بغداد ـ هدير عقيل
مع وجود المواقع الالكترونية وسهولة ترويج الآراء والأفكار المخالفة، نتعرف ـ بشكل يومي ـ الى افكار جديدة، من بينها تلك التي تهتم بالتاريخ والاديان القديمة.
وظهر، مؤخراً، اهتمام ملحوظ بالآلهة القديمة. انما عدّهم البعض انهم آلهة حقيقيون، لهم صفات الهية كآلهة (الانوناكي او الاناناكي).
وتروّج العديد من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، تلك الافكار، التي تلاقي ـ بطبيعة الحال ـ تأييدا ومقاطعة ورفضا.
وكانت عبادة الالهة قد عمّت العالم القديم في مناطق الشرق الاقصى، مثل السومرية، البابلية وغيرهما، حيث كانت الديانات متعددة الالهة، وكل إله يختص بوظيفة.
تقول سارة (اسم مستعار): ان السومريين بلغوا درجة عالية من العلم، وأن اختيارهم للآلهة ليس عشوائياً، وبدون إدراك وفهم وجهل، إنما هم آلهة حقيقيون "أنا مستمرة بالبحث والقراءة عنهم لأصل إلى درجة الايمان المطلق بهم".
أما احمد (اسم مستعار)، فيرد على حديث سارة بأن تطور السومريين ووصلوهم إلى مرحلة عالية من التقدم العلمي والحرفي والفني، واكتشافهم السفينة والعجلة والكتابة، والكثير من الاكتشافات التي طورت البشرية، كانت قد نقلت إليهم من الانوناكي "هذا ما تخبرنا به الالواح الطينية السومرية".
بينما هدير (مدرسة تاريخ) كان لها رأي آخر؛ حيث نفت ذلك الحديث عن السومريين "كل هذه خرافات واساطير"، بحسب وجهة نظرها.
وتقول إن "كل هذه الامور تشكل غطاء للإلحاد ومحاولة لتجميله، أو لجعله مقبولا اجتماعيا".
وترجع هدير ترويج تلك الافكار ومناقلتها الى (زكريا سيتشن) في كتبه (انكي المفقود)، و(الكوكب الثاني عشر) حيث حرف زكريا الحقيقة بهدف اثارة الجدل وجمع المال، مستغلاً الحرب الباردة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. ولذلك لاقت افكاره رواجاً لأنه لم يلتفت أحد إلى حجم المغالطات والخداع في كتبه، وتزوير ترجمة الالواح. وتضيف هدير، ان زكريا لم يكن مؤرخاً، وليست لديه معرفة باللغة السومرية، انما كان صحفيا، وقد أظهر بعض المختصين زيف ادعاءاته. ويعرف وليم جيمس، الدين في كتابه (أنواع التجربة الدينية) بأنه: الأحاسيس والخبرات التي تعرض للأفراد في عزلتهم، وما تقود إليه من تصرفات. وتتعلق هذه الأحاسيس والخبرات بنوع من العلاقة، يشعر الفرد بقيامها بينه وبين ما يعتبره إلهاً. ويؤكد فراس السواح في كتابه (دين الانسان)، ان الدين يتكون في كل مكان وزمان من ثلاثة مكونات اساسية هي: (المعتقد والطقس والأسطورة)، وبعض المكونات الثانوية للدين التي تظهر بصفة عوامل مساعدة مشروطة بالسياقات التاريخية والاجتماعية، وهي (الأخلاق والشرائع). ومع توفر المكونات الاساسية والثانوية، يجري الايمان بهذه الافكار لدى الكثير من الافراد.
ولا يوجد كتاب علمي كان قد قدم وصفا علميا، يمكن الركون إليه عن نشأة الدين. والسبب ببساطة يعود إلى أن العلماء يبنون نظرياتهم بهذا الشأن على أساس من التخمين؛ فلم يترك لنا البشر الأوائل أي أثر مكتوب عن نشأة معتقداتهم، بل تركوا وراءهم وصفا أدبيا لأساطيرهم على هيئة ملاحم أدبية، بجانب ما بقي من المعابد والتماثيل والصور (الأوثان) التي كانوا يقدسونها. أما تفسير نشوء المعتقد نفسه ودوافعه فليس هناك أي دليل تاريخي عليه. ويقول الباحثون، إن إبراهيم بُعث في وقت مبكر من عمر الحضارة ببلاد الرافدين التي بدأت بالتشكل بعد الطوفان، وأنه حاول إعادة الناس إلى التوحيد ونبذ الشرك والوثنية. وقام في سبيل ذلك برحلات طويلة انطلاقا من مدينة أور بجنوب العراق ومرورا بحرّان في جنوب تركيا ثم إلى مصر ومكة التي أعاد فيها بناء الكعبة التي بناها آدم (أول مسجد ومعبد على الإطلاق)، وانتهاء بفلسطين التي توفي فيها، حيث لم يجد سوى التحدي والصدّ من الملوك والجبابرة. وقد تبع ظهور السومريين، نشوء حضارات مماثلة في مناطق متفرقة من العراق، وهي الآكادية والبابلية والكلدانية والآشورية. وظهرت فيها جميعا أساطير وثنية على يد الكهنة المتواطئين مع الملوك وبطرق متشابهة. ويعلل باحثون ومراقبون مهتمون بالشأن الديني، أسباب الالحاد أو النفور من الدين في العراق، بجملة عوامل مرتبطة بالصراع الطائفي، وتفشي أفكار التطرف الديني، وفظاعة الجرائم التي ارتكبتها عصابات القاعدة وداعش، الى جانب "عجز المنظومة الدينية عن مواكبة العلم، وتفسير التناقض بين العلم والدين" بحسب قولهم.