حكومة الاغلبية السياسية!
24-تشرين الأول-2022
محمد عبد الجبار الشبوط
كان من المحتمل ان تخطو البلاد خطوة نوعية نحو الديمقراطية لو تم اعتماد فكرة حكومة الاغلبية السياسية الى نهاية الشوط. ذلك ان ثنائية حكومة الاغلبية مقابل المعارضة القوية هي احدى قواعد بل شروط النظام الديمقراطي الاساسية.
في انتخابات عام ٢٠١٠ رفع احد الاطراف شعار حكومة الاغلبية. وفي انتخابات عام ٢٠٢١ تبنى طرف اخر نفس الشعار. (علما انني ذكرتُ في حينها ان الشروط الموضوعية لتشكيل حكومة الاغلبية غير متوفرة). وكان على الطرفين المتنافسين ان يدخلا سباق تشكيل حكومة الاغلبية، فاذا نجح احدهما بذلك توجه الطرف الاخر الى صفوف المعارضة. لكن انسحاب احد الطرفين من السباق ادى الى اجهاض التجربة، الامر الذي ادى الى سحب شعار حكومة الاغلبية من التداول، والعودة الى حكومة المحاصصة واشتراك الكل فيها بناء على ما يسمى بالاستحقاق الانتخابي. تبين ان الدعوة الى حكومة الاغلبية قائمة على شرط ضمني هو ان يتولى الطرف المعني تشكيل الحكومة لوحده، فاذا ما عجز عن ذلك اتجه اما الى الانسحاب من المسرح السياسي او العودة الى حكومة المحاصصة. وكلا الاحتمالين يكشفان عن ان الطرفين لا يؤمنون عمليا بالديموقراطية او لا يفهمونها نظريا.
حتى لو نجح الطرف المعني الان بتشكيل حكومة المحاصصة، فان الامر في حقيقته يمثل تراجعا عن الديمقراطية. ولا يثير هذا استياءً كبيرا، لان الديمقراطية لم تعد هدفا مرغوبا به من قبل قطاع واسع من الناس. وهذا ايضا يمثل بدوره تراجعا عن الديمقراطية. وهكذا اضعنا فرصة في اخرى في مجال السعي الى اقامة ديمقراطية صحيحة في العراق.
الانتخابات من شروط الديمقراطية. لكنها وحدها لا تكفي لوصف البلد بانه ديمقراطي. فمن شروطها ايضا وجود حزبين او ثلاثة بحجوم كبيرة تتنافس فيما بينها على السلطة بحيث تكون نتيجة المنافسة حكومة اغلبية تحكم ومعارضة اقلية تعارض وتراقب. وهذا الشرط غير متوفر حتى الان عندنا. لا يمكن في حالتنا الراهنة تشكيل حزب او حزبين او ثلاثة على الاكثر بحجم كبير، لان الاحزاب عندنا فئوية مغلقة (شيعية وسنية وكردية)، وليست احزابا وطنية شاملة. ومما يزيد الطين بله ان هذه الاحزاب الفئوية ليست الممثل الوحيد للمكون الذي تنتمي اليه، انما هي حزب واحد من بين عدد اخر من الاحزاب الامر الذي يضع قيدا اخر على حجمها. والنتيجة ان كل الاحزاب اما متوسطة الحجم، او صغيرة الحجم، او احزاب لا ترى بالعين المجردة.
وهذا بدوره يؤثر سلبيا على مبدأ اخر من مباديء الديموقراطية وهو تداول السلطة الذي ينص عليه الدستور في المادة (٦) التي تقول:"يتم تداول السلطة سلمياً عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور". وفي الواقع فان تداول السلطة محدود جدا بسبب التركيبة الطائفية للنظام السياسي حيث يتم حجز المناصب السيادية الثلاثة الاولى للمكونات الثلاثة (الشيعة والسنة والاكراد) مسبقا حيث لا يمكن تداول هذه المناصب خارج اطار المحاصصة الطائفية والعرقية. فضلا عن ان المحاصصة والاستحقاق الانتخابي يؤديان الى مشاركة الجميع في السلطة. وهذا ليس تداولا للسلطة انما هو احتكار، او توسيع لها. وبالتالي فانه من الصعب اعتبار النظام السياسي الحالي نظاما ديمقراطيا بسبب غياب القواعد الاساسية للديمقراطية.
يتطلب اضفاء صفة الديمقراطية على النظام السياسي الحالي اجراء تغييرات جذرية فيه تضمن قيام احزاب كبيرة قليلة العدد، وتشكيل حكومة اغلبية مقابل معارضة فعالة، وتداولا حقيقيا للسلطة، والتخلي عن المحاصصة ومبدأ الاستحقاق الانتخابي في تشكيل الحكومة. وهذه متطلبات لايبدو ان الطبقة السياسية الحالية راغبة او قادرة على توفيرها، وقبل ذلك يتطلب فهما عميقا للديمقراطية واسسها ومبادئها لدى الحاكمين والمحكومين والناخبين على حد سواء.