيحت له الفرصة للحديث عن نقد هذه الظاهرة وتحذير المتجاوزين أيا كان مصدرهم ومنبعهم واكد بالحرف وامام ملايين العراقيين ان تهديد رجل الشرطة في الشارع وفي مكان أداء العمل تهديد شخصي له وهو تهديد مماثل اطلقه الوزير ضد هذه الفئات التي لاتفهم غير منطق القوة.
تحدث الوزير عن ظاهرة الرشوة وعدها في البداية غدة سرطانية يجب ان تستأصل من جسد الدولة والوزارات والمؤسسات ومن السلوك الاجتماعي الفردي والجماعي ولابد من حملة حقيقية تواجه هذه الظاهرة لانها لاتؤذي الفرد وحسب انما تؤذي الدولة ومستقبل ادارة البلاد لهذا أوضح ان الرشوة في وزارته محرمة بقوة وتصل عقوبة المرتشي الطرد من الوظيفة !.
الوزير الشمري الذي بدى حادا وجادا في موضوعة العقوبة الخاصة بالرشوة ارسل رسالة لكل الذين في قلوبهم مرض وعلى كافة المستويات والمراتب مفادها الحذر من اللعب بالنار او التمادي في التعاطي مع هذه الظاهرة مثلما هي رسالة وصلت من ابسط رجل شرطة في الشارع الى المستويات العليا في الوزراة ولعله فعلها بعد توزيره مع مستويات عليا ودنيا فاحال على التحقيق عشرات الضباط وعلى الامرة اخرين ولازال التحقيق والحزم في إدارة هذا المرفق الإداري والاجتماعي والسلوكي قائما .
في احاديثه المختلفة وليس في حديث العراقية قبل أيام يشدد الوزير الشمري على تحذير التعاطي والتورط في الرشوة ومنع الولوغ في مستنقعها وايقاع اقصى العقوبات بحق مرتكبيها والهدف ان الرشوة داء لايصيب الفرد المنتسب او الضابط او المسؤول الشرطوي وحسب قدر ما يصيب الوزارة ومفاصلها وتشكيلاتها بالصميم واذا فسدت الوزارة ساب الامن وفقدت الوزارة قدرتها على تصريف عمل المواطن ومؤسساتها الأمنية المنتشرة في العراق لذلك فان فلسفة التحريم قائمة على تحقيق نسبة انجاز واضحة في التحذير والعقوبة بهدف حماية الوزارة من الوقوع في مزالق التلكؤ او الضعف الإداري والقدرة على النيل المجتمعي وخروجها عن سياق الخدمة والوزير باعتباره وزيرا سياديا معني بالدرجة الأولى بواقع الوزارة وتطورها ونظافة مرافقها وتفاعل منتسبيها وموظيفها مع واقعيات عملها الوظيفي ويهمه بالدرجة الأولى كيف يمكن الالتزام بعملها وتاهيل مرافقها واعادتها بقوة الى سابق عهدها وزارة مسؤولة عن الامن الاجتماعي العام .
ولم يكتف الوزير بهذا انما انطلق بحديثه في الافاق التي توسع من فلك الإرادة السياسية التي تعمل على انجاز وعد الدولة العادلة من خلال الحديث عن الحزم في مواجهة الدكة العشائرية التي يحاول الوزير حلها وإيجاد الافاق الممكنة للقضاء عليها بوجود الدولة والوزارة وامكانياتها وهواتفها الرسالية وتاثيرها في الأوساط العشائرية ومحور تنظيم حملات جمع الأسلحة ولاسلاح الا سلاح الدولة .
يبدو لي ان وزارة الداخلية والوزير الشمري يتجه الى الخيار الثاني حلا ستراتيجيا في تطويق ظاهرة الدكة العشائرية وهذا الامر يعتمد على قدرة الوزارة في النفاد الى مخازن الأسلحة وإصدار مذكرات التوقيف وتنظيم عملية استحصال السلاح وحيازته .
واغلب الظن ان الوزير الواثق من تصريحه واثق من الخطوات الموضوعية التي سيأخذها في مواجهة عنف استخدام السلاح في حل المنازعات العشائرية وان الحل الثاني هو الدواء الناجع والسبيل الواضح والخيار الأخير للقضاء على ظاهرة الدكة العشائرية .
هذا القرار يستلزم الوقوف على مصادر التمويل ومنابع تسريب الأسلحة سواءا في الداخل او على الحدود المشتركة مع البلدان المجاورة .
لن يخوض الوزير حربا في الشوارع مع الحيازات المحرمة للسلاح بل سيوقفها بمذكرات القبض والاستيلاء على المخازن ويعاقب حملة السلاح وسيتدرج في العقوبة الى مستخدمي السلاح في الاعراس والاحزان سيما وان ضحايا الاعراس والاحزان والانتصارات الرياضية الذين يسقطون في الشارع اضعاف الضحايا الذين يموتون في الدكات العشائرية !.
من جانب اخر يبدو ان الوزير الشمري يعكف ومن خلال هيئة الراي في الوزارة على اجراء معالجات بنيوية تمس مفاصل مهمة لها علاقة مباشرة بقضايا الامن القومي والعناية بالمديريات ذات الصلة بتمويل "الطاقة" في الوزارة بغية إدخالها الى الخدمة وتنشيط عملها الشرطوي سواءا في الإدارات او في المسؤوليات ووظائف القادة مع الاخذ بنظر الاعتبار ان الوزير يعمل على اخراج الوزارة من الطابع الروتيني الى النمط الحديث الذي يعتمد الكفاءات وتربية القادة الجدد وإدخال التقنيات الحديثة على مفاصل عملها وستشهد المرحلة المقبلة تطورا في عمليات رصد الجريمة الجنائية كالخطف والتسليب والمخدرات وتسجيلها والتعامل معها والتعاطي مع مفرداتها ومراقبتها ابتداءا من مركز الشرطة مرورا بكافة الأجهزة الرقابية والإدارية والقضائية وتنتهي بالوزارة .. وهو نظام صمم على يد مجموعة من الخبراء في وزارة الداخلية واطلع الوزير على تفاصيله في احدى الاجتماعات الداخلية.
مقابلة الوزير في قناة العراقية الرسمية كشفت الكثير من خيارات احتواء الجريمة المجتمعية وأوضحت افاق التطوير والتاهيل في الوزارة ولن تتوقف ما دام القرار تأسيس مشروع اصلاح وطني يبدأ من راس الهرم ولا يتوقف عند هرم اخر صنم للفساد!