حراك تشرين ورسائله الخمسة
1-تشرين الأول-2022
مصطفى ملا هذال
خرج الحراك التشريني من سباته الطويل الذي كان عليه بعد تفتيته من قبل الحكومة الحالية برئاسة السيد مصطفى الكاظمي، وجاء بعد الخروج بخمسة رسائل موجهة لجهات عدة، وكأنها خارطة طريق للفترة القادمة، اذ جاء في بيان اللجنة المركزية الخاصة بالتحضير لخطوة الأول من تشرين الأول من العام الجاري خمسة بنود كمرحلة أولية لبدأ الحراك المنتظر.
الرسائل الخمس لو فككنا كل منها لوجدناها، تحمل العلامة التجارية لنفس الرسائل التشرينية الماضية ولا تختلف عنها، الا من حيث إعادة صياغتها بالشكل الذي ينسجم مع التغيير المرحلي والوقت الذي عقب اندلاع الثورة عام 2019، وفي المجمل لا يمكن ان يكون جديد يستحق التحدث فيه.
لم يخرج البيان عن الكلمات المنمقة والمزوقة التي يتفوه بها الساسة والراغبين في الدخول بهذا المضمار من الطبقات الاجتماعية، فهو أكد على ان الحراك الذي سيكون في تشرين نابع من الشعور بالمسؤولية تجاه الشعب أولا والوطن ثانيا، وربما تكون هذه الجزئية هي العصى التي يتوكأ عليها جميع الذين يسعون نحو الوصول الى قبة البرلمان المنتهية صلاحيته لحد هذه اللحظة.
الحراك قال في بيانه ان الجماهير التي ستتجمع في الساعة العاشرة بساحة النسور ستتوجه الى المنطقة الخضراء، حيث مقر السلطة ورأس الحكومة، وفي ذلك إشارة الى احتمالية وقوع الخطأ الذي وقعت به الحركات الاحتجاجية الأخرى، التي تبعت ثورة تشرين، ومن المتوقع ان تعاد نفس المجازر وتزهق أرواح الأبرياء مجددا.
تشرين السابقة لمن تتمكن من معالجة الأخطاء التي وقعت فيها، ومن هذه الأخطاء هي الثقة العالية بالنفس والرغبة الجامحة في التغيير، وكأنها تملك المصباح السحري، الذي يضم المارد القادر على تحويل البوصلة من الهزيمة الى النصر، ومن الحرب الى السلام، ومن الفوضى الاستقرار.
ربما يوجه أحد المتابعين السؤال للحراك التشريني الذي ينوي النزول الى الشارع مرة أخرى، ويقول ما هي الإصلاحات التي تمت في النظام الداخلي التشريني منذ وأد الثورة الى الآن؟
وفق البيان الأول لا يوجد أي تغيير في أسلوب الاحتجاج السلمي، ولا تزال اللغة التحشيدية هي الأعلى، ولا يزال التعويل على الشعب في الخروج هي الثابتة الوحيدة لدى الحراك، اذ وجه لأبناء الشعب الخطاب، مذكرا إياهم بالاضطهاد والحيف الذي لحق بهم من جراء العملية السياسية المنخورة، وانهم ضحية الإخفاقات المتوالية، اذ عمل على تأليب واضح للرأي العام وتشجيع مباشر للخروج مع وضوح الأهداف وغياب التخطيط.
من يتابع المؤتمر الذي ألقي فيه البيان الأول ستستوقفه عبارة تطوير الأسلوب الاحتجاجي السلمي، ولا بد من معرفة ما هو المقصود بهذه الجملة الواسعة المعاني والحمالة للأوجه، فكيف يمكن للمحتج ان يطور أسلوبه وهو يعرف ان السلمية أقرب ما يكون الى مسك في الهواء، وسط ما تلاقيه الجموع الخارجة في كل مرة للمطالبة بالحقوق من ضرب بالرصاص الحي وحملة اعتقالات ومطاردة مستمرة للشخصيات القيادية والرموز البارزة فيها.
أكد البيان على ان الأول من تشرين سيكون الحد الفاصل لإنهاء العقد القديم القائم على المحاصصة والطائفية والتوافقية، مشيرا الى أهمية كتابة عهد جديد يكتبه الأبناء الثوار الاحرار الذين لا يرضون بالذلة ولا يعرفون شعور الخوف من السلطة، فيما اوجب الخروج الجماهيري الكبير، واكتفى بهذا الحد ولم يوضح الآليات والقواعد التي سيتم وفقها التغيير والقضاء على الشوائب.
ومن الملاحظات التي يمكن تدوينها على النقاط الخمسة المطروحة في البيان هي، تحديد أولوياته في المرحلة القادمة في حال آلت السلطة اليه او المشاركة في العملية السياسية مع الأحزاب المتنفذة، اذ ركز على الاهتمام بحقوق الشهداء والجرحى والمتقاعدين والموظفين وأصحاب الشهادات، وانعدام الضمان الصحي والاهتمام بشريحة المزارعين، الى جانبن والمرأة والطلبة ورسوم الجامعات الفاحشة والمهجرين وسكان المخيمات.
هذه السلة الإصلاحية بمجملها تعكس تفكير إيجابي يسعى للخلاص من السيء الذي رافق التغيير الجذري بعد عام 2003، لكن هنالك مغالطة وعدم توافق مع المنطق وهي ان الملفات المطروحة على طاولة التغيير لم تكن المرة الأولى التي طرحها الحراك التشريني من جهة.
ومن جهة أخرى فأن الملفات الموضوعة على طاولة الاهتمام والتنفيذ تحتاج الى خطط استراتيجية وسنوات من العمل الدؤوب لتنفيذها على ارض الواقع، وقد لا يكفيها دورتين او ثلاث حكومية وبالتالي يكون من العبث تناولها بهذه الطريقة، ويؤكد عشوائية التحرك الجديد الذي لم يحدد الى الآن نقطة الانطلاق الأساسية ومن ثم العمل على الملفات او المستويات الأخرى.
حراك تشرين إذا أراد النجاح في المحاولة القادمة لا بد من معالجة الإخفاقات التي رافقت العملية الاحتجاجية في عام 2019، ومن بين هذه المعالجات هي تحديد قيادة مركزية تبين الأهداف التي تجدد الحراك من اجلها والعمل على تنفيذها، ومن ثم الحرص الشديد على منع حالات الاختراق وحرف الثورة عن مسارها السلمي، لكي تحافظ على المقبولية الجماهيرية، بصرف النظر عن عدد الرسائل التي يحملها الحراك بجعبته وطرق ترجمتها بصورة عملية.