جواد كاظم الدايني
كان الكاتب المصري مصطفى العقاد اشهر من دافع عن الحمار وكتب عن ذكائه، كما انكر صفة غبائه، لانها كانت شائعة انتشرت بسبب عناده وصفناته التي تشبه وضع التأمل لدينا حين نستغرق للتفكير في امر ما، وإذ أراد العقاد، متعاطفا، اعادة موضعة مكانة الحمار لدينا، فسوف أضم نفسي، ايضا، لكوكبة المتضامنين والمدافعين عنه، لكن ليس بطريقة العقاد، وانما بمحاولة اعادة موضعة أنفسنا في الوجود، والتذكير بأننا، كذلك، حيوانات وكائنات حية حظينا بفرصة كبيرة للتطور، لم تحظ بها غيرنا من الأجناس. صحيح ان هذه الفرصة، قادتنا لما نحن عليه اليوم، كما تحدث عنها التطور، الا انها افتقرت للغاية النبيلة والمتعالية، مثلما افتقرت للهدف الجوهري، لذا لا يمكن ان تمنحنا تلك الفرصة العرضية، مرتبة اعلى في شرف الوجود، كما لا يحق لنا ان ندّعيها لانفسنا بسبب سيادتنا اليوم على هذا العالم، فالشرف هو التزام اخلاقي لم يكُ ليسمح لنا بالاستعلاء واحتقار باقي الموجودات. ليس من دليل على كل ذلك، اكثر من تشبيهنا لبعضنا بالحمير مثلا، من زاوية اننا ننظر بدونية لها، عندما نحاول استعارة هذه الدونية لنرمي بها بعضنا. الكثيرون، ايضا، يرفضون نتائج الأبحاث العلمية الحديثة، التي اثبتت ادلتها الاحفورية والاثرية، اننا ابناء عمومة للقردة، وان ما يميزنا هو درجة التطور والتعقيد وليس النوع، ومع كثرة التشابهات والتطابقات، لا يمكننا التغاضي عنها، ولا يمكن إنكارها، لاننا فقط نؤمن، او نعتقد بدون دليل، باننا ابناء الالهة، ولن تسمح لنا مرتبة الشرف، ان يكون لنا اصل وضيع مشترك مع القردة. كان الفيلسوف فرانسيس بيكون اول من شكك بموضوعية فهمنا للعالم، وان المعرفة التي ننتجها، هي معرفة موجهة ومتهمة بالتحيز لجنسنا، وبالتالي هي لا تصف الواقع كما هو، طالما ان الدافع لها هو الهيمنة والاستحواذ والتحكم الخارجي واستغلال. يعتقد بيكون، ان تاريخ الفكر الانساني هو تاريخ للتعالي والغرور، وبالتالي فان ما نصنفه ونقيمه لا يتسم بالموضوعية، لذا فان أحكامنا تفتقر للعدالة والانصاف والعلمية. استطاعت المعرفة والعلوم من تقليص الفوارق بيننا وبين الكائنات الحية، فنحن نشترك معها بأصل واحد، وتتشابه جيناتنا كثيرا، كما تتشابه مراحلنا الجينية بشكل لافت ورائع، بالاضافة الى ان كل ما نملكه، تملكه باقي الحيوانات، لكن بدرجات متفاوتة من التعقيد الذي يبلغ أوجّه لدينا. جميع الكائنات، ونحن، نمتلك نفس الغرائز، ونمتلك مكونات وخواص بيولوجية متشابهة، تختلف بدرجة تطورها، لكنها وفرت للجميع طرقا متعددة للتواصل: قدرات للتعلم، سلوكيات تنظيمية، رغبات هيمنة، رغبات نفسية وبيولوجيا. ويمتلك البعض منها مستوى من الذكاء والوعي والإدراك ما سمح لها بانشاء نظم اجتماعية وسياسية، لكنها لا تستطيع التعبير عن وجودها ولم يتطور الدماغ بما يكفي ليخلق ادراكا ووعيا معقدا قادرا على تحديد العلاقات بين الاشياء، تشبيها او استعارة، ويطور تجريدا للواقع، مدعوما باشد ألغاز البشرية غرابة وهو اللغة، وفيما لم تتمكن اي من الكائنات من ذلك، لكننا فعلنا في النهاية. ما نحن عليه اليوم ليس هبة ولا إعجازا، بالمنظور العلمي، لان هذا التعقيد والاعجوبة لم يتشكل الا عبر ملايين السنين من الضغوط البيئية لانتخاب الصفات المطلوبة التي تدعم قدراتنا التكيفية للعيش مع المتغيرات البيئية والاجتماعية. حدث ذلك عبر تكيفات مكثفة، بيولوجية ووراثية، نتيجة احداث وتغييرات بسيطة وهامشية وبعضها نتيجة جانبية وثانوية كاستجابة لحظية، لم تشكل اي منها جوهرا لوجودنا، لكنها شكلت فرقا شاسعا عبر مسيرة التطور الكبيرة، لنكون على ما نحن عليه الان. من المنظور الأخلاقي والنفسي لا يمكن ان تبرر لنا تلك الهوامش الثانوية والتافهة بمنظور التعقيد اليوم، هذا التعالي والفخر والنرجسية ونحن اليوم امام اخر معاقل ما يسمى في الفلسفة القديمة بجوهر وجودنا. ما يميزنا حقا هو القدرة على التفكير المعقد، نمتلك قدرات عالية على التذكر، تسمح لنا بالتحليل والاستنتاج والاحتفاظ بالصور ومقارنتها خلال تطور قدراتنا الذهنية، وفي كل هذا ليس هناك ما يدعونا لهذه النرجسية وتضخم الانا واحتقار بعضنا وغيرنا من الكائنات. عندما سأل طالب أستاذه الجامعي، الذي يعتقد بوصول كائنات فضائية الى الأرض، لماذا لم تحاول تلك الكائنات التواصل معنا، اذا كانت قد وصلت بالفعل؟ فكان جواب أستاذه: هل حاولنا بيوم من التواصل مع الصراصير؟