بغداد ـ العالم
تشير جميع التحليلات والآراء إلى ان خط البصرة ـ العقبة النفطي "مشروع عبثي" لا طائل تجارياً منه، إنما يشكل نواة لمشروع أمريكي أطلق عليه "الشام الجديد"، ثم تغير اسمه، لأنه لا يمرّ بقلب الشام (سوريا ولبنان)، فسُمِّيَ مشروع "المشرق الجديد".
يقول مراقبون، انه يهدف إلى زجِّ إسرائيل في اقتصادات المنطقة ومحاصرة سوريا وإيران ومعهما كل دولة ترفض التطبيع والاستسلام، مشيرين الى ان الخام العراقي يذهب أغلبه إلى دول في آسيا وجنوب شرقها، وفي مقدمتها الصين والهند وأقصر طريق لها هو عبر موانئ العراق، فالخليج والمحيط الهندي. أمّا البحر الأحمر فلا يؤدي إلا إلى الكيان الصهيوني ومصر والسودان وإثيوبيا ودول جنوب أفريقيا واليمن والسعودية، ومعظم هذه الدول ليس لها أي تعامل تجاري نفطي مع العراق.
وبعد سنوات من التردّد والتسويف والممانعة مارستها الحكومات السابقة، اتخذت حكومة السوداني خطوة عملية مهمة للبدء في تنفيذ هذا المشروع المثير للجدل، فقد تم إدراج المرحلة الأولى منه، والتي تصل بالأنبوب إلى مدينة حديثة في الموازنة العامة لعام 2024، وتخصيص مبالغ ضخمة لهذه المرحلة، قدّرت بأربعة مليارات وتسعمئة مليون دولار (تعادل ستة تريليونات وأربعمئة مليار دينار عراقي). كما أن العراق سيتحمّل تكاليف بناء الأنبوب داخل الأردن أيضاً وحتى ميناء العقبة، ثم تؤول ملكية القسم الأردني منه بعدها إلى الأردن.
وتاريخياً، يعود هذا المشروع إلى عام 1983 حين اتفق العراق والأردن خلال الحرب العراقية الإيرانية على مدّ هذا الأنبوب. وجرى التخلي عن المشروع وإهماله بعدما فشلت الدولتان في الحصول على ضمانات دولية بعدم تعرض الكيان الصهيوني للأنبوب وتدميره.
يقول النائب المستقل مصطفى جبار سند، ان حكومة السوداني هي "أجسر حكومة على المال العام وثرواته"، معتبرا ان المشروع "لا دخل له بتنويع منافذ التصدير".
ويضيف سند وهو عضو في اللجنة المالية النيابية، أن "التصدير عن طريق البحر الأحمر غير مجدي وبعيد، وكلفه مضاعفة، ويمر بمضايق صعبة وسيطرة".
ويتعهد سند بأنه مع مجموعة من الشباب "سنقوم بعرقلة تنفيذ المشروع بكل الوسائل الّتي تحفظ الكرامة، حتى لو كلف الأمر حياتنا".
فيما يؤكد الأكاديمي نبيل المرسومي بأن "خط جيهان اصبح عاطلا منذ عام 1990 ثم اصبح انبوب تهريب بعد عام 2003، ولولا تركيا لبقي انبوب تهريب لسلطات الاقليم"، مشيرا الى ان "خط انبوب بانياس في سوريا الذي توقف العمل به ما زال يستخدم للتهريب ايضا".
ويقول المرسومي، ان "العراق دفع مليارات الدولارات ثمنا ل هذه الأنابيب بينما ذهبت بالرمال العربية، واصبحت خطرا يهدد الاقتصاد العراقي، لأنها أصبحت أنابيب تهريب".
ويسخر المتحدث من "الدافع لاقامة الانبوب وهو الخوف من غلق مضيق هرمز"، معتبرا ذلك "احد الاكاذيب التي سمعنا عنها ولم نشاهدها، لان هذا المضيق شهد اطول حرب نظامية بالقرن وهي الحرب العراقية الايرانية ولم يغلق، ثم حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت. وشهد دخول اكبر قوات اجنبية بتاريخ المنطقة ولم يغلق. الحصار والضغوط على ايران ولم يغلق. احداث غزة وما يفعله الحوثيون بمضيق البحر الاحمر ولم يغلق".
ويتساءل المرسومي، "هل من مصلحة العراق ان يدعم الاردن ومصر بالنفط ؟ هل لدى مصر والاردن موقف سياسي مع العراق قبل 2003 وبعد 2003؟"، ثم يضيف "أليست الاردن ومصر تحميان اسرائيل باسوار وجيوش عربية؟".
ويستعين المتحدث بالارقام، قائلا "ان 80% من نفط العراق يذهب شرقا للصين والهند، ولا يوجد مشتر من الغرب لاسباب كثيرة ومنافسين لتلك الاسواق"، متسائلا مرة أخرى: "اذا انفق العراق 22 او 27 مليار دولار على الانبوب والموانئ والمنصات والمدن الصناعية والمصافي في مصر والاردن، فكم هي الارباح المتوقعة للعراق وكم هي الفترة الزمنية التي سوف تغطي تكاليف هذه المشاريع؟".
فيما ردت وزارة النفط، أمس الاثنين، على الانتقادات التي طالت مشروع خط بصرة - حديثة، مؤكدة أن المشروع تنموي وسيعمل على رفد الاقتصاد العراقي.
وقالت الوزارة في بيان ورد لـ"العالم"، إن "مشروع انبوب النفط الخام (بصرة - حديثة) هو مشروع تنموي سيرفد الاقتصاد العراقي ويعطي مرونة كبيرة لمناقلة وتصدير النفط الخام داخل العراق وخارجه".
واضافت ان "المشروع سيعمل على توفير آلاف فرص العمل للعاملين في جميع المناطق فضلا عن كونه مشروع مكمل لمشروع طريق التنمية حيث تسعى وزارتنا مستقبلا لمد أنبوب غاز موازي لهذا الأنبوب ليكون العراق منطقة عبور دولية لتصدير الغاز اضافة الى النفط الخام".
وبيّنت أن "وسائل التواصل الاجتماعي تداولت مؤخرا الكثير من المعلومات غير الدقيقة حول مشروع انبوب النفط الخام بصرة - حديثة الذي شرعت وزارة النفط بالخطوات الأولى لتنفيذه لتعزيز الاقتصاد العراقي من خلال تطوير منظومة التصدير الشمالية وفتح منافذ تصديرية جديدة لنقل النفط الخام العراقي الى دول اوروبا وامريكا الشمالية تماشيا مع مشروع طريق التنمية وسعي الحكومة لجعله ممرا للطاقة العالمية بالإضافة إلى دوره في نقل البضائع بين الشرق والغرب".
ويلخص النائب سند قصة الانبوب بأنه "خضوع لطلب الأردن والبيت الأبيض".