خبراء: أزمة الدولار تهدد الرواتب الحكومية والسيولة النقدية لا تكفي
6-شباط-2023
بغداد ـ سلام جهاد
يوصف الاقتصاد العراقي بـ"الريعي" نتيجة اعتماده بنسبة 95% على الإيرادات النفطية حيث تقوم وزارة المالية بتحويل الدولار المتأتي من مبيعات النفط إلى البنك المركزي للحصول على الدينار العراقي لدفع النفقات التشغيلية من رواتب وأمور أخرى يتم دفعها شهرياً. ونتيجة لانخفاض مبيعات البنك عبر المزاد الذي يجريه يوميا للمصارف وشركات التحويل، فإن الحصول على الدولار سيصبح أمراً صعباً مستقبلاً. طبقا لتخمينات المتخصصين.
ويتخوف خبراء من أزمة جديدة تلوح بالأفق، تتمثل بعجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين والمنافع الاجتماعية الأخرى، نتيجة نقص السيولة المالية، بعد ان تسببت الشروط الجديدة التي فرضها البنك الفيدرالي الأمريكي على البنك المركزي العراقي بشأن غسل الأموال وإيقاف بعض المصارف من الدخول لمزاد العملة بعد اتهامها بتهريب العملة.
وفرض البنك الفيدرالي الامريكي في تشرين الثاني عام 2022 عقوبات على 14 مصرفاً عراقياً وأدرجها في القائمة السوداء نتيجة تهريبها للدولار وقيامها بعمليات غسيل أموال والتي تم إيقافها من قبل البنك المركزي العراقي بعد ان كانت تدخل لنافذة بيع العملات الأجنبية. وبحسب بيان صدر عن مكتب رئيس البرلمان، أمس الاثنين، فأن رئيسي مجلسي الوزراء محمد السوداني والنواب محمد الحلبوسي بحثا ملفات لها "تماس بحياة واحتياجات المواطنين".
وذكر مكتب الحلبوسي، في بيانه، إن الاخير بحث مع السوداني الأوضاع العامة في البلاد، والتأكيد على أهمية التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، حيث تم بحث عدد من الملفات السياسية والاقتصادية والخدمية والتشريعية التي لها تماس بحياة المواطنين وتلبي احتياجاتهم.
الخبير الاقتصادي وأستاذ علم الاقتصاد في الجامعة العراقية، عبد الرحمن المشهداني، يقول ان "هناك مخاوف جدية من عدم قدرة الحكومة على دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين خلال الفترة المقبلة".
ويضيف ان "الحكومة تبيع النفط بالدولار والبنك المركزي يقوم ببيع الدولار عبر النافذة ويعطي الدينار للحكومة والاخيرة تقوم بتوزيع الدينار كرواتب".
ويزيد بالقول: انه "منذ أكثر من 3 أشهر انخفضت مبيعات البنك في النافذة الى مستويات اقل من 100 مليون دولار يومياً وحتى وصلت في بعض الأحيان لأقل من 50 مليون دولار يوميا، وشهريا تصل الى ما يقارب ملياري دولار في حين تحتاج الحكومة الى 5.5 مليار دولار لتوزيع النفقات التشغيلية من رواتب وامور اخرى".
ويشير المشهداني الى ان "الحكومة والبنك المركزي ليس لديهما مصادر أخرى تمكنهما من تعويض الدينار العراقي لان الدينار في جيب المواطن العراقي وجميع وسائل البنك من اصدار سندات غير فاعلة، كما ان النظام الضريبي والرسوم الجمركية فاشلة وحتى الحكومة هي غير قادرة على جباية أجور استهلاك الكهرباء".
ويلفت الى ان "البنك المركزي لم يستطع ان يخلق ثقافة مصرفية على مدار الـ50 الى 60 سنة التي مضت، فهناك تخوف وهناك روتين إداري قاتل عند فتح الحساب وعند إيداع المبالغ وسحبها وحتى الفائدة التي يضعها المصرف هي غير مجزية، وبالتالي المواطن يفضل وضع المبالغ في البيت بدلا من إيداعها لدى المصارف".
ويبين ان "اكثر من 77% من العملة المصدرة خارج الجهاز المصرفي لدى الجمهور، وهي أموال ساخنة وغير مكتنزة، لم يستطع الجهاز المصرفي ان يسحب اي جزء منها، كما ان وزارة المالية لا تملك الاموال التي حصلت عليها من بيع الدولار للبنك المركزي لان البيع كان يتم شهريا وكانت تدفع هذه الاموال كرواتب واجور ونفقات تشغيلية واستثمارية فمن يملك هذه الاموال الجمهور وليس المالية".
ويؤكد ان "الحكومة ليس لديها خيارات كثيرة فهي اما ان تذهب الى ما قامت عليه تجربة اقليم كوردستان من عملية الادخار الاجباري او القيام بطبع عملة جديدة وتوزيعها كرواتب". من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي محمد الحسني، ان "ما تحدث به البعض لمعالجة ارتفاع اسعار الدولار وتلافي فشل الحكومة في دفع رواتب الموظفين من خلال دفع الرواتب بالدولار هو امرا غير صحيح لأن ذلك يتعلق بالسيادة الوطنية وما يتبعه من مشاكل اقتصادية كبيرة ومن شأن ذلك انخفاض قيمة الدينار أكثر مما هو عليه حالياً".
ويقول ان "الحكومة ليست عاجزة تماما عن تسديد الرواتب للموظفين والمتقاعدين حيث ان لديها من السيولة النقدية التي يمكنها ان تناور بها لعدة اشهر".
ويستدرك أن "الحكومة لديها القدرة على الاقتراض وبيع السندات كما كانت تقوم به سابقا خلال الازمة المالية التي حصلت في عام 2019".
ويذكر المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، ان "ما يتحدث به البعض عن عدم قدرة الحكومة على دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين في المستقبل أمر غير صحيح، وهذه عبارة عن شائعة واستنتاجات ضيقة تؤذي المواطن".
ويطمئن بان "الدولة لا تنتظر وهي ليست ساكنة من دون ايجاد حلول لجميع المشاكل التي تواجهها"، مبينا أن "لدى الدولة ادواتها العديدة القادرة على إيجاد الحلول سواء الاقتراض او تشجيع الادخار من خلال رفع الفائدة او أدوات الدين التي تصدرها الحكومة".
ونوه صالح الى ان "هناك عاملان وهما ارتفاع قيمة الدينار وارتفاع سعر الفائدة من شأنهما ان يأتيان بالسيولة النقدية". وعادت الحكومة الى توظيف الآلاف من المواطنين في عدد من الوزارات والدوائر التابعة لها بعد توقف استمر لأكثر من عام نتيجة انخفاض موازنة العراق العامة بعد انتشار وباء كورونا، ما ولد ضغطا اخر على الحكومة ورفع اعداد الموظفين في القطاع العام، يضاف لهم الملايين من المتقاعدين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية.
ويقول المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، ان "عدد الموظفين من اختصاص وزارة المالية إلا ان وزارة التخطيط قامت بإدخال الموظفين في منصة الرقم الوظيفي".
ويضيف انه "تم إدخال 3 ملايين و300 الف موظف في هذه المنصة، والعمل ما زال مستمرا حتى الان".
ويوضح ان "المنصة هي مشروع تم العمل به منذ عام 2021 ويتضمن تفاصيل كل موظف يعمل بالدولة العراقية ويكون لكل موظف رقم وظيفي خاص به وهو اشبه بـ(الكود) وفيه تفاصيل من تاريخ تعيينه والراتب وتفاصيل اخرى خاصة به".
وتشير الاحصاءات الرسمية الى ان هناك اكثر من أربعة ملايين موظف واكثر من 3 ملايين متقاعد، واكثر من مليونين يتقاضون رواتب شبكة الحماية الاجتماعية، وبحسب خبراء الاقتصاد فإن 70% من الموازنة تذهب للموازنة التشغيلية كرواتب ونفقات تشغيلية أخرى.