بغداد ـ ياسر الربيعي
في العام 2026 خصص البنك الدولي 50 مليون دولار لإنشاء "حساب الخزينة الموحد"، لكن المشروع واجه في حينها عراقيل كثيرة بدفع من أحزاب تعتاش على المال العام، الامر الذي جعل إدارة البنك تلغي المشروع، لكن حكومة السوداني تسعى اليوم لانشاء الحساب، وقد عقدت لأجل ذلك مباحثات عدة مع الجهة المعنية لتفعيل هذا النظام.
وحساب الخزينة الموحد، هو إحدى الممارسات في أنظمة الدفع وتحصيل الإيرادات الضريبية والتحكم بالإنفاق، من خلال التعامل المركزي مع أرصدة الحسابات المصرفية الحكومية. كما أنه جزء من حلول أنظمة معلومات الإدارة المالية، ويتم إنشاؤه عادة من قبل الخزينة المركزية أو المحاسب العام في وزارة المالية.
وبحسب تصريحات سابقة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، فإن تطبيق هذا النظام سيسهم في الحد من الفساد وسيتيح للحكومة الاطلاع على الرصيد الفعلي اليومي لتحديد نفقاتها بدلاً من توزيعها على أكثر من حساب، وتصفية الحسابات وحذف المكررة منها.
وتفيد مصادر سياسية مطلعة بأن أحزاباً تعرقل إنشاء الحساب، بهدف الإبقاء على عمليات الفساد والنهب لأموال البلاد، خاصة بعد إقرار الموازنة ووصول عشرات المليارات إلى الحسابات الخاصة بالوزارات المختلفة.
وبحسب خبراء المال والاقتصاد، فإن العراق لا يزال يعمل بالنظم المالية التي وضعت منذ أيام الحاكم المدني بول بريمر، والتي تسمح للدوائر والمؤسسات أن تفتح حسابات منفصلة لها وإدارة شؤونها المالية بشكل منفصل، وهي ممارسة تشكل خللاً في إيرادات الميزانية العامة.
وتمتلك جميع الوزارات والمؤسسات حالياً حسابات مستقلة وتخضع لإشراف مديريها العامين أو وزرائها، وجميع هؤلاء المسؤولين غالباً ما يتبعون لأحزاب فاسدة، ما يعني أن تلك الحسابات خاضعة لهم وتحت إرادتهم.
لكن الحساب الموحد يعني أن ترتبط جميع تلك الحسابات بحساب واحد يربط جميع التعاملات المالية، ما يسهل السيطرة عليه من قبل وزارة المالية عبر نظام إلكتروني يكشف جميع السحوبات وأبواب صرفها، ويطلب استرجاع غير المستخدم منها.
وتذكر المصادر، إن "البنك الدولي خصص 50 مليون دولار منذ العام 2016 لإنشاء هذا الحساب، لكن عراقيل تواجهه من أحزاب تسعى لإبقاء تحكمها بالمال العام، وتوزيع الإنفاق على المشاريع حسب ما يتلاءم وبرنامجها الانتخابي، رغم أن هذا النظام هو المعمول به في الدول الغربية الأخرى، لكنه في العراق ما زال يواجه مشاكل كبيرة"، مشيرة إلى أن "حكومة السوداني عقدت عدة جولات مباحثات مع البنك الدولي بشأن إنشاء هذا النظام، وما زالت في طور اتخاذ الخطوات الأولى".
وأضافت أن "تدخلات جرت من بعض قادة الكتل السياسية لإجهاض المشروع الجديد، لكن وزارة المالية تسعى لإمضائه رغم التحديات والصعوبات، خاصة وأن الاتجاه العام حالياً يمضي نحو مكافحة الفساد وتعزيز أي إجراء من شأنه أن يساهم في القضاء على تلك الظاهرة التي بدأت تنخر جسد الدولة العراقية".
وطبقا لمختصين، فإن إنشاء هذا النظام سيقلل من هدر المال العام، طالما بقيت الأرصدة المالية معروفة. كما أن الوزراء سيلزمون بتعليمات الصرف تبعاً للقوائم المرسلة والحاجة المقررة؛ إذ سيصبح الأمر الكترونياً عبر كودات ورموز بين وزارة المالية والبنك المركزي، والكل يراقب.
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي عبد الحسين الشمري، أن "تطبيق نظام الخزينة الموحدة سيمثل نقلة في مكافحة الفساد، وتقليل الهدر في المال العام العراقي، ويحد من السرقات المقننة، كما يجعل جميع التعاملات المالية مكشوفة أمام السلطات الرقابية"، مضيفا أن "هذا النظام معمول به في العديد من الدول، وهو يُنشأ بالتعاون مع البنك المركزي ووزارة المالية".
وأضاف الشمري أن "بعض الدوائر الحالية لديها أكثر من حسابات بنكية، وهذا يمثل ضياعاً للأموال، والكثير من الأموال تبقى لفترة طويلة في تلك الحسابات، دون الاستفادة منها، وحينها تكون عرضة للسرقات كما حصل في سرقة القرن، حيث بقيت تلك المليارات لعدة سنوات في حسابات متعددة، وحينها أصبحت فريسة سهلة للعصابات المنظمة، التي سرقتها أمام أنظار الجميع".